قانون الانتخابات يضع الطائفة الدرزية "تحت الإقامة الجبرية" بقلم: شادي علاء الدين

  • 2/20/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قانون الانتخابات يضع الطائفة الدرزية تحت الإقامة الجبرية كشفت دوامة قانون الانتخابات البرلمانية عن حالة فرز وانقسام جديدة بين الفرقاء اللبنانيين حول طبيعة النظام الانتخابي، بما يهدد بتأجيل هذه الانتخابات، حيث تشارف المهلة المحددة لدعوة الهيئات الناخبة للتوصل إلى قانون انتخاب على الانتهاء (21 فبراير) دون أن تلوح في الأفق بوادر اتفاق قريب، في ظل إصرار حزب الله والرئيس ميشال عون على الدفع باتجاه إقرار قانون النسبية (أي القوائم) الذي يعتبره النائب وليد جنبلاط اغتيالا سياسيا له. العربشادي علاء الدين [نُشرفي2017/02/20، العدد: 10549، ص(7)] السعي للحفاظ على دور متوازن بيروت - يقرأ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون من سلاح حزب الله بتمعن. وينظر إلى استسلام كل القوى السياسية اللبنانية لمرجعية الحزب ووصايته المطلقة على كل المشهد العام، بوصفه مشهدا لا يحتمل التأويل ويسقط كل الأوهام. لا يشكل قانون الانتخاب النسبي الذي يسوّق له حزب الله بدعم من رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي ويعتبره جنبلاط محاولة واضحة للقضاء على زعامته، سوى واحد من فصول استكمال هيمنة الحزب على البلاد. كما يرى أنه يهدف إلى تحجيم كل الزعامات التي لا تدور في فلك حزب الله مباشرة عبر توزيع الحصص النيابية على عدة مكونات مختلفة داخل كل طائفة بغية تفعيل الصراعات. قانون الانتخابات وتراجع التسويات سبق لوليد جنبلاط أن رفض صيغة القانون المختلط تحت عنوان “تعدد المعايير”، ولكنه عاد مؤخرا إلى القبول بصيغة من صيغ القانون المختلط أودعها عند الرئيس مجلس النواب نبيه بري تقوم على أساس معايير موحدة. وتشير المعلومات الواردة مؤخرا إلى أن هذه الصيغة تحظى بدعم بري. لكن كل هذا المناخ لا يعني شيئا في ظل إصرار حزب الله ورئيس الجمهورية على الدفع باتجاه إقرار قانون النسبية الذي يعتبره جنبلاط اغتيالا سياسيا له. وتجمع الكثير من وجهات النظر الصادرة عن محللين وسياسيين على أن قانون النسبية لا يمكن أن يمر لأنه يناقض مصالح كتل سياسية وطائفية وازنة، وأن رفضه لا يقتصر على الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بل يشمل تيار المستقبل أيضا. 206 عدد الناخبين الدروز في لبنان ولهم 8 نواب، وبالتالي يقلل القانون النسبي من وزنهم السياسي ويغفل المعطى الذي تدافع عنه وجهة النظر هذه طبيعة التحولات التي طرأت مؤخرا لناحية خروج الرئيس اللبناني على الخط العام للتسويات التي أنتجت التوافق عليه، وسمحت بتشكيل الحكومة، فلم يكن موقفه المعلن الميال إلى شرعنة سلاح حزب الله موقفا عابرا بل تعبيرا عن دخول الأمور في مرحلة جديدة، تعود فيها الاشتباكات والاصطفافات الحادة إلى البروز. وتضاف إلى ذلك معاودة الأمين العام لحزب الله في خطابه الأخير الهجوم على السعودية على الرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت مع زيارة الوزير ثامر السبهان، وزير الدولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية، إلى بيروت. وتشير كل هذه الأجواء إلى أن فكرة التوازنات والتسويات اهتزت بقوة ما لم تكن قد طويت، وأن الباب يظل مشرعا أمام استكمال مشاريع الغلبة التي لن تكون الكلمة فيها إلا للقوة. ويعلم الزعيم الدرزي أن الأجواء السائدة ليست أجواء مراعاة الهواجس والحساسيات، والحرص على الحفاظ على التوازنات، كما يعلم أيضا أن قدرة طائفته على المواجهة ليست كبيرة. ويعي بأن المأزق المزدوج الذي يقع فيه الدروز حاليا ليس عابرا، فهم لا يستطيعون فتح معركة مباشرة مع المسيحيين والشيعة، ولا يستطيعون في الآن نفسه السكوت عن محاولات الإقصاء والتهميش. وتكرر في الآونة الأخيرة خطاب يعتبر أن أهمية المناخ الذي كان قد سمح بنشوء التسويات، يكمن بشكل