العماد جوزيف عون تحت الإقامة الجبرية في ملامح نصرالله والأسد بقلم: شادي علاء الدين

  • 7/9/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

صورة قائد الجيش الخمسيني تكرست بوصفه رجلا يقف فوق السياسة، وأنه يستطيع أن يكون الشخصية القيادية الوحيدة التي يتحقق الإجماع العام حولها.العرب شادي علاء الدين [نُشر في 2017/07/09، العدد: 10686، ص(7)]حزب الله يدبر اغتيالا معنويا لقائد الجيش اللبناني في عرسال بيروت - ارتبط اسم قائد الجيش جوزيف عون بعرسال لدرجة أنه كان يلقّب قبل أن يتم تعيينه على رأس المؤسسة العسكرية بقائد جبهة عرسال، حيث كان يتولى قيادة الفوج التاسع الذي كانت مهمته ضبط الأمن في تلك المنطقة. فوق السياسة فرض الوضع الأمني دائم الاشتعال في عرسال وجرودها واقعا ميدانيا دفع به إلى رأس قائمة الترشيحات نظرا لخبرته على الأرض، وسمحت له بالتفوق على مرشحين مقربين من تيارات سياسية كبرى ومؤثرة مثل قائد فوج المغاوير شامل روكز صهر رئيس الجمهورية ميشال عون. بدا قائد الجيش الذي تدرّج في المناصب العسكرية بشكل سلس منذ التحاقه بالجيش عام 1983 وكأنه يمثل حالة جديدة وغير مألوفة في السياقات التي تحكم عملية توزيع المناصب الحساسة في البلد، إذ أن ملفه لا يحمل طفرات وقفزات مفاجئة في الترقيات، بل مجموعة من الشهادات والخبرات والدورات الخاصة إضافة إلى شهادة في العلوم السياسية. ارتسمت ملامح القائد الجديد للجيش انطلاقا من عدة عناوين، كان أبرزها أنه جاء نتيجة للتوافق العام الذي سمح بسد الفراغ الرئاسي وتشكيل الحكومة تحت سقف الضبط وربط النزاعات. لم يكن محسوبا على أيّ طرف سياسي لذا كان ممكنا تقديمه على أنه رجل المرحلة التي تعطي الأولوية للأمن والحرب على الإرهاب في لبنان. شكّل خروج قائد الجيش من دائرة الولاء السياسي الذي كان يسم أيّ مرشح لتولّي هذا المنصب مدخلا لإنتاج قراءة تنسب إليه خصوصية وتمايزا يسمحان ببث روح جديدة في مقاربة موقع قيادة الجيش وطريقة إدارته للتحديات المفروضة عليه. وهكذا لم تعد قيادة الجيش مدخلا يمهّد من خلاله من يتولّى هذا المنصب لتركيب ملف ترشيح رئاسي قويّ يتيح للقوى السياسية ممارسة الضغوط عليه وجره إلى دائرة التجاذب السياسي القائم وتحويل الأمن إلى مطية للطموحات الشخصية. تكرّست صورة لقائد الجيش الخمسيني بوصفه رجلا يقف فوق السياسة ويستعلي عليها، وأنه يستطيع أن يكون الشخصية القيادية الوحيدة التي يتحقق الإجماع العام حولها والتي ترتسم من خلالها معالم دور لبنان على خارطة محاربة الإرهاب التي صارت مصنع الشرعيات الدولية الأساسية في العالم. تحول الجيش اللبناني بسرعة قياسية من عنوان للتجاذب ومن مؤسسة تسود شكوك كثيرة حول أدائها وترتفع الشكاوى حول ممارساتها إلى مؤسسة ذات صفة دولية عابرة لحدود انعدام وزن التأثير اللبناني في السياسات الدولية، وصارت مدرجة في دائرة الاستراتيجية الأميركية لمحاربة الإرهاب في العالم بوصفها أكثر المؤسسات العسكرية فعالية في هذا المجال في المنطقة.