المرأة وجائزة نوبل: مشكلة الإنجازات الأنثوية غير المرئية بقلم: يمينة حمدي

  • 2/26/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

المرأة وجائزة نوبل: مشكلة الإنجازات الأنثوية غير المرئية ألفريد نوبل لم يضع معايير ثابتة يتم على أساسها اختيار الفائزين بجائزته، بل اكتفى بالتنصيص على أن توزع عائدات ثروته على شخصيات أسدت خدمات للبشرية، ولكن الصورة النمطية للمرأة تجعلها الأقل حظا في الفوز بجائزته.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2017/02/26، العدد: 10555، ص(20)]إبداعات نسوية كثيرة وتتويجات قليلة حققت النساء في جميع أنحاء العالم العديد من النجاحات في الميادين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعلمية والسياسية، لكن إحدى الفروق المهمة، التي ما تزال موجودة بينهن وبين أقرانهن من الرجال، هو إنجازاتهن غير المرئية من قبل اللجان التي تقوم باختيار الفائزين بجائزة نوبل. وعلى الرغم من أنه لا يوجد في تاريخ الجائزة ما يشير إلى أن ألفريد نوبل قد وضع قوالب جاهزة أو معايير ثابتة، يتم على أساسها اختيار الفائزين، بل اكتفى في وصيته بالتنصيص على أن توزّع عائدات ثروته الطائلة على شخصيات أسدت خدمات للبشرية، إلا أن نسبة الذكور الحاصلين على الجائزة يعكس تجاهلا متعمدا لإنجازات النساء، وتبقى هناك قصة واحدة تنبغي الإشادة بها، وهي رفض بيير كوري زوج ماري كوري وشريكها في الأبحاث حول المواد المشعة في العام 1903 استلام جائزة نوبل احتجاجا على عدم ترشيح زوجته للجائزة، فقرر حينها مجلس الجائزة قبولها في ترشيح متأخر وأصبحت أول امرأة تفوز بجائزة نوبل. وتعتبر ماري أيضًا المرأة الوحيدة التي تفوز بالجائزة مرتين، حيث فازت أيضًا بجائزة نوبل للكيمياء في العام 1911. إلا أنه ومنذ انطلاق الجائزة في العام 1901 وإلى يومنا هذا، لم تتقلص الفجوة بين الجنسين المتوّجين بجائزة نوبل في مختلف تصنيفاتها، وظل الرجال على مدار أكثر من قرن محتكرين لها، وحتى العام 2016، مُنِحت الجائزة إلى 825 رجلًا فيما لم تفز بها سوى 48 امرأة فقط. وفي تاريخ الجائزة فازت 16 امرأة بجائزة نوبل للسلام و14 في مجال الأدب و12 في مجال الطب أو علم وظائف الأعضاء و4 في مجال الكيمياء واثنتان في مجال الفيزياء وفازت واحدة وهي إلينور أوستروم بجائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية. وشهد العام 2009 أكثر فوز للنساء بجوائز نوبل، فقد توجت حينها خمس نساء بالجوائز. أما على مستوى العالم العربي فلم تحصل سوى إمرأة وحيدة على جائزة نوبل للسلام، وهي الصحفية اليمنية توكل عبدالسلام كرمان. ويرى البعض أن عدد النساء المبدعات واللاتي حققن اكتشافات علمية أو قدمن خدمات للانسانية يحسب على الأصابع، وفي ظل وجود الآلاف من الرجال الذين يحققون إنجازات متشابهة، فإن العدد القليل من النساء المتوّجات بجائزة نوبل، لا يعكس تحيزا ضد المرأة وإنما هو نتاج طبيعي لواقع ما زال الرجال يحتلون فيه مركز الريادة في جميع الميادين، فما رد الأديبات والمبدعات العربيات عن هذا القول؟