ما يكشفه اعتقال مجد كيال عن إسرائيل

  • 4/20/2014
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي الخبرية بدايةً: اعتقلت إسرائيل لخمسة أيام في الأسبوع الماضي صحافياً وباحثاً شاباً من سكان حيفا، يعمل مسؤولاً عن النشر الإلكتروني في موقع «عدالة»، وهذه الأخيرة تعرّف نفسها بأنها «المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية في إسرائيل». شروط الاعتقال في مركز للشاباك في الجلمة كانت مزرية، وكذلك التهويل الذي صاحب الاعتقال، ومنه منع الشاب من لقاء محاميه، ومنع النشر حول الموضوع، وتسريب أنباء عن توجيه تهم «ثقيلة» إليه، كـ «زيارة بلد معادٍ» و»لقاء عملاء أجانب». وقد فسرت صحيفة «جيروزاليم بوست» في مقال طويل لها بالإنكليزية التهمة الأخيرة بأنها تتعلق بلقاء عناصر من حزب الله. للمصادفة، صدر المقال قبل ساعات من إطلاق الشاب، ما يفترض أن يكون مُحرجاً مهنياً! مجد كيال كان قد زار بيروت بدعوة من صحيفة «السفير» والملحق الأسبوعي «السفير العربي» الذي يكتب فيه بانتظام منذ صدوره قبل اقل من عامين، حيث بلغ عدد مقالاته فيه تسعاً وعشرين. ... ثم الباقي: لا يمكن للمحاجّة القانونية هنا أن تكون «حَرْفية» ومبسطة كما تحاول السلطات الإسرائيلية تقديمها. وقد خرج صحافي إسرائيلي شهير، هو إيتاي أنجيل، ليصرح بمناسبة اعتقال كيال بأنه زار العديد من البلدان المصنفة «معادية» ولم يخضع أبداً لاستجواب أو حتى استفسار من سلطات بلاده حين عودته، بينما بثت قناة التلفزيون الثانية تحقيقاته من سورية والعراق وباكستان وأفغانستان... كاشفاً الاعتباطية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية لهذه الجهة، وجذرها أن أنجيل يهودي ويعمل لمؤسسات مَرْضي عنها، بينما ليست تلك حال كيّال. وهذا تمييز يستند الى اعتبارات عنصرية وسياسية وليس الى القانون. علاوة على هذا، ثمة عطب أصلي في الأمر، عبّر عنه مركز عدالة في بيانه حول الواقعة، إذ قال إن «المشكلة ليست في سفر كيال للمشاركة في ندوة ببيروت، أو في التواصل الثقافي للمواطنين الفلسطينيين مع الدول التي تعتبرها إسرائيل «دولاً أعداء»، بل بالقانون الذي يمنع ويجرّم هذا التواصل، رغم أنه يعتبر حقاً مكفولاً لكل أقلية وفقاً للقانون الدولي». فإسرائيل تعتبر الفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء على أرضهم في 1948 «أقلية عربية» لديها. وللأقليات حقوق مقننة تستند إلى شرعة حقوق الإنسان، وإلى إعلانات واتفاقيات إطار طورتها الأمم المتحدة واليونسكو والاتحاد الأوروبي، ويقع على رأسها حق تلك الأقليات بالتواصل اللغوي والثقافي مع امتداداتها «بلا اعتبار لحدود». وبينما إسرائيل تعتبر أي يهودي في العالم من رعاياها، حتى لو لم يطلب ذلك، وتتجرأ على التدخل في شؤون وأوضاع اليهود، تقييماً ومطالبة (كما فعلت تكراراً مثلاً بخصوص حوادث مست يهوداً في فرنسا)، فهي تنكر على العرب الحق في التواصل مع محيطهم. وبالطبع كان بود إسرائيل لو لم يبقَ عربٌ في أراضي 1948. ولكنهم هنا. وهي سعت بشتى الوسائل إلى تقليص مساحتهم، فاتبعت سياسة تمييز للدروز ثم لبعض قبائل البدو، وجندت أبناءهما في الجيش وفي الإدارات، وتحاول اليوم تمييز فئة جديدة هي المسيحيون، مدعية أنهم ليسوا عرباً! ولكنها، وفي كل