كتَّاب مقالات صفحات الرأي غير ملزمين بالردِّ على كلِّ تعليقات القرَّاء وخاصَّة منهم المنزعجين الذين تأتي تعليقاتهم غير ذات صلة بموضوعات مقالاتهم … يتوهَّم قرَّاءٌ فيظنُّون بأنَّ دورَ كتَّاب الرأي في الصحف يقتصرُ على نقل مشكلاتهم ومعاناتهم في شؤون حياتهم وجوانبها الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة للمسؤولين في القطاعات الحكوميَّة من خلال عرضها في مقالاتهم مدافعين عمَّا يتوهَّمه معظم أولئك القرَّاء بأنَّ لهم حقوقاً مهدرة أو أنَّ حقوقهم منقوصة، بل ويتمادى أولئك في أوهامهم باعتبارِ نجاح كاتب مقالة الرأي يكن بقدرته على ممارسة الضغط باستثارة الرَّأي العام في ذلك، ومن ثمَّ بانعكاس ذلك الضغط تأثيراً على المسؤولين في استجاباتهم بتحقيق مطالباتهم في مقالاتهم. ولا شكَّ في أنَّ معظمَ أولئك المواطنين القرَّاء المتوهِّمين هم أسبابُ إهدار حقوقهم أو انتقاصها، أو أنَّهم يطالبون بأكبر ممَّا يستحقُّونه أو بأكثر من حقوقهم وفق قدراتهم ومتطلَّبات تلك الحقوق، فلا يرون المؤثِّرات في أنفسهم ومَنْ يرونها يظنُّون بأنَّ مواطنتهم فوق كلِّ ذلك، متناسين أنَّ عليهم مراعاة الزمن التنمويِّ، ومتجاهلين بأنَّ المواطنين الآخرين يساوونهم في المواطنة ويتفاضلون معهم في حقوقهم بخيرات وطنهم وخدماته، وأنَّ الوطن قد أناط بمسؤوليه المفاضلة بين مواطنيه، وإن حاد بعض المسؤولين عن النهوض بأمانة هذه المسؤوليَّة، أو حرَّكهم فساد ماليٌّ أو إداريٌّ لبخسِ مواطنين حقوقَهم، فإنَّ هذا لا يعطي المبخوسين أو المتوهِّمين بذلك الحقَّ بتعميم ذلك، كما لا تَحِقُّ لهم النقمة على الوطن بطريقة غوغائيَّة تدعم أعداءه في مخطَّطاتهم. وأحسبُ أنَّ على كاتب مقالات صفحات الرَّأي خاصَّةً ألَّا ينظر لمشكلات بعض المواطنين القرَّاء ومعاناتهم نظراتٍ عاطفيَّة لاسترضائهم فيكتبُ عنها بمعزلٍ عن شؤون الوطن وهمومه العامَّة، وخاصَّة أنَّ معظم المشكلات والمعاناة المقلقة قرَّاءً لا تعدُّ ظاهرة بقدر احتسابها حالات، أو هكذا يتبيَّنها الكاتبُ من خلال اطِّلاعه الأوسع منهم ومعايشته لتنمية وطنه، فهل القرَّاء المنادون بتعليقاتهم بذلك يفرِّقون بين كتَّاب صفحات المحلِّيَّات وبين زملائهم كتَّاب صفحات الرأي؟، بأنَّ لكلٍّ منهم توجُّهاتٍ فكريَّةً تفرضها عليهم صفحات مقالاتهم، فالمجموعة الأولى أقربُ لهموم القرَّاء ولمشكلاتهم ومعاناتهم الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، فيما المجموعة الثانية أقرب لهموم الوطن والأمَّة والثَّقافة والفكر في مجالاتها الأوسع ولكلٍّ قرَّاؤه. إذاً تختلفُ مقالاتُ صفحات الرأي عن مقالات صفحات المحلِّيَّات في موضوعاتها ومساحاتها وعمقها، وذلك كلُّه يقع في ضوء سياسةٍ صحفيَّة وأهدافٍ فكريَّة وثقافيَّة للصحيفة والتي تأخذ باعتبارها شرائحَ القرَّاء واهتماماتهم فكريّاً وثقافيّاً، وهذا لا يُلْزِمُ الصحيفةَ ولا كتَّاب صفحات الرأي فيها بأن تكون مقالاتها في مستويات كلِّ شرائح قرَّائها، ثمَّ ليس كلُّ قرَّائها يعلِّقون عليها فمعظمهم يتحاشون التعليق في الوقت الذي يعلِّق فيها قرَّاءٌ بأسماء مستعارة بتعليقات لا تتَّصل بموضوعات المقالات بل وتتجاوزها شخصنةً وتهريجاً ومجاملةً