16 امرأة فزن بنوبل للسلام 14 امرأة فزن بنوبل للآداب 12 امرأة فزن بنوبل للطب 4 نساء فزن بنوبل للكيمياء امرأتان فازتا بنوبل للفيزياء امرأة واحدة فازت بنوبل للاقتصاد هيمنة ذكورية أكدت أمينة شفيق الكاتبة الصحافية والناشطة الحقوقية المصرية في تصريح لـ”العرب” أن ازدياد عدد النساء الحاصلات على جائزة نوبل في العقود الأخيرة، لا ينفي الفجوة الجندرية الكبيرة بين الجنسين، ففكر التفوق الذكوري ما زال مسيطرا على أغلبية العقول وفي معظم المجتمعات، فغالبا ما ينظر للمرأة باستصغار وعلى أنها ناقصة عقل، وليس باستطاعتها ابتكار النظريات وتقديم الحلول والبراهين في جميع النواحي العلمية. وترى الكاتبة أن البيئة المتخلّفة هي السبب الرئيسي في تغييب المرأة عن مثل هذه الجوائز، فمنذ قرون متواصلة والقيود المجتمعية العقيمة تلزم المرأة بالبقاء في المنزل، وتحرمها من التعليم والعمل في المجالات التنافسية، موضحة أن العالم لم يعترف بأيّ حقوق للمرأة لا في الشرق ولا في الغرب، وعندما انطلقت الجائزة في العام 1901، كانت المرأة وقتها تحارب من أجل الحصول على حقها في التعليم المحرومة منه في بلدان كثيرة من العالم، ثم انشغلت بإثبات حقها في الخروج للعمل، ثم كفاحها للحصول على أجر مساوٍ مع الرجل، وكثيرا ما كانت تبحث عن وظيفة مضمونة بساعات محددة، حتى تتمكن من التركيز على اهتمامات أخرى وعلى الشؤون المنزلية والإنجاب وتربية الأبناء. وقالت شفيق “مثلت الأعراف والقوانين المستبدة حاجزا كبيرا في طريق الإسهام الإبداعي الحقيقي للمرأة ممّا جعلها دائما في حالة خصام مع نفسها ومع مجتمعها”. ورجحت الكاتبة أنه حتى وإن تغلبت المرأة على مختلف الحواجز والقيود التي تواجهها في مجتمعها، وأصبحت عالمة ومخترعة في الفيزياء والكيمياء والطب، فإنه في الغالب لا يتم تسليط الضوء على إنجازاتها، ولا يتم الاعتماد عليها في تطوير وبناء مجتمعها، وكل ذلك من أجل اغتيالها معنويا، وهذا في حد ذاته يؤكد أن معظم المجتمعات كانت ولا تزال تعتبر المرأة أقل كفاءة من الرجل في النواحي العلمية. فيما ترى الروائية التونسية هند الزيادي أن جائزة نوبل للآداب ليست مقياسا للجودة الأدبية، بل تبقى مجرّد معيار نسبيّ، يخضع في بعض الأحيان إلى اعتبارات أخرى غير الأدب، وبالتّالي فليس غريبا أن تبقى أسماء روائية كبرى خارج دائرة المتوّجين سواء تعلق الأمر بالنساء أو حتى بالرجال، مشيرة إلى أن المعيار الجندري في جائزة نوبل ليس له وزن، لكن هذا لا يعني بالنسبة إليها أن المراة الكاتبة قد تخلّصت من وصمة جنسها وصارت تعامل معاملة متساوية مع زميلها الكاتب، ولذلك فمن الصواب بمكان الاعتراف بوجود كوكتيل من المعوّقات التي تحول أولا دون تميّز الأقلام النسائية، وبالتالي تحول دون تقدّم هذه الأسماء للمنافسة على الجوائز، بدءا من عالم النشر نفسه، ووصولا إلى عملية الإبداع التي لم تكن يوما يسيرة أو