خاص في منح كل مكون لبناني، وبغض النظر عن حجمه، حق الفيتو ضد أي قرار لا يناسبه. عندما أعلن الزعيم الدرزي حربه ضد قانون النسبية تعاطفت معه العديد من القوى السياسية التي أكدت أنه لن يمر قانون لا يرضى عنه وليد جنبلاط، وبدا الأمر وكأنه تكريس للواقع الذي كانت التسويات قد أفرزته. غازي العريضي: البديل عن التفاهم حول قانون الانتخاب هو دخول البلاد في انقسام حاد وظهر مناخ مناقض لهذا المنطق مؤخرا، فقد برزت معطيات تؤكد أن الإدارة الأميركية الجديدة تنظر إلى لبنان بوصفه بلدا يقع بالكامل تحت السلطة الإيرانية، ولا يبدو أن نظرة السعودية ودول الخليج أو المحيط الإقليمي والدولي تخالف الرؤية الأميركية في هذا الصدد. ولا يمكن أن يكون الزعيم الدرزي، وهو المشهور بثقافته الاستراتيجية العالية، غافلا عن هذا السياق، وهو الذي أبدى في الكثير من مواقفه التي ينشرها على موقع تويتر أو في تصريحاته المعلنة، الكثير من التبرّم والإحساس بعدم جدوى السياسة في لبنان وخوائها. وتكمن المشكلة الدرزية إذن في سيادة مناخ إقصائي عام يكمن خطره في أنه يسعى إلى جر الطائفة الدرزية إلى إقامة جبرية في حدود التعريف الطائفي الأقلوي، وهو ما تجنبته لا بل سعت لمحاربته طوال تاريخها في لبنان والمنطقة. يضاف إلى ذلك أنه يهدد بإحياء ذاكرة الصراعات، وخصوصا الصراعات الدرزية المارونية، وتبديد مفاعيل المصالحات التي بذلت جهود حثيثة لإنجاحها بغية دفن أحقاد الحرب الأهلية. يعبّر النائب غازي العريضي عن وجهة نظر تعتبر أن الطائفة الدرزية “لا تحس بوجود طموحات إلغائية ضدها”، ولكنها في موقفها من قانون الانتخاب “حرصت على التعبير عن رأيها وهي تطلب لنفسها ما تطلبه لغيرها”. ويرفض العريضي استعمال مصطلح إلغاء في سياق التعبير عن موقف الطائفة الدرزية، ويؤكد أن المكون الدرزي “يؤيد شعار العدالة وصحة التمثيل”. وفي ما يخص إصرار حزب الله على طرح موضوع النسبية الكاملة والذي اعتبر استهدافا مباشرا لزعامة وليد جنبلاط، يقول العريضي “طرح حزب الله مشروع النسبية الكاملة وهو يدافع عنه، ولكنه أعلن أنه منفتح على النقاش حول أي صيغة يتوافق عليها الجميع. كل طرف سياسي يكشف عن مواقف مبدئية، ولكن في الوقت نفسه وانطلاقا من واقع أن لا أحد بإمكانه أن ينفذ مشروعه بغض النظر عن آراء الآخرين، فإن الكل يضع مشاريعه قيد التداول والنقاش”. ويشير العريضي إلى أن “الهواجس لا تقتصر على الطائفة الدرزية، فالجميع لديه الكثير من الهواجس. فقد اعترضنا على مشاريع قوانين، وغيّرنا من القوى السياسية بحيث تم الاعتراض أيضا على عدة مشاريع أخرى”. ويلفت إلى اعتراض قوى متحالفة وممثلة في اللجنة الرباعية المؤلفة من ممثلين عن تيار المستقبل وحزب الله وأمل والتيار الوطني الحر على مشاريع قدمتها اللجنة لأنها لا تتناسب مع مصالحها. ويعتبر أن الاعتراض الدرزي يصب في الخانة نفسها ولا يتجاوز ذلك. ويؤكد أن “هناك غربلة للمشاريع والاقتراحات، ولا بد من أن نصل في نهاية المطاف إلى إنتاج صيغة يتوافق عليها الجميع لأن البديل عن ذلك هو حصول انقسام كبير في البلد”. خصوصية الدروز تكمن في أنهم الطائفة اللبنانية الوحيدة التي لا ترتبط مباشرة بمرجعية خارجية نحو قانون دستوري يعتبر خضر الغضبان، عضو قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي، أن الطرح الأساسي الذي يطالب الحزب بتوفره في قانون الانتخابات هو “أن يكون القانون المطروح دستوريا قبل كل شيء”. ويعرض الغضبان الموقف الدرزي، معتبرا أن “الأمور بسيطة جدا بالنسبة إلينا، فمن يريد أن ينتج قانونا انتخابيا جديا، فإن عليه أن يراعي اتفاق الطائف الذي كان واضحا في هذا الصدد لناحية إقامة مجلس شيوخ، وإجراء انتخابات خارج القيد الطائفي. هذه أحد الحلول التي نقترحها وهي متضمنة في اتفاق الطائف”. ويعبر الغضبان عن أسفه للجوء “بعض القوى السياسية إلى طرح قوانين ذات بعد طائفي بحت. كل المشاريع المطروحة حاليا تعيد بشكل أو بآخر إنتاج