متى نعترف بضرورة الاختلاف؟ - فاضل العماني

  • 8/31/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الإقرار بوجود مشكلة، يُمثل البداية الحقيقية لحلها. تلك هي القاعدة الذهبية التي ينبغي الوثوق بها، كلما استفحلت مشكلة ما. منذ أكثر من ثلاثة عقود، والعالم العربي والإسلامي يمر بمرحلة مخاض عسير، استنزف منه الكثير من الثروات والقدرات والإمكانات، سواء البشرية أو المادية. مخاض، أفرزته العديد من الإشكالات والأزمات والتحولات، السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية، ولكن أكثرها على الإطلاق خطورة وأهمية، هي المسألة الطائفية التي تُستدعى كلما دعت الحاجة لها، لأنها الفتيل الذي يُشعل بل يُحرق المنطقة بأكملها، لكي تتحقق الأهداف والأجندات الخبيثة التي تقف وراءها الكثير من الدول والنظم والدوائر والجماعات. ومسلسل التوظيف الطائفي البشع، يحظى بزخم إعلامي وفكري وشعبي، تماماً كما لو كان مطلباً جماهيرياً ملحاً!. مسلسل ميلودرامي، يغص بمشاهد وصور وأحداث وسيناريوهات القتل والدمار والتصفية والوحشية التي تتوزع ضحاياها على كل مكونات واعتبارات العالم العربي والإسلامي، بل وكل العالم. نعم، الأهداف في أغلبها سياسية ومصلحية وسلطوية، ولكنها تُمرر عادة عبر بوابة الطائفية البغيضة التي يخطف بريقها ووهجها وجوه البسطاء والأتباع والمريدين، بل وقد تخدع حتى النخب والمثقفين والمتخصصين! وهنا، لابد من الاعتراف، بأن ثمة وجود حقيقي للمعضلة الطائفية، كمنظومة عقدية تُمارسها الفرق والمذاهب. نعم، هناك مشكلة طائفية حقيقية، مندسة في تفاصيل المشهد العربي والإسلامي، بل ومستقرة في بنية فكرنا ووعينا ومزاجنا، وليس كما يُحاول البعض أن يُصورها، بأنها مجرد أوهام وأباطيل، أو حبائل لجر المجتمعات العربية والإسلامية لحروب عبثية وأزمات مفتعلة. نعم، الطائفية واقع مرير، نعاني منه منذ عقود، بل منذ قرون، ولكنها لم تأت من فراغ، أو تسقط علينا من كوكب آخر، ولكنها صدى حقيقي لخلل أصيل في منظومة الفكر والوعي الجمعي، وترجمة فعلية للكثير من الأفكار والمصطلحات الملتبسة والنصوص والمرويات المتناقضة، إضافة إلى موروث هائل من الغرائبيات والقناعات والمسلمات التي تصطدم بصخرة المنطق والعقل والواقع. إذاً، ما الحل؟. قد يبدو السؤال لأول وهلة، في غاية البساطة والسهولة، إذ توجد بعض الإجابات الجاهزة والنمطية التي نحملها جميعاً، إجابات كالعودة إلى سماحة الإسلام، وإشاعة روح التسامح والعدل والحرية، والتحذير من مظاهر الطائفية والعصبية والفئوية، ونبذ كل ملامح التجييش والتعبئة المذهبية والفكرية، والعديد من الإجابات التي أشبعت كتابة وتنظيراً. تلك الإجابات وغيرها، رغم واقعيتها وأهميتها وتأثيرها، إلا أنها لا تقول كل الحقيقة، أو بمعنى أدق، لا تضع أصبعها على الجرح الحقيقي الذي ينزف بغزارة. الحقيقة، هي أننا بحاجة ماسة لتحرير الكثير من المصطلحات والقيم والقناعات من تعريفاتها وتوجيهاتها النمطية بل والملتبسة كالجهاد والقتال والنفير واللعن والبراء والتكفير والردة والمخالف وغيرها من المصطلحات المفخخة التي يوظفها الكثير من العلماء والدعاة والخطباء و"الجهاديين" للوصول إلى مكتسبات واستحقاقات طوباوية وخيالية، ولا وجود لها إلا في مخيلتهم السقيمة. فلنعترف بوجود اختلافات/خلافات عقدية وفكرية وثقافية بين مختلف المذاهب والطوائف، ونعتبر هذا الأمر طبيعياً وصحياً، ونشترك جميعاً في صناعة منظومة من الأفكار والمصطلحات والقيم التي تنظم وتؤطر كل مظاهرنا الخلافية. المشكلة دائماً، ليست في مظاهر الاختلاف، لأنها لن تنتهي، ولكن المشكلة في إدارته.

مشاركة :