هيّنة على المرأة، وخاصة في ظل مجتمعات مازالت لم تتخلص من عباءتها الذّكورية، وتحمّل المرأة المبدعة أعباء أكثر من طاقتها، وتطالبها بالتميّز في جميع الميادين المحسوبة على جنسها. وتعتقد الزيادي أن المجتمع الذكوري هو الذي ينتج النّقاد الذين يقصون المرأة الكاتبة، ولا يلقون بالا إلى إبداعاتها مهما كان محتواها عميقا. وعللت رأيها قائلة “صفة الإبداع لا تخلع على المرء، سواء كان رجلا أو امرأة، بل تفتكّ بالكتابة المتواصلة وتطوير القدرات ومصارعة معوّقات الإبداع، وهذا في حد ذاته جائزة أكبر من نوبل”.أضواء نوبل خافتة على إبداعات المرأة نظرة دونية الدكتورة ميرفت إسماعيل أستاذة العلوم الزراعية بالمركز القومي للبحوث العلمية في مصر، ترى أن تحرر المرأة من بعض القيود المجتمعية، لم يعفها من مواجهة التمييز في المجالات العلمية التنافسية، خاصة مجالات العلوم والتكنولوجيا، فالمناهج التعليمية ترسّخ لثقافة مجتمعية تجعل من المرأة عورة وناقصة عقل ودين، ولا يكلّ خطباء الدين من ليّ عنقها بتلك المقولات، ممّا يقتل في نفسها كل أحاسيس الإبداع. وقالت “للأسف يترسّخ في العقل الباطن لدى الطالبات هذا الشعور على مدار أعمارهن، ويفقدن الثقة في أنفسهن وقدرتهن على النجاح في المواد العلمية ويفاقم ذلك الشعور عدم وجود دعم كاف من أسرهن في توجههن، بسبب انعدام العدالة بين الذكر والأنثى”. وأشارت الباحثة إلى وجود العديد من النساء الحاصلات على درجات علمية من جامعات عالمية مصنفة في المراكز المتقدمة، إلا أنهن يصطدمن بتحديات مجتمعية وثقافية لا حصر لها، ونادرا ما يجدن فرص التوظيف، فقط لكونهن نساء، والانطباع السائد عنهن أنهن سيهملن عملهن لأن أكثرهن سينشغل بمتطلبات أسرهن. وأكدت الدكتورة منى الطوبجي الباحثة في مجال العلوم الطبية بمصر أن لديها نظرة متشائمة مما لاقته من عثرات على مدار رحلتها البحثية، وترى أنه بمجرد دخول المرأة للمجال البحثي ستتعثر خطواتها بسبب ما يُلقى في طريقها من معوقات، وكأنها ستدخل الانتخابات لتستفيد لا لتفيد. وأوضحت لـ”العرب” أن معظم الباحثات لا يحصلن على فرص متساوية في مصر مثل الرجال، فهم لهم طرقهم وأساليبهم في الوصول إلى رجال الأعمال الذين ينتدبونهم، فيما يضيّقون الخناق على النساء، مشيرة أنه يتم تجاهل النساء حتى في مجال المشاركة بالمؤتمرات العلمية، ولا توجه إليهن دعوات للمشاركة من قبل الجهات المختصة. ووصفت الطوبجي ذلك بـ”مصيبة المصائب”، مشبّهة ما تواجهه المرأة من صعوبات وعقبات في مرحلة البحث العلمي “بالنحت في الصخر”، إلا أنه وبمجرد أن تطأ قدمها أول درجة في سلم الاختراعات، تجد نفسها تحت وطأة تحديات أشد فتكا بها، لانعدام الجهات القادرة على تمويل أفكارها، وعندئذ عليها أن تتدبر أمورها بنفسها وتنفق على اختراعها من مالها الخاص، وفق تصريحها. وقالت في هذا الشأن “عندما تتغلب المرأة على كل المعوقات وتحصل على براءة الاختراع ويتم الاعتراف بها، تدخل إلى عرين المراكز البحثية العلمية