كم جميل أن يبقى شهداؤنا الذين سطروا بدمائهم البطولات، أحياء في ذاكرتنا، وأن يكونوا عبرة وعظة للأجيال القادمة، ليتعلموا منهم معنى حبّ الوطن والتضحية من أجله. وشهداء الكويت ممن ضحوا بأرواحهم رافضين الغزو العراقي الغاشم كثر، لكن اسم الشهيدة وفاء العامر الأبرز، خصوصاً أنها بالدرجة الأولى امرأة، إلى جانب أنها كانت تقود عمليات ضخمة جداً مكبّدة العدو الغاشم خسائر جمّة من خلال «مجموعة 25 فبراير» التي قامت بتشكيلها وقيادتها، فسقط شهداؤها وهم أحمد عبدالله الأحمد، خالد عبدالله الأحمد، أسامة الفيلكاوي، أشرف محمود، علي فؤاد البدر، منصور محمود فرج مبارك، مساعد محمود فرج مبارك، سامر أبودقر، شاكر محمود فرج مبارك، سعاد علي الحسن، عبدالرحمن كاظم علي، عبدالعزيز راشد الوهيب، عبدالعزيز صالح الشرهان، وفاء أحمد العامر. ومن هذا المنطلق، برعاية سامية، وبحضور الوكيل المساعد في الديوان الأميري مدير عام مكتب الشهيد فاطمة الأمير، إلى جانب عدد كبير من الديوان الأميري ومكتب الشهيد والسفراء والديبلوماسيين والفنانين والإعلاميين، ووالدي الشهيدة وفاء العامر، عُرض مساء أول من أمس فيلم وثائقي تحت عنوان «أوفيّة» من إخراج حاتم حسام الدين، رؤية درامية وسيناريو أماني شاكر المعتوق، مدير التصوير مشاري الخوالد، الأداء الصوتي الإعلامية إيمان النجم، الموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية سعود المسفر، الإشراف العام جاسم الغريب، ومن إنتاج «المركز العربي للإعلام»، حيث بدأ بكلمة ترحيبية من الإعلامية إيمان النجم التي شاركت في وضع صوتها كمعلقة على الأحداث، عبّرت فيها عن سعادتها بهذه المشاركة، ثمّ تلتها كلمة من فاطمة الأمير التي قالت: «هذا الفيلم جاء ليؤكّد أنك يا وفاء العامر ما زلتِ تعيشين حباً وتقديراً وتعظيماً في قلوب أهلك الكويتيين». «أوفيّة» فيلم روى سيرة الشهيدة التي كانت بتاريخ الثاني من أغسطس من العام 1990 فتاة يافعة في مقتبل العمر، ابنة الثالثة والعشرين تنظر للمستقبل كفتيات جيلها بكل جماله وآماله وأحلامه الوردية، تتطلع للمساهمة في بناء وطنها، وتحلم بتكوين أسرة مع فارس أحلامها، لكنها استيقظت في ذلك الصباح الأسود مفزوعة على اختطاف وطنها واغتصاب حرمته، فسرد الفيلم سيرة تلك الفتاة التي عندما كانت طفلة تخاف من الظلام وتطلب من والدتها أن تبقي المصابيح مشعلة، استفاقت وفي داخلها مارد حوّل ذلك الخوف إلى جرأة وبسالة وإقدام، فشكّلت لغزاً لقوات الاحتلال، حيث حفلت مسيرتها بأدوار ومهام وأحداث جعلت منها نجمة تتلألأ في ظلام الاحتلال الدامس، حيث كانت تقدّم مساعدات إغاثية للأسر الصامدة والمحتاجة للعون. كما كانت تواظب على الاحتجاجات الهاتفية مع قوات الاحتلال العراقي، إلى جانب مواجهتها لقوات الاحتلال في كل نقطة تفتيش من دون الخوف منهم، وانضمامها المشرّف إلى المقاومة ومبادرتها بالالتحاق بمجموعة «25 فبراير»، حيث كانت تنقل الأسحلة إلى أماكن أكثر أماناً، وشاركت في نقل وزرع المتفجرات في فندق «الهيلتون» ومنطقة الحساوي، فتمّ أسرها مع خليتها التي ضمّت 14 شهيداً، فكانت مثالاً ورمزاً للصمود خلال تعرضها لأشدّ أنواع وألوان التعذيب، فكانت نهايتها مشرّفة بالاستشهاد في الخامس من يناير العام 1991، إثر إعدامها بواسطة سلك كهربائي منزوع الغلاف في سجن الأحداث. الفيلم تضمّن مشاهد درامية جسّدت بعض الأحداث التي مرّت بها الشهيدة، قام بأدائها بإتقان وحرفية كل من عبدالعزيز صفر، محمد الحملي، منال الجارالله، سعاد الحسيني، ميثم بدر، يوسف