صيغة مقنعة من القانون الأرثوذوكسي الطائفي، لناحية إصرارها على أن ينتخب المسلم النواب المسلمين وأن ينتخب المسيحي النواب المسيحيين. هكذا تعود الأمور إلى المربعات الضيقة، فبدل أن نبحث في صيغة تؤمن الانصهار الوطني، إذا بنا نعود إلى الحدود الضيقة للطائفة”. ولا ينكر الغضبان وجود استهداف لدور وليد جنبلاط الوطني، ولما يمثله كزعامة وطنية ويؤكد أنه “إذا كان المطلوب في أي صيغة قانون تحقيق عدالة التمثيل، فإن لا أحد سيكون ضد هذا التوجه، ولكن لن نقبل بأن تمرر قوانين على مقاس مصالح بعض القوى السياسية. نحن سنقف في صف أي قانون جدي ومنطقي ودستوري”. ويقول الغضبان في هذا الصدد “اليوم حزب الله يمثل مكونا أساسيا في البلد ولكنه لا يستطيع أن يدير البلد لوحده ولا أن يبتلعه”. ويعلق على بعض الخطابات التي تستعيد ذاكرة الصراع الماروني الدرزي، مشددا على أن “أي خطاب ينطلق من خلفية انتخابية، ويسعى إلى استعادة تاريخ الأحقاد الماضية والجراح الدفينة، مرفوض تماما من قبلنا”. ويضيف “لقد تجاوزنا هذه المرحلة وخصوصا بعد المصالحة التاريخية التي رعاها وليد جنبلاط والبطريرك صفير في سنة 2001، والتي نحرص على تجديد التمسك بها في كل مناسبة. لن ينجح أحد في جرنا إلى اعتماد هذا المنطق، أو الركون إلى تلك اللغة. وربما يكون من المفيد التأكيد على أن أبناء منطقة الجبل، والتي جرت فيها أقسى فصول الحرب الأهلية، يعملون منذ 27 عاما على نفض آثار تلك المرحلة. لقد تم التأسيس لبنية عميقة من المصالحات والعمل على مراكمتها طوال هذه الفترة. لن نسمح بتخريب كل هذا المسار الطويل من أجل حسابات انتخابية يمكن أن تؤدي إلى زيادة أو خسارة نائب أو نائبين”. التسونامي المستمر هناك بُعد لا يشار إليه غالبا عند الحديث عن الهواجس الدرزية في لبنان عموما، وهو أن الطائفة الدرزية هي الطائفة اللبنانية الوحيدة التي لا ترتبط مباشرة بمرجعية خارجية. خضر الغضبان: من يريد أن ينتج قانونا انتخابيا جديا، فإن عليه أن يراعي اتفاق الطائف وقد تشكل هذه الخصوصية الدرزية عامل ضعف في ظل وضع ترسم فيه الوصايات الإقليمية والدولية مصير المنطقة ومصير لبنان، وتنظر من خلاله كل قوة إقليمية إلى المكون اللبناني الذي يدور في فلكها كجزء من مشروع نفوذها الخاص، بحيث يتم التفاوض على دوره ومصيره وحضوره انطلاقا من تطورات الميادين الملتهبة التي تفرض موازين قوى تنعكس على الداخل اللبناني. وحرص الدروز على تبني الحياد تجاه صراعات المنطقة وهم يخشون الآن من أن يكون للمحايدين النصيب الأكبر من تحمل تبعات عدم نضوج الهزائم والانتصارات بشكل واضح، وعدم قبول أي طرف بلغة الحياد واعتبارها انحيـازا إلى خصومه. وربما تكون هـذه المرحلـة هي المرحلـة الأكثر تعقيدا وقساوة لأنها مرحلة تتكثـف فيها خـلاصات كل الصـراعات والأحـقاد والتواريخ. وكان وليد جنبلاط قد خرج إبان عودة الجنرال ميشال عون من منفاه الباريسي عام 2005 على كل المناخ العام الذي كان سائدا آنذاك، والذي كان يعتبر في لحظة ما أن عودة الجنرال الذي قام كل حضوره السياسي على رفض الوصاية السورية والدعوة إلى تحرير لبنان من حكم نظام الأسد، إنما يعني التمكين الحاسم لمشروع ثورة الأرز وانتصار مشروع الدولة، وبداية نهاية نفوذ حزب الله. وحده وليد جنبلاط قرأ المشهد بعين استراتيجية وأطلق على عودة الجنرال آنذاك “التسونامي”. لم يخطئ الزعيم الدرزي في التوصيف، فها هو التسونامي يستمر في الاندلاع منذ تاريخ عودة الجنرال إلى لحظة توليه سدة الرئاسة بعد ترشيح عنيد من قبل حزب الله، أنتج بعد وصوله إلى سدة الرئاسة مواقف تدعم الرئيس السوري بشار الأسد وتدافع عن شرعنة سلاح حزب الله. لم يكن وليد جنبلاط محاصرا في أي مرحلة من مراحل تاريخه السياسي أكثر من مرحلة رئاسة الجنرال عون، واليوم تعكس هواجس جنبلاط هواجس الطائفة الدرزية عموما، والتي تتجاوز بكثير حدود القانون الانتخابي وأبعاده، وتتخذ بعدا وجوديا. كاتب لبناني

مشاركة :