التعذيب يتحول باتخاذ صيغة لغم بدا أن حزب الله قد أعده بحرص لينفجر في وجه قائد الجيش وطنية حب الجيش وشيطنة اللاجئ تناغم هذا التحول مع مزاج الأسطرة اللبنانية العام، وفجأة صار الجيش اللبناني خارج النقد وصار جزءا من بنية مقدس لطالما كان اللجوء إليه مقدمة لإقفال كل أنواع النقاشات والقراءات والدفع في اتجاه تأجيج الصراعات وقمع الحريات. ونمت على ضفة هذا المقدس وطنية لبنانية اخترقت الطوائف كلها اتخذت من اللاجئ السوري مسرحا لاستعراض ذاتها، والكشف عمّا يعتمل في بواطن الجماعات اللبنانية من كوامن ومخاوف وهذيانات. انفجر سعار التحول الديمغرافي الذي يمكن أن يتسبب به الوجود السوري بعنف شديد واكتسب مشروعية إعلامية وسياسية وتصدّر واجهة الخطاب الصحافي في أعرق الصحف اللبنانية. صار قائد الجيش مخلصا ومنقذا، وتبلور تصوّر يوحّد بين الإرهاب وبين السوريين، ونشأ تعريف يقول بشكل مباشر إن السوري في لبنان ليس إرهابيا وحسب ولكنه الإرهاب نفسه. وأناطت الهذيانات اللبنانية بقائد الجيش مهمة القضاء على هذا الإرهاب انطلاقا من هذا التعريف إلا أن الجيش كان يتبنّى خطابا يحرص على إقامة الفصل التام بين اللاجئ السوري وبين الإرهاب على الرغم من وجود الكثير من التجاوزات. وتوالى انكشاف ملامح مشروع شيطنة اللاجئ السوري وغطّى على واقع خطر تغلغل الإرهاب في قلب البيئة اللبنانية بشكل جديّ، ولم تفلح أخبار القبض على لبنانيين ينتمون إلى تنظيم داعش من التخفيف من وتيرة التركيز على رفع عناوين هذا المشروع إلى مرتبة الحقائق والبداهات التي لا تناقش. تدمير صورة الجيش وقائده فجرت عملية الجيش الأخيرة في عرسال الحدود بين المخيلات الهذيانية وبين ما يجري على الأرض، وبدا وكأن التوصيف الهذياني للسوري في لبنان بات المنطلق الذي يحكم آلية عمل الجيش اللبناني. ضاعت الحدود بين السوري والإرهاب، وبرزت صور السوريين أنصاف العراة مربوطي الأيدي والمرميين على الأرض في لهيب الشمس قبل أن يصار إلى الإعلان عن وفاة أربعة معتقلين قال بيان للجيش إنهم قضوا بسبب أوضاعهم الصحية السيئة وارتفاع درجات الحرارة وارتفع العدد بعد ذلك إلى 10 معتقلين.إشغال الرأي العام اللبناني بتخويفه من اللاجئ السوري يهدف إلى التغطية على واقع خطر تغلغل الإرهاب في قلب البيئة اللبنانية بشكل جدي، ولم تفلح أخبار القبض على لبنانيين ينتمون إلى تنظيم داعش من التخفيف من وتيرة التركيز على رفع عناوين هذا المشروع إلى مرتبة الحقائق والبداهات التي لا تناقش انتشرت صور تظهر وجود علامات تعذيب على أجساد المعتقلين الذين فارقوا الحياة واتهامات لرئيس بلدية عرسال بالتغطية على هذا الواقع، والعمل على إجبار أهالي اللاجئين على دفنهم مباشرة دون السماح لهم بالكشف عن الجثث واستدعاء كاتب عدل أو طبيب شرعي لإثبات أسباب الوفاة. لاح شبح النظام السوري بقوة في الفضاء اللبناني فانفجرت موجات غاضبة تندد بممارسات الجيش وتطالب بفتح تحقيقات للكشف عن ملابسات وفاة المعتقلين السوريين وانتشرت هاشتاغات صيدنايا لبنان ولا لبعثنة لبنان. اتخذ التعذيب صيغة لغم بدا أن حزب الله قد أعدّه بحرص لينفجر في وجه قائد الجيش، وخصوصا أن عملية نشر الصور الأولى عن عملية الجيش في عرسال والتي يظهر فيها معتقلون وآثار التعذيب بادية بوضوح على أجسادهم، كانت من قبل إعلاميي الحزب الذين أرفقوا تسريب الصور بعبارات متشفية وحرصوا بالتناغم مع التيار الوطني الحر على إطلاق حملات إعلامية تشدد على دعم الجيش وتخوّن وتهدّد كل من ينتقده. ذابت لحظة الأمل التي مثلها قائد الجيش الجديد وبدا وكأن المسارات التي طبعت عنوان محاربة الإرهاب والتي تتخذ من هذا العنوان مدخلا لاستباحة القوانين والكرامات والأرواح تمثل نقطة تتقاطع عندها مصالح العديد من الجهات المحلية والإقليمية والدولية. وكان الصمت الأميركي والأوروبي حيال الأمر مدخلا لإدراج اللاجئ السوري في دائرة