البغلي، دانة المساعيد، خديجة الشايع والطفلة ريان حاتم. وإلى جانب ذلك، كانت هناك كلمات توثيقية جاءت على لسان من كانوا قربها خلال فترة الإحتلال الغاشم وهم والدها أحمد العامر الذي قال: «وفاء وردة تفتحت أثناء الاحتلال، وفاحت عطراً وما زالت». ووالدتها غنيمة العامر قالت: «يا ليتني مثلك يا وفاء، دافعت عن الوطن، ومتّ شهيدة»، فيما قال ابن خالها عبدالناصر فخرو: «وفاء بصمة مشعّة في ملحمة تحرير الكويت». أما شقيقها هشام العامر، فقال: «شهداؤنا ضحّوا بأرواحهم من أجلنا ومن أجل عيالنا وعيال الكويت، كي تبقى الكويت آمنة»، بينما علّقت شقيقتها غيداء العامر: «حبّها للكويت فجّر فيها الشجاعة والاستبسال، فوضعت روحها على راحة كفّها». صديقتها هداء التوحيد أيضاً شاركت وقالت: «هذه بذرة الكويتي... الكويتي تسكن الكويت في داخله»، فيما قالت ابنة عمها رقية المتعب: «كانت الشكوك تساورني بانضمامها إلى المقاومة من دون أن تصارحني»، بينما قالت عمتها عائشة العامر: «يوم اعتقالها كررت الاتصال بها، ترفع السماعة ولا تجيب، صرت مثل المجنونة عليها». الملحن أنور عبدالله كان له كلام أيضاً، إذ إنه أحد أقربائها، فقال: «شيعي، سنّي، حضري، بدوي ما في، هذه المسمّيات كلها انلغت، كويتيون فقط»، ورفيق درب الشهيدة خلال المقاومة إبراهيم دشتي قال: «كنا في أمسّ الحاجة لوجود عنصر نسائي بيننا، فكانت وفاء مكسباً كبيراً وفاعلاً للمجموعة. نعم لقد ثار الجدل بيننا حول انضمام المرأة للمقاومة، هل لديها القدرة على الصمود لو تمّ اعتقالها !؟». بعد انتهاء عرض الفيلم، صرّحت الكاتبة أماني شاكر المعتوق لـ «الراي» عن المصادر التي لجأت إليها خلال كتابتها للنص، قائلة: «قبل كل شيء، باسمي واسم كل الشعب الكويتي، وكل من ساهم في صناعة هذا الفيلم، أود توجيه شكر ورسالة عرفان ووفاء ومحبّة إلى حضرة صاحب السمو أمير البلاد على رعايته ودعمه لنا. لقد كان مصدري الأول والأهم هو كتاب نورية السدّاني الذي أعتبره مرجعاً قوياً، بالإضافة إلى مصادر أخرى عديدة، ولا أنسى مساندة مكتب الشهيد الذي فتح لي مكتبته، وأيضاً أخصّ بالذكر كتاب صبيحة المشاري الذي يعتبر أرشيفاً للأحداث الصباحية والمسائية في الكويت مع الفصول، والذي وقّع عليه آنذاك سمو ولي العهد الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح. وبعد انتهائي من جمع المصادر على مدار شهرين كاملين، أردت ألا يكون توثيقياً بحتاً، بل أن يكون العمل صالحاً للعرض في أي مكان سواء في التلفزيون أو السينما وحتى الإذاعة، وعلى هذا الأساس تمّت كتابته طوال شهر كامل بواقع 16 ساعة يومياً، أرشفت فيه تاريخ وفاء العامر، إلى جانب أرشيف لي شخصياً كونها تلك الفترة صادفت وفاة الوالد الذي أعتبره مرجعي ومعلمي الكبير شاكر المعتوق، وخلال عرض الافتتاح افتقدته كثيراً». ومن جانبه، صّرح منتج الفيلم جاسم الغريب لـ «الراي» بالقول: «جاء (أوفيّة) لإيصال رسالة إلى هذا الجيل الذي لم يشهد فترة الاحتلال، ولا معاناة الكويتيين في تلك الفترة، ولم يشهد رفضهم للاحتلال وتمسكهم بأرضهم وشرعيتهم إلا من خلال بعض ما سمعوه من الأهل. هذا الفيلم هو دعوة للتفاؤل والأمل والفخر والاعتزاز والتباهي بهؤلاء الشهداء الذين جعلوا من أنفسهم مشروعاً للشهادة واضعين أرواحهم على أكفهم لا يهابون الموت، وأتمنى أن نكون قد استطعنا إيصال الهدف المرجو منه حتى يقتدي هؤلاء الشباب بهذه الكوكبة من الشهداء، ووفاء العامر هي رمز للتفاني وإكرام الذات والإيثار ورمز للفتاة والمرأة الكويتية».
مشاركة :