لم ينل «جون لوك» (1632 - 1704) حظاً عظيماً من التعليم، إلا أن اشتغاله بالمسائل العامة، وفطنته كانتا له خير معين ليبلغ ما بلغه من العمق في فلسفته السياسية والاقتصادية، ومن آرائه السياسية أنه جعل السيادة للشعب وإن كان يرى أن الشعب يحتفظ بهذا الحق لاستخدامه وقت الضرورة القصوى، إذ يعتقد بقانونية الإجراءات والقوانين الحكومية ما لم تمس حقوق الأفراد الأساسية، وأن الدولة إنما نشأت لحماية حقوق كانت قائمة، وتنازل الفرد عن جزء من حقوقه إنما ليضمن لنفسه التمتع بما بقي له من حقوق وحريات أساسية.وليس في وسع الأفراد منح الحاكم سلطة غير محدودة لأنهم لا يملكون هذه السلطة، وبالتالي لا يمكن أن تكون سلطة الحاكم مطلقة، إذ هي محدودة بطبيعتها، فإذا حاول الاستزادة من سلطته أو إساءة استخدامها كان من حق الشعب أن يخلعه، ومعنى هذا أن «لوك» كان يدافع عن نظام الحكم الدستوري، وأنه كان يفرق بين الحكومة والدولة، ويؤمن بوجود قوة تقف من وراء الحكومة وتراقب أعمالها وهي الشعب.وبهذا يعتبر «لوك» من واضعي أسس الديمقراطية في العصر الحديث، وهو في كتابه «الحكومة المدنية» الذي ترجمه إلى العربية محمود شوقي الكيال، يؤكد رأيه السياسي من أن الحكومة بما فيها الملك والبرلمان مسؤولة أمام الشعب، وأن سلطان الحكومة مقيد بالتزام قواعد الخلق والتقاليد الدستورية ويرى أن الحكومة ضرورة لا بد منها، ثم يأتي على وصف حال الفطرة الأولى التي فيها يتولى كل فرد بنفسه حماية حقوقه، ويعرف حقوق الآخرين ويحترمها، ويعرض للملكية الخاصة فيذكر أن الملكية في الحياة الفطرية كانت شائعة، وأن كل فرد له حق الحصول على مستلزمات حياته من خيرات الطبيعة.يعد كتاب «الحكومة المدنية» دفاعاً فلسفياً عن مبادئ ثورة سنة 1688 في بريطانيا التي تمخض عنها صدور قانون «الحقوق الأساسية للإنسان» والتي قام بها رجال محافظون وعمليون لم يؤمنوا بالنظام الجمهوري أو بالنظريات التي تنادي بوجوب المساواة التامة بين أفراد الشعب، ويعارضون مبدأ الحق الإلهي ويؤمنون بالملكية المقيدة، ويرى علماء السياسة أن وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي تضمنت الكثير من آرائه فقد دافع «لوك» عن حرية الفرد ضد البابا أو الملك.أما آراؤه الاقتصادية فلا تقل أهمية عن آرائه السياسية وكانت ذات أثر في تطوير علم الاقتصاد فهو الذي نادى بأن الفضة والذهب ليسا سوى سلع لا تختلف عن غيرها من السلع الأخرى، وأنه لا يمكن استقرار القيمة النسبية للذهب والفضة ولقدرته الاقتصادية استدعي للقيام بالإصلاح النقدي الذي أجري في إنجلترا عام 1695.
مشاركة :