كثيرة هي الظلال التي تخيم على الجولة الرابعة من محادثات جنيف السورية - السورية التي من المفترض أن تبدأ يوم الخميس المقبل في مقر الأمم المتحدة في المدينة السويسرية، إلا إذا حصلت تطورات سلبية إضافية قد تدفع بالمبعوث الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا إلى تأجيل جديد سينضم إلى التأجيلات المتلاحقة التي أخرت نقطة الانطلاق من 8 إلى 23 فبراير (شباط) الحالي. ومن المنتظر أن يجري دي ميستورا وفريقه محادثات تمهيدية مع «الوفود» السورية التي بدأت بالوصول أمس إلى جنيف، على أن يعقد، وفق مكتبه، مؤتمرا صحافيا يوم الأربعاء. لكن وفد الهيئة العليا للمفاوضات المشكل من 22 شخصا «سيهبط العدد إلى عشرين بسبب انسحاب ممثلي منصتي موسكو والقاهرة منه» لن يصل إلى جنيف إلا في 22 الحالي. وحتى أمس، كانت البلبلة سيدة الموقف لجهة «الوفود» التي ستحضر إلى جانب وفدي النظام والهيئة العليا. وتشكل هذه المسألة «الإجرائية» المزدوجة أولى الصعوبات التي تنتظر «جنيف4» والتي يمكن أن تكون أحد أسباب التأجيل، خصوصا بعد الانتقادات العنيفة التي ساقها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، بحق دي ميستورا بسبب عدم توجيهه دعوة رسمية لمنصة موسكو التي يديرها الوزير السابق قدري جميل الموجود في العاصمة الروسية. فمن جهة، لم تحسم «حتى الآن» مسألة عدد الوفود التي ستكون موجودة في جنيف «والأرجح أن تكون ثلاثة بسبب الإصرار الروسي على منصة موسكو». ومن جهة ثانية، لم يكن قد فهم، حتى عصر أمس، ما إذا كان دي ميستورا سيجري محادثات مع الوفود الثلاثة معا باعتبار أنها تمثل جميعها المعارضة، أم مع كل وفد على انفراد. وقال الناطق باسم الهيئة العليا منذر ماخوس لـ«الشرق الأوسط»، إن روسيا تدفع باتجاه تمثيل المعارضة بثلاثة وفود منفصلة ما من شأنه أن يضعف دور وفد الهيئة العليا. لكنها بالمقابل: «ضحت» بوجود الحزب الديمقراطي الكردستاني أو وحدات حماية الشعب على طاولة المفاوضات مراعاة لـ«الحساسية» التركية، من غير أن يعني ذلك إغلاق الباب نهائيا أمام الأكراد الذين يمكن تمثيلهم في إطار وفد منصة موسكو. ثمة صعوبة إضافية وهي أن وفد الهيئة العليا «وهو الأكبر والذي يتمتع بأوسع تمثيل لأنه يضم السياسيين والعسكريين»، لم يعبر عن موقف بصدد قبوله أو رفضه أن يعامل كالوفدين الآخرين. وقال مصدر في المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن الهيئة العليا التي يديرها رياض حجاب «لم تكن قد حسمت موقفها بعد»، قبولا أو رفضا، علما بأنها في الجولات السابقة أصرت أن تكون هي الممثلة «الرسمية» للمعارضة على أن يكون تعاطي المبعوث الدولي مع الآخرين كـ«مستشارين»، فيما الأمور مختلفة هذه المرة. أما المجهول الآخر فيتناول صيغة المحادثات: هل ستكون «بالواسطة» كما في المرات السابقة أم وجها لوجه كما يطمح المبعوث الدولي؟ وهل المحادثات ستتناول المواضيع الثلاثة دفعة واحدة وهي إقامة الحكم الرشيد غير الطائفي وواسع التمثيل، كتابة الدستور، وإجراء الانتخابات، والثلاثة موضوعات منصوص عليها في القرار الدولي رقم 2254 أم الواحد بعد الآخر كما تريد المعارضة «بدءا بتشكيل هيئة الحكم» التي لا تشعر بالارتياح بسبب غياب «عملية الانتقال السياسي» من قاموس دي ميستورا الجديد ومن نص الدعوات التي أرسلها. وكان الأخير قد نبه الأسبوع الماضي من أن تغيير جدول الأعمال الثلاثي «سيفتح أبواب الجحيم» ما فهم على أنه ضغوط مباشرة على المعارضة لتترك جانبا موضوع «الانتقال السياسي». وبحسب المصدر المشار إليه فإن دي ميستورا «لم يطلع وفد الهيئة العليا على أجندة المحادثات» وهو لا يعلم ما إذا كان قد أطلع الآخرين عليها. الواضح وحتى قبل بدء الجولة الرابعة من المحادثات أن المبعوث الدولي قد خفض سقف توقعاته منها. وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية ترافق تطور الاتصالات الدبلوماسية وما يستجد ميدانيا، إن أمرين متلازمين يدفعان الأطراف والمراقبين إلى التشكيك بأن تسفر «جنيف4» عن اختراقات: الأول، هو استئناف المعارك على نطاق واسع، أكان ذلك في محيط دمشق أم في الطرف الجنوبي لسوريا أو وسطها والشمال، بينما كان الغرض من اجتماعات آستانة تثبيت وقف النار المعلن في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وترى هذه المصادر في اشتعال المعارك «مساعي» تخريبية لجهود موسكو ورغبة في إجهاض (جنيف4) قبل أن تبدأ». فضلا عن ذلك، فإن المعارك المستجدة تبين أن الرعاية الروسية - التركية لوقف النار «غير كافية» وأن هناك أطرافا قادرة على نسفها، لأنها ترى أن الأفضل اليوم «الاستمرار في قضم الأراضي التي ما زالت بين يدي المعارضة». وليس سرًّا أن إيران «تدفع بهذا الاتجاه» وسبق للميليشيات التي تتبع أوامرها أن سعت لنسف اتفاق وقف النار في حلب. وتعتبر المصادر الأوروبية أن صعوبة المرحلة الجديدة تكمن في أنها تنطلق فيما يخيم الغموض على الموقف الأميركي لجهة تصور واشنطن لمستقبل الوضع في سوريا وللأولويات الأميركية التي لم يعرف سوى أمرين: الأول محاربة «داعش» والثاني جبهة النفوذ الإيراني. لكن واشنطن لم تقدم تصورا ولا «خريطة طريق» لسوريا. وفي السياق عينه، فإن تكرار الرئيس ترمب رغبته في إقامة مناطق آمنة في سوريا «بأموال خليجية» ما زال في مرحلة إعلان المبادئ ولا أحد يعرف أين ستقام هذه المناطق وفي أي صيغة ومن هي الجهة التي ستوفر لها الحماية، ناهيك عن انعكاساتها على مجمل الوضع الميداني والسياسي في سوريا. وللتدليل على غموض الصورة، تكفي الإشارة إلى ما قاله دي ميستورا أمام مؤتمر الأمن في ميونيخ عن السياسة الأميركية: «شيء واحد أبحث عنه في هذه اللحظة... استراتيجية أميركية واضحة. أين الولايات المتحدة (من الحل السياسي)؟ ليس عندي رد لأنني لا أعرف». ونقل عن مسؤولين التقوا وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ومنهم وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت، أنهم «لم يخرجوا بتصور واضح عما تريده أميركا وكيف ستصل إلى تحقيقه». وربما جاء الجواب من جانب المبعوث الأميركي بريت ماكغورك الذي قال في مؤتمر الأمن، إن الإدارة الأميركية تجري مراجعة شاملة لسياستها في شأن سوريا يتوقع استكمالها في الأسابيع المقبلة. ومما قاله أيضا أنه «لا يعتقد أن الولايات المتحدة ستخرج بحل يناسب الجميع لأن لا وجود له». ثمة تخوف من أن تصل جنيف إلى طريق مسدود سريعا إذا تركت الأطراف السورية لوحدها ومن غير ضغوط خارجية «وتحديدا من موسكو» بين من يريد عملية انتقال سياسية «لا مكان فيها لبشار الأسد لا في العملية الانتقالية ولا بعدها» «الهيئة العليا للمفاوضات»، وبين تأكيد الرئيس السوري «في كلامه لوسائل إعلامية فرنسية» أنه يريد «تحرير كل شبر من الأراضي السورية» ممن وصفهم بـ«الإرهابيين». وترى المصادر الأوروبية أن اقتراب معركة الرقة سيزيد الشروخ اتساعا بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على «جنيف4». ورغم التقارب المستجد بين أنقرة وواشنطن، فإن الأخيرة «لن تتخلى عن وحدات حماية الشعب» التي يهمين عليها الأكراد، لإرضاء تركيا. لكنها في الوقت عينه لا تستطيع تنفيذ رغبتها بإقامة مناطق آمنة في شمال سوريا بعيدًا عن التعاون مع تركيا. وبالمقابل، فإن تركيا لن تكون قادرة على توسيع دورها العسكري في سوريا من غير موافقة موسكو، أي النظام الذي يتهم أنقرة بالاعتداء على أراضيه. ولكل هذه الاعتبارات، فإن «جنيف4» وبعكس ما كان يراد لها من أن تكون فرصة جدية لتسوية سياسية في سوريا، قد لا تشذ عما عرفته الجولات السابقة، أي الكثير من الحراك والنتيجة محدودة رغم الدور الروسي الجديد الذي عول عليه كثيرون لتحقيق اختراق في أزمة اشتعل أوارها قبل ست سنين.
مشاركة :