لعنة الفراعنة تلاحق الحالمين بالثراء غير المشروع من الآثار المصريةأحلام الثراء السريع مغرية لا شك، وقد تدفع البعض إلى التخلي عن المنطق ومخالفة القانون، بل ولهذه الأحلام تجسيد خاص في مصر، البلد الذي لا تزال الآثار المدفونة تحت ترابه أكثر من تلك التي تم الكشف عنها، وتقدر قيمتها بالمليارات من الدولارات، وهذا ما شجع الكثير من الأفراد على الحلم بثروة طائلة من خلال التنقيب عن الآثار بشكل غير مشروع، وقد وصل الأمر إلى أن دفع مواطنون حياتهم ثمنا لمغامرة غير مضمونة العواقب.العرب [نُشر في 2017/02/25، العدد: 10554، ص(20)]المافيات تتحيل على القانون القاهرة - أثارت قضية تكرار حوادث سرقة ونهب الآثار المصرية، غضب أعضاء لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، مؤكدين أنهم سيمارسون دورهم الرقابي في مواجهة ذلك من خلال بحث سبل التأمين وتزويد المناطق الأثرية المفتوحة بوسائل تأمين جادة. وقال النائب نادر مصطفى أمين سر لجنة الثقافة والإعلام والآثار إن الآثار تعرضت لهجمة شرسة في الفترة الماضية، خاصة في محاولات ضعاف النفوس ليس للتنقيب فقط بل للتجارة بها أيضا، في الوقت الذي تفتقد فيه وزارة الآثار أهم مصادر لمواردها وهي السياحة. وتقدم النائب فرج عامر، عضو مجلس النواب مؤخرا ببيان عاجل إلى رئيس مجلس الوزراء، حول انتشار عصابات التنقيب عن الآثار بطريقة غير مشروعة، عن طريق الاستعانة بالمشعوذين، واستشهد بإلقاء قوات الأمن القبض على عدد منهم، أثناء التنقيب عن الآثار بطريقة غير مشروعة في مناطق عديدة منها كوم الشقافة، ومينا البصل، وكوم الدكة. وتضمن البيان لجوء عناصر مافيا الآثار إلى حيلة خبيثة لإثبات مصداقيتهم، واصطياد ضحاياهم لتمويل عمليات التنقيب، قائلا إن العصابات تقوم بحفر أنفاق تحت بيوت قديمة، وتضع فيها قطعا صغيرة من الآثار المقلدة، بدعوى أنها اكتشفتها، لإقناع الضحايا بأن هناك الكثير من القطع الأثرية لم يتم اكتشافها بعد، وعندما يتم اكتشاف الخدعة، لا يستطيع الضحايا إبلاغ السلطات لتورطهم في عمل غير مشروع. وعادة ما تتم عمليات التنقيب هذه خلسة، وغالبا في جوف الليل، خشية تعقب الأجهزة الأمنية لما يترتب عنها من عقوبات قاسية تصل إلى السجن المؤبد، كما وصل الأمر إلى محاولات البعض للتنقيب أسفل منزله لعله يصل في ليلة وضحاها إلى أمله في الثراء. حكايات الباحثين عن الكنوز، تحت التراب لا تتوقف، بعضها في قرى دلتا النيل شمالا، والأكثرية في الصعيد (جنوب) الذي تكثر فيه الآثار، كما تسجلها محاضر الشرطة والنيابة المصرية.