الإهدار التي تقوم على أساسها الحياة السياسية في العالم الغربي الآن، وظهر توافق كوني يدرج حياة اللاجئ السوري وكرامته في عداد الأضرار الجانبية لعملية الحرب على الإرهاب. حشد نصرالله الشعبي في ظل هذه الظروف لم يعد قائد الجيش قادرا على البقاء خارج دائرة السياسة التي قامت خصوصيّته على انتفاء الانتساب إليها، فقد أدخلته مشهدية التعذيب التي فاضت عن عملية عرسال في دائرة سوداء يمكن أن تغرق سيرته ومكانته. هكذا نما هذيان ينظر أصحابه إلى الجيش وقائده ولا يرون سوى حزب الله وأقبية التعذيب الأسدية، في مقابل من لا يرون في السوري سوى الإرهاب. تقول الخلاصات المرعبة إن حزب الله نجح بعد عملية عرسال في أن يكون شريكا في الحرب على الإرهاب، إذ أن تبرير قتل السوريين تحت التعذيب والذي تغطّى بهذيان الإرهاب السوري العام الذي تتبناه جماعات لبنانية وازنة لم يكن سوى مشروعه. وبذلك فإن عنوان شراكته للجيش في محاربة الإرهاب والذي رفعه إثر عملية عرسال بات في حكم المنجز فعليا.قائد يقف فوق السياسة ويستعلي عليها تحقيق الشراكة والتوأمة بين الجيش اللبناني وحزب الله عبر وسيط قتل السوريين تحت التعذيب لن يدفع في نهاية المطاف سوى إلى تدمير الجيش اللبناني وفرض إقامة جبرية على قائده داخل ملامح الأسد ونصرالله. مهمة قائد الجيش، وهو القادم من تاريخ طويل من المناقبية، تكمن الآن في أن يردّ بحزم على محاولات اغتياله واغتيال الجيش من خلال فرض إجراء تحقيق شفاف يثبت إما عدم ضلوع الجيش في التعذيب أو أن يحاسب بقسوة أيّ عسكري أو ضابط يتضح أنه مارس التعذيب أو غطاه عنه وذلك من خلال تحقيق شفاف تشارك فيه منظمات دولية غير حكومية. هذا هو المسار الوحيد الذي يمكن أن يعطّل مشروع اغتيال قائد الجيش وأن يخرجه من أسر الإقامة في دائرة الشبه بالأسد ونصرالله، والتي تحوّل الجيش اللبناني إلى حشد شعبي ما، وتحوله إلى مدبر شؤون ميليشيا وليس قائد مؤسسة. لا يشك المتابع للمشهد اللبناني أن حشدنة الجيش اللبناني تقع في قلب الاستراتيجية الإلهية الإيرانية كما عبّر عنها بوضوح السيد حسن نصرالله مؤخرا حين أعلن أنه في حال أقدمت إسرائيل على مهاجمة لبنان فإن مئات الآلاف من المقاتلين من الأفغانيين والباكستانيين سيتدفقون إلى لبنان للدفاع عنه. أطلق نصرالله هذا الخطاب الذي يلغي أيّ دور للجيش في حماية لبنان ويكشف عن عدم اعتراف به، ثم أطلق آلته الإعلامية طالبا منها العمل على إظهار أسمى آيات التأييد للجيش اللبناني إبان لحظة عرسال وما أسفرت عنه من مشهدية تضعه في موضع التطابق مع نموذج الحشد الشعبي. الجيش يكون ممتنعا عن الوجود إذن حين تستدعي الأمور الدفاع عن لبنان، في حين أنه يكون مقدسا فقط حين يحارب الإرهاب بالشكل الذي يمثل عقيدته، أي ذلك الذي ينتج مشهدية قتل المعتقلين تحت التعذيب. واللافت في كل هذه اللعبة أن أدبيات حزب الله حرصت على الدفع بعنوان محاربة الإرهاب إلى الواجهة وتكريس قداسته، والعمل على تكوين صورة للجيش مبنية على أساسه من أجل منع الجيش من الدفاع عن نفسه، وإغراقه في دوامة الحق في الخروج على كل حدود الضبط المؤسساتي والقانوني والإنساني والأخلاقي، وإغرائه بالتحول إلى حشد شعبي، وتركيب صورة لقائده تضعه في مرتبة “أبوعزرائيل”. المؤسسات لا تعذّب بل تطبق القوانين وعملية دفاع قائد الجيش عن مكانته وعن الجيش لا يمكن إلا أن تنطلق من استحالة إقامة مفاضلة بين فكرة المؤسسة ومنطق العصابات المسلحة.

مشاركة :