حين، تصطدم بتناقضاتها هي، بحكم الريبة بتلك الفئات لكونها ليست يهودية، والتمييز ضدها، ما أنتج حركة واسعة بين الشبان الدروز ضد التجنيد الإجباري، واصطداماً دائماً وعنيفاً للبدو في النقب مع القوات الإسرائيلية التي تغير على قراهم وتحاول اقتلاعهم منها. والأهم، أن إسرائيل التي تضيق ذرعاً بتلك «الأقلية» في أراضي 1948، عادت فتوسعت إلى الضفة الغربية وغزة والقدس، حيث ملايين «العرب»! وفي الواقع، لم تتغير كثيراً النظرية الصهيونية التي بدأت بالكلام عن «أرض بلا شعب»، ثم عن غزة التي يؤمل بأن «يبتلعها البحر». سوى أن هناك شعباً، والبحر لا يبتلع شيئاً، والإبادة غير ممكنة. يبقى إمكان الإخضاع، وهو ما تعمل عليه إسرائيل بمخططات ومفردات متنوعة تبدأ بمصادرة الأراضي والبيوت والطرد والتضييق والاضطهاد والإفقار، وتنتهي بالحروب. لكن الإخضاع وهمٌ لا يقل سفاهة عن الوهم الأول حول «الأرض بلا شعب». وقد مثّل قرار مجد كيال (23 سنة) المشاركة في ندوة ببيروت، ورد فعل بيئته وأقرانه خير دليل. فجدته خرجت تتظاهر رافعة لافتة (وقّعتها بـ «ستَّك»!) تقول «حيفا بيروت بلادنا، دربك خضرا يا مجد»، ورفاقه أعلنوا أنهم سيستقلون القطار الذي كان يربط بين المدينتين، في إشارة رمزية، متخذين من الصورة القديمة لمحطته في مدينتهم شعاراً. وهكذا فشلت محاولة السلطات الإسرائيلية (الشاباك والقضاء والصحافة معاً) إضفاء طابع أمني على الواقعة، واستقامت وطغت مسألة/قنبلة هي تعريف حقوق «الأقلية العربية» في إسرائيل، بما يتجاوز الحق في الطعام! وحيث يتبدى فشل إسرائيل في استيعاب تلك «الأقلية» بعد مرور 66 عاماً من التحكم بها والاستيلاء على مدنها وقراها بتوكيل أممي، وسلطة سياسية وأمنية واقتصادية مطلقة، فالسؤال يتعلق بالتعامل الممكن مع سائر الفلسطينيين: تزرع إسرائيل المستوطنات في الضفة الغربية، وتحاصر سكان الخليل بطريقة مقززة، وتنتهك القدس، وترفض (حتى في المخططات والأحلام) مغادرة غور الأردن، وإن لمصلحة قوات دولية أو أميركية، وتعادي أقرب حلفائها، وترتاب فيهم لمجرد توجيههم لها نقداً بسيطاً، وهي حالهم اليوم مع وزير الخارجية الأميركي مثلاً. أن تصل إسرائيل الى إثارة حنق وضيق أقرب المقربين لها ليس تفصيلاً يصلح للاستخدام في المحاجّات والمهاترات فحسب. فليس بلا دلالات عميقة أن ينفكّ عن الإعجاب بها (بوصفها «واحة للديموقراطية» أو «تجربة في تطبيق التعاونية الاشتراكية» أيام الكيبوتزات التي اندثرت تماماً...) من كانوا مؤهلين لذلك في الغرب بأكمله بحكم تماثل المرجعيات الثقافية والفكرية، وبحكم قوة النظرة الاستعمارية الاستعلائية، وبحكم عقدة الذنب أيضاً تجاه الغيتوات والمحرقة، وأن يروا أخيراً طابعها العنصري والعنفي، وكيف حلّت فيها المستوطنة محل «الكيبوتز»، وأن تنتشر الدعوة إلى «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات» (التي اعتبرها نتانياهو التهديد الاستراتيجي لإسرائيل، وهو مُحقّ!) ، في أوساط كمجالس الكنائس العالمية والجامعات في أميركا وأوروبا (وآخرها مجلس «المؤسسة الملكية للعمارة البريطانية» قبل أسابيع)، والعديد من روابط الأساتذة هناك... لقد تطلب الأمر عقوداً قليلة كي ينكشف خواء المشروع الصهيوني، ويصطدم بتناقضاته التكوينية، وتظهر استحالته.

مشاركة :