تاريخ بلد حزم أمني منقوص سجلت محاضر النيابة العشرات من القضايا من هذا النوع، وقال اللواء أحمد شاهين مساعد وزير الداخلية لشرطة الآثار، إن قطاع شرطة السياحة ضبط خلال عام 2015 فقط 3 آلاف قطعة أثرية، قام اللصوص بالحصول عليها عن طريق التنقيب، إضافة إلى تحرير 1200 قضية حفر وتنقيب سجلتها محاضر الوزارة. وبحسب أحد البلاغات، عثر على جثامين 5 أشخاص لقوا مصرعهم أثناء تنقيبهم عن الآثار بقرية “العجميين” بمركز أبشواي في محافظة الفيوم (وسط). جاء ذلك بعد انهيار المنزل، الذي دخله المفقودون للبحث عن آثار فرعونية، إلا أن الأرض ابتلعتهم عقب تعمقهم في الحفر لمسافات بعيدة، ليلقوا جميعا مصرعهم في الحال، بحسب البلاغ. كما شهدت إحدى قرى محافظة الشرقية، دلتا النيل، واقعة مأساوية عندما لقيت سيدة مصرعها وأصيب زوجها بإصابات خطيرة، جراء انهيار منزلهما بالقرية، التي ينتشر في أرجائها، ما يقارب مئة موقع أثري، بحسب المركز القومي لتوثيق الآثار (حكومي). ولم تكن السيدة وزوجها هذه المرة هما المنقبان عن الآثار وإنما جار لهما كان يحفر سرا، ما ترتب عليه انهيار منزله ومنزل الجارين. وقضت محكمة بالسجن المؤبد على المنقب وبغرامة قدرها 200 ألف جنيه مصري (حوالي 20 ألف دولار). عبدالحميد تمام، (65 عاما)، يعمل مزارعا بقرية “مسارة”، غربي مركز ديروط، بمحافظة أسيوط (جنوب)، قال إن قريته “عائمة على آثار فرعونية”، في إشارة إلى وجود كميات كبيرة أسفل مبانيها. تمام قال إن العمل في الآثار يفتح شهية أي شخص مهما كان تعليمه أو مدى التزامه الديني، فـ”الدولارات التي ربما يحصل عليها من خلال بيعها لسماسرة مختصين تفوق الخيال حيث تصل إلى الملايين”، مؤكدا تغيّر حال الكثيرين في القرية من “العدم” إلى “مجالس الأثرياء”.التنقيب عن الآثار يفتح شهية أي شخص مهما كان تعليمه أو مدى التزامه الديني؛ فالدولارات التي ربما يحصل عليها من خلال بيعها لسماسرة مختصين تفوق الخيال حيث تصل إلى الملايين احتيال بالبخور هوس البحث عن الآثار قد يستمر لسنوات طويلة تصل إلى أربعين عاما في بعض الحالات دون العثور على شيء سوى التسبب في تصدع العقارات المجاورة وهدر الأرواح. وهناك من خسر ما يملك دون أي طائل، بحسب تمام، الذي سرد قصة لأحد جيرانه، قائلا “جاءهم أحد العرافين قبل سنتين من محافظة بني سويف (وسط) ليبلغهم أن إحدى حجرات منزلهم تحتوي على قطع أثرية على بعد عدة أمتار فقط، لتبدأ الأسرة بعدها في تحضير أدوات التنقيب التي أوصى بها العراف”. وأضاف تمام “ولأن الأسرة فقيرة لا تستطيع أن تحضر ما طُلب منها، فالعرافون طلباتهم باهظة جدا، والبخور المغربي القليل منه يقدر بمال كثير، وذلك لفك السحر الفرعوني المحيط بالمقبرة، فاضطرت الأسرة لبيع ما تملك من الذهب، إلا أنه بعد الحفر لعمق 6 أمتار في باطن الأرض، لم يجدوا شيئا، وضاع الحلم ومعه المصوغ”. ويروج هؤلاء العرافون لأنفسهم بقدرتهم على تسخير الجن وأعمال السحر، وتسهيل العثور على المومياوات والقطع الأثرية بسبب معرفتهم بالخلفية التاريخية حول المكان، والأماكن التي من المحتمل أن تكون دفنت فيها الكنوز، وأن لديهم الأساليب والطرق، التي تدخل في نطاق السحر الأسود وفك الطلاسم والتصدي للعنة الفراعنة وغيرها، وذلك من خلال الاستعانة بخدام المقبرة من الجن للوصول إلى كنوزها. ضحايا الاحتيال عن محاولته للعثور