وتطبيلاً لبعضهم؛ لذلك لا تعكس التعليقات أحكاماً تقويميَّة لمقالات صفحات الرأي خاصَّة. وبما أنَّ كتَّابَ مقالات صفحات الرأي هم الأقربُ لهموم الوطن والأمَّة ولشؤون الثَّقافة والفكر في مجالاتها الأوسع وفي خطوطها العريضة، وهم المناطُ بهم من قبل صحفهم النهوض بهذا الدور الوطنيِّ بأسلوبٍ فكريٍّ ثقافيٍّ علميٍّ طرحاً وتحليلاً واستنتاجاً وتوضيحاً ودفاعاً ضدَّ المغرضين والمأزومين والأبواق من خارج الوطن، وأملاً بأن يصلوا من خلال مقالاتهم إلى القرَّاء خارج الوطن الذين لا تعنيهم قضاياه ومشكلاته المحلِّيَّة بقدر ما تعنيهم سياسته ومواقفه وتوجُّهاته العربيَّة والإسلاميَّة والدوليَّة، وتعنيهم متابعة حراكِه الثقافيِّ والاجتماعيِّ من خلال أفكار نُخَبِه وطروحاتهم، وتلك طروحات تختلف بموضوعاتها وبمساحاتها وبعمقها الفكريِّ والثقافيِّ؛ ممَّا جعل مقالاتِ صفحات الرأي ذات مقدِّمات وتحليلات فاستنتاجات علميَّة وليست طروحات مباشرة تراعى بها شريحةٌ من القرَّاء الذين ينزعجون منها لطولها وعمقها ولتناولها موضوعات خارج اهتماماتهم، فحبَّذا أن يختارَ القرَّاء المنزعجون من مقالات الرأي ما يناسبهم في صحيفتهم الشرق من مقالاتٍ وأن يتركوا مقالات الرَّأي فلها قرَّاؤها داخل الوطن وخارجه. كما أنَّ كتَّاب مقالات صفحات الرأي غير ملزمين بالردِّ على كلِّ تعليقات القرَّاء وخاصَّة منهم المنزعجين الذين تأتي تعليقاتهم غير ذات صلة بموضوعات مقالاتهم، فعلى أولئك القرَّاء أن يقدِّروا مَنْ يردُّ على تعليقاتهم مصحِّحاً لأفكارهم أو لأساليبهم وللغتهم، فهؤلاء الكتَّاب قد نظروا إليهم وإلى تعليقاتهم من دورٍ وطنيٍّ ثقافيٍّ للنهوض بهم فكراً وللارتقاء بهم لغةً وأسلوباً وذائقة أدبيَّة، ولتدريبهم على استخدام المنطق والفلسفة منهجين في التفكير والنقد، ولمعالجة التَّهريج والتطبيل لدى بعضهم أملاً بأن يتساموا جدِّيَّة في تفكيرهم، ولكشف توجُّهاتٍ فكريَّة لدى بعضهم تتوشَّحُ المناطقيَّةَ أو العنصريَّة أو الفكرَ المتطرِّف أو كلَّها معاً، فهذا الدورُ الوطنيُّ الثقافيُّ يجعل بعض كتَّاب مقالات صفحات الرأي يتحمَّلون ما يصدرُ من بعض القرَّاء المنزعجين من مشاعرَ سلبيَّة تجاههم وتطاول عليهم، يتحمَّلونهم في سبيل أن ينيروهم عقولاً وأن يضيئوا لهم مساراتٍ في الحياة والثقافة. وأخيراً فعلى أولئك القرَّاء الذين لا تناسبهم بعضُ مقالات صفحات الرأي ويجدون عسراً في فهمها أن يتوقَّفوا عن مشاعرهم السلبيَّة تجاه كتَّابها، وأن ينتهوا من تحريضاتهم السافرة لصحيفة الشرق التي اختاروها من بين الصحف لقراءتها ضدَّ كاتب رأي فيها، فصحيفةُ الشرق كغيرها من الصحف أسندتْ إلى من وثقتْ فيهم قدراتٍ ومهاراتٍ الإشرافَ على مقالات كتَّاب صفحات الرأي فيها، وهم على قدر هذه المسؤوليَّة الإشرافيَّة الصحفيَّة أمام رئيس تحرير صحيفة الشرق، الذي يساندهم في ذلك متحمِّلاً المسؤوليَّة العامَّة أمام الوطن، فتكرار التحريض السافر من بعض المعلِّقين يوحي بأنَّهم أعجز عن فهم رسالة الشرق باستمراريَّة الكاتب بكتابة مقالاته فيها، أو أنَّهم يشكِّكون بنهوض رئيس قسم الرَّأي في الصحيفة بمسؤوليَّته أو بخبراته وقدراته، بل إنَّ شكوكهم تمسُّ رئيس تحريرها أيضاً.
مشاركة :