السلف منفتحون ودعاتهم متطرفون باسم فرات إذا كان حنين المتعصبين من المسلمين؛ إلى عصر السلف الصالح، فهم يغمضون عيونهم وعقولهم وأفئدتهم عن تسامح السلف الصالح، حتى أصبح الدين الإسلامي لديهم ليس منظومة حياة متكاملة، بل عبارة عن حلال وحرام؛ وتم تغييب الربيع من الدين، فلم تر معمَّمًا أو داعيةً مبتسمًا شكلاً وقلبًا، أي يتحدث عن ربيع الحياة وبهرجها بما يتفق والفطرة الإنسانية. بهرجة الحياة أعني بها ما يُفرح القلب ويؤدي إلى تخفيف الألم والحزن، واقتناص البهجة، والمزاح الذي يُعبّر عادة عن أحزان يراد تفريغها، ولهذا اشتهرت الشعوب التي تعاني من الفقر والأحزان والضغط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، لأنها شعوب نكتة وطرفة ومزاح، وهذا يتجلى في الشعبين العراقي والمصري. في الإيمان انفتاح ومحبة وتسامح وإيمان بالعيش المشترك، وبقدرة الله الذي ليس كمثله شيء، ولهذا شعار المؤمنين “دع الخلق للخالق” و”الله يهدي مَن يشاء” بينما يتعامل المتدين المتعصّب في كل لحظة مع البشر وكأنه “الخالق” وليس مخلوقًا مهمته أن يهتم بشأنه ولا يتسبب بأذى للآخرين وللبيئة. كرّم الله مخلوقه بأن جعله خليفة له على الأرض، مهمته إعمارها وتأدية رسالته في البناء ونشر العدالة والجمال والمحبة، عبر سلوكه وأخلاقه وأفعاله، لا عبر تكفير الناس وتجريمهم، وتفسير ما يحلو له من “آيات الكتاب” لتكون سيفًا مُسَلَّطًا على الناس، ما إن تأتِي لحظة امتلاكه للقوة والسلطة، حتى يُمعن في قتل الناس معنويًّا، عبر إصدار فتاوى تحوّل الحياة إلى جحيم. مصادر التراث حدثتنا عن مواقف للرسول الكريم (ص) ولصحابته فيما يخص الحريات الفردية، واحترام الخصوصية، مواقف تُنبيك عن أن الحريات الشخصية مصانة، فلا يمكن أن تُخبر عن شخص بأنه ارتكب معصية ما، بلا أدلّة يكاد يكون توفرها أقرب إلى المُحال، مما يعني أن تحريم ما تتوق له النفس البشرية “الأمّارة بالسوء” ليس تحريمًا يجيز لكل شخص أن يحمل القاضي أو الحاكم على إيقاع العقوبة بالآخرين. حفلت كتب التراث بالحديث عن الموسيقى والغناء، وأخذ شعر الخمريات مساحة كبيرة من ديوان الشعر العربي منذ فجر الإسلام وحتى عصرنا الراهن، واستفاد منه فقهاء ومتصوّفة، فكتبوا روائع فيه مثل ابن الفارض ومحمد سعيد الحبوبي، وأمام مدونة الخمر لم نقرأ أن قاضيًا من قُضاة المسلمين أمر بجلد شاعر ما، وهذا ديوان أبي نؤاس خير شاهد، وحياته كذلك. لو تركنا العصر التأسيسي والتدويني، أي القرون الثلاثة الأولى من الإسلام وتوجهنا إلى النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، حيث الإمام أبوحامد الغزالي (450-505 هجرية)، لنتأمل ما ذكره في كتابه الشهير “إحياء علوم الدين” بقوله “ولا ينبغي أن يظن أن ذلك لفهم معاني الشعر، بل جار في الأوتار حتى قيل: من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج”. أين نحن اليوم من انفتاح “السلف الصالح” الذين كثيرًا ما تَشدّق بهم، دعاة التديّن والحسبة ومَن يريدون إقامة شرع الله بحسب قولهم، بينما هم يُحرّمون ويمنعون كل شيء، ويفتون فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وهنا لا بدّ من القول بأنه لا فرق بين مَن يُحرّم على المرأة سياقة السيارة، ومَن يمنع اختلاط الجنسين في المدارس والجامعات، ويُحرّم الغناء ويحوّل حياتنا إلى لطم وبكاء وحجاب ونقاب، بل يمنع اختلاط الأب بابنته والأخ بأخته. كاتب من العراق سراب/12
مشاركة :