على الآثار، ذهب جمعة إلى هذا الرجل، الذي أخذ منه في أول جلسة 900 جنيه نظير معلومات عن القرية والأماكن التي قد تتواجد بها الآثار، وفي الجلسة الثانية حصل على 1400 جنيه، حيث قام بتحضير الجن في هذه الجلسة، واستعان بخدام المقبرة، على حد قول جمعة، لإرشادهم إلى طريق القطع الأثرية والمقابر الفرعونية، فكل مقبرة لها حارس خاص من الجن، وليس في استطاعة أي من البشر أن يعرف مكانها، لذلك يستعين العارف بالجن، ويقدم له التمائم والتعاويذ والقرابين، ويجنده ليدله على مكان المقبرة، وقد تكون القرابين دماء حيوانات، أو دماء بشرية تتم إسالتها في مكان محدد، أو أنواعا محددة من البخور سواء من الهند أو المغرب، حسب طلب الخادم من الجن، الذي تنتهي مهمته بتحديد المكان وظهور ما أطلق عليه “شاهد” المقبرة.تاريخ لابد من حمايته وانصاع جمعة لما سمعه في هذه الجلسة، وذهب إلى بيت بجوار المقابر في بلدته، حيث أكد له العارف وجود آثار به، ورافقه صديقه واثنان من أولاده، وعدد من العمال، ويقول “جهزنا العدة لحفر حفرة عمقها 15 مترا، كما قال لنا العراف، وبدأنا نحفر إلى أن وصلنا إلى سرداب طويل يحتاج إلى توسعة لنمر عبره”، وشهدت عملية التوسعة تساقط الصخور والرمال، بسبب تسرب المياه من الترعة المجاورة، وعلى الفور هرب العمال خارج القرية، واستمر جمعة ومرافقوه في الحفر حتى وصلوا إلى عمق 12 مترا، ليجد جمعة النفق ينهار فوق صديقه ومعه أحد أبنائه، فأخرجهما بمساعدة ابنه الثاني، وأهل البلد. حادثة التنقيب لم تمر على جمعة دون أثر، فهو لم يجد ما كان يبحث عنه ويعتقد أنه سيجعله غنيا، كما تركت له ابنا يعاني من كسر في الجمجمة، وصديقا ذراعه مكسورة، ويضيف بكلمات يشوبها الندم “كلما أرى ابني وصديقي بين الحياة والموت يتأكد لي أن كلام العرافين كذب وبهتان”. جشع لا ينتهي أحمد من الفيوم يروي قصة جار له دفعه هوس الثراء الفاحش، إلى التنقيب باستمرار مما أوصله في النهاية إلى السجن، حيث لاحظ حسن (اسم مستعار) ظهور الثراء السريع على عدد من المواطنين بقرى بلده، وعلى بعض ممن كانوا لا يملكون إلا قوت يومهم، إذ أصبحوا من أصحاب العقارات والمشروعات الكبرى، وتردد بين الناس أن هذا الأمر يرجع إلى عثورهم على قطع أثرية، وبيعها بالملايين من الجنيهات، الأمر الذي أصابه بالهوس، ودفعه إلى تشكيل فريق للتنقيب، مكون من عدد من العمال وعراف ليدله على أماكن تواجد الآثار. وعلى الرغم من فشل المحاولات المتكررة لفريق التنقيب، إلا أن ذلك لم يثن حسن على التراجع ، حتى نجح في إحدى المرات في الوصول إلى منزل أكد له العراف أنه المكان المطلوب، ولكن صاحب المنزل رفض الحفر تحت منزله خشية انهياره، فوعدوه بالحصول على مبلغ من المال فور عثورهم على الكنز، ووسط إصراره على الرفض، هددوه بالقتل، وبالفعل شرعوا في الحفر لمدة 3 أيام متواصلة، ووجدوا ما يقرب من 20 قطعة من التماثيل الأثرية. ولم يستطع المنقبون أن يهنأوا بما وجدوا، فضيق