أجواء ديستوبية خانقة وفاشية تعيد للأذهان عصور النازية المزدهرة وسائر الأنظمة الشمولية يتصاعد السرد الفيلمي على مسارات متعددة وكلها تطبق على الأم وابنها ومن ثم على والديْ بيتر، أبوه الجنرال المشهود له في خدمة الوطن وأمّه الثورية المناضلة الشهيرة، مسار تحاول من خلاله العائلة إثبات براءتها ووطنيتها، مسار آخر يتعلق بالطفل نفسه الذي تلاحقه اللعنات والإساءات من كل الجهات ويصدم عندما يعلم أن والده ليس سوى سجين رأي لا أكثر، ومسار أخير يختصر فكرة المغامرة التي يلجأ لها الجميع عسى أن ينقذوا بيتر. ويجسّد البناء المكاني ذلك الحصار النفسي والجسدي المطبق على الجميع، البيوت التي تشبه بيوت الصفيح تتوزّع عليها العائلات، ثم تنفتح على إطلالة تمثال عملاق أبيض يشهر ما يشبه المذراة التي تصبح أيقونة المستعمرة، فيما الجميع ملاحقون بالجواسيس والكاميرات. دولة الأخ الأكبر هي التي تتحكم، وهي دولة ضاربة في المدنية في حياتها الأكثر خصوصية، ولكنها في ما يتعلق بمن تستعمرهم، فإنهم يعيشون حياة بدائية، ذلك ما ستكتشفه الأم وابنها بعد لقائهما بالسيدة الجنرال التي تعيش في عالم آخر ولا ترضيها سوى ممارسات شاذة تريد أن تتقاسمها مع هانا التي ترفض بشدة. يصبح الطفل نقطة الضعف والألم على صعيد الأيديولوجيا والمشاعر الإنسانية، كما أنه محور السرد الفيلمي، وهو يتنقل في عذاباته من حال إلى حال، ومن خلال ذلك تتصاعد الدراما الفيلمية. من المشاهد المؤثرة في الفيلم، تلك التي يحرض فيها الجدّ حفيده جاتا على رمي قطة بالرصاص حتى يتجاوز مرحلة الطفولة ويصبح قادرا على الرد، ثم مواجهته لثلة من فتية المستعمرة المستهترين تنتهي بالاقتصاص منهم. أجواء ديستوبية خانقة وفاشية تعيد للأذهان عصور النازية المزدهرة وسائر الأنظمة الشمولية، وقد أجاد فريق العمل تقديم عمل متماسك ارتقى بالرواية التي كتبها الروائي جورجي دراغومان الذي عاش فصول الشمولية في عهد الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو، ونقلنا إلى أي عصر أو حكم تسود فيه تلك النزعة الفاشية.
مشاركة :