والمتخصصة التي ترفض أن تتبنى اختراعها وتتحجج بصعوبة تطبيقه على أرض الواقع لعدم وجود تمويل، إلا أن الأمر مختلف بالنسبة إلى الرجال، وكل هذا يصيب المخترعة بالإحباط ويعود بها إلى الدائرة المغلقة التي كانت تعتقد أنها خرجت منها”. وأضافت “أما إذا استطاعت المرأة الخروج من تلك الدائرة من خلال أيّ ثغرة، وتم تطبيق اختراعها والاعتراف بها كعالمة ومخترعة، فإنه حتما سيتم تجاهلها واغتيالها معنويا من جانب دولتها الأم، التي لن تعترف باختراعها ولن تتبناه، مثلما حدث مع العديد من المخترعات اللاتي تبنتهن دول أخرى كالصين والولايات المتحدة”.الإقصاء الناتج عن ميسوجينية أو كراهية النساء، لا يمارسه الرجال في خلوة، بل بحضور المرأة وبمباركتها في أحيان كثيرة عقلية ميسوجينية وألقت سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، باللوم على طرق تنشئة الأسرة العربية للمرأة في صغرها، مشيرة، إلى أن الأهل غالبا ما يلقون على مسامع الفتات التعبير المتوارث “أنت بنت”، من أجل تنبيهها إلى الكثير من المحاذير والخطوط الحمراء التي يجب عليها ألا تتجاوزها، فمثلا عليها ألا تلعب بالحصان بل العروسة، ولا تشتري المناظير والتلسكوب بل أدوات المطبخ، ولا تستبدل اللغات بالرياضيات والعلوم لأنها صعبة عليها، فيرسخون في ذهنها فكرة عدم خوض معترك الأبحاث والاختراعات، مما يجعلها تبتعد عن هذه المجالات العلمية خوفا من التضحية بأنوثتها ودفن جمالها خلف نظارات “مقعرة”. وأوضحت أن النظرة السوداوية للمخترعات تكرّسها الصورة النمطية التي دائما ما تظهر بها المخترعة في المسلسلات والأفلام، فهي من وجهة نظرها دائما جادة ولديها جفاف عاطفي ومنغلقة على نفسها، وليس لديها الوقت لتهتم بمظهرها، وإذا ما طالبت بالمساواة مع الرجل في المجال البحثي فإنها ستصبح في المنظور المجتمعي امرأة “مسترجلة” و”عانس”. وأشارت الشاعرة المغربية فتيحة النوحو في حديث لـ”العرب”، أن الهيمنة الذكورية لا تقتصر فقط على جائزة نوبل، بل تنسحب على جميع الجوائز الإبداعية بمختلف أصنافها. وتحدثت النوحو عن تاريخ كامل من الهيمنة الذكورية، يمتد عبر مختلف عصور الثقافة الإنسانية قائلة “هناك تغييب مقصود لمساهمة المرأة في الفعل الأدبي والفني، وهذا الإقصاء الناتج عن ميسوجينية أو كراهية النساء، لا يمارسه الرجال في خلوة، بل بحضور المرأة وبمباركتها في أحيان كثيرة، وفي ظل صمتها في أحيان أخرى”. وأضافت “هناك لوبيات في المشهد الأدبي أو ما يمكن تسميته بجماعات فرض وليس ضغط تمارس سطوتها بطريقة غير مباشرة، فالتقليد أن اللجنة المنظمة لجائزة نوبل، تعهد لمؤسسات ثقافية وأدبية لترشيح أسماء للجائزة، وهذا ما يعتبر ظاهريا حيادا، ولكننا ندرك جميعا ما يسود في الغرف المغلقة للمؤسسات والاتحادات من محاباة وتمييز وتقريب لأسماء واستبعاد لأخرى”. وتساءلت مستنكرة “كم من عربي حصل على نوبل؟ أتوقع أن يبقى نجيب محفوظ الاستثناء، وتبـقى الجائـزة في مهب الأهواء”. صحافية تونسية

مشاركة :