صاحب المنزل من الحفر اليومي جعله يبلغ الشرطة عنهم، خاصة بعدما لاحظ وجود شرخ كبير وتشقق في أحد جدران المنزل، وألقت قوات الأمن القبض على حسن ومعاونيه، وانتهى حلم حسن بالسجن بدل الثروة، ومازال العراف يبحث عن فريسة جديدة. ويبلغ حجم تجارة الآثار في مصر قرابة الـ20 مليار دولار سنويا بحسب الإحصائيات الرسمية، إلا أن آثاريين أكدوا أنه عقب ثورة 25 يناير 2011 زادت عمليات التنقيب والتهريب بشكل كبير يفوق هذا الرقم، مرجعين ذلك إلى حالة الانفلات الأمني التي سادت عقب الثورة من جهة وإلى تردي الأوضاع الاقتصادية للمصريين من جهة أخرى. ولم تنجح الإجراءات الحكومية في الحد من الظاهرة رغم إصدار قانون خاص لمكافحة التنقيب عن الآثار أو الاتجار بها، بحسب محمود كبيش المحامي وعميد كلية الحقوق الأسبق بجامعة القاهرة. كبيش قال “إن السلطات المصرية غيّرت القانون عام 2010 وحوّلت الجريمة من جنحة إلى جناية تصل العقوبة فيها إلى السجن المؤبد والغرامة ما بين 100 ألف جنيه (10 آلاف دولار) إلى 500 ألف (50 ألف دولار)، بموجب قانون الآثار”. وأضاف، “أن القانون نص على مصادرة المضبوطات الأثرية والأدوات المستخدمة في البحث عنها، والسيارات المستخدمة في نقلها وتسليمها إلى المجلس الأعلى للآثار التابع لوزارة الآثار”.نفائس أثرية تؤرخ الهوية القانون وحده لا يكفي “القانون وحده لا يكفي”.. بهذه الكلمات بدأت الأستاذة بكلية الآثار في جامعة القاهرة، رحاب إبراهيم، حديثها، مؤكدة أن الأمر يحتاج إلى وعي مجتمعي بقيمة الآثار، إلى جانب تشجيع الدولة للأفراد على تسليم ما يجدونه عن طريق الحفر بأن تخصص مكافآت مجزية لهم. الأستاذة رحاب أوضحت أن القطع التي تخرج من باطن الأرض بطرق غير مشروعة تفقد نصف قيمتها تقريبا بسبب طريقة الحفر الخطأ، إن تاريخ أي أثر يتم على أساس الطبقة الأرضية التي وجد فيها، والمنطقة التي عثر عليه فيها، وفي حالة عدم وجود معلومات كافية تقاس بحسب الظروف المحيطة بالمكان. رسميا، اعترف وزير الآثار المصري خالد العناني، بأن القطاع يعاني من مشاكل أبرزها الإهمال وعدم التأمين الكافي، معتبرا هذين السببين من الأسباب الرئيسية في عمليات التنقيب غير المشروع. وأوضح العناني، أن الوزارة تعمل لمواجهة هذه المشكلة، زيادة الوعي بأهمية الآثار وضرورة الحفاظ عليها والتعاون مع وزارتي الداخلية والسياحة. وعن الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى هذه المخاطرة، استبعدت سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن يكون لسوء الأحوال الاجتماعية وانتشار الفقر في الريف المصري دافعا في الدخول إلى حقل التنقيب عن الآثار، لأن غالبيـة العاملين في هـذا المجال مــن الطبقة المتوسطة. وأضافت، “أن مواجهة مثل هذه الأعمال المنافية للقانون تحتاج إلى تنشئة اجتماعية، وتطوير على المنحى التربوي، إضافة إلى العنصر الأمني الذي يلعب دورا كبيرا في الحد من انتشار هذه الأمور”.
مشاركة :