يحظى ذوو الإعاقة في الإمارات برعاية خاصة واهتمام كبير، لدمجهم في المجتمع والحياة العامة، بهدف إظهار طاقاتهم وقدراتهم، كفئة منتجة تسهم في تنمية المجتمع وعملية التنمية الشاملة في الدولة. وتولي الدولة اهتماماً لذوي الإعاقة من منطلق إنساني وتربوي واجتماعي وثقافي، ولم يعدّ هذا الاهتمام تحت مظلة الرحمة والإحسان والعطف. وقد استطاع عدد كبير من المعاقين في الإمارات تحقيق إنجازات كبيرة على جميع المستويات، واستطاعوا متسلحين بالإرادة والأمل والصبر تحويل الإعاقة إلى سبب ودافع لإنجاز قصص نجاح مهمة ولافتة ومبهرة وملهمة. هذه الصفحة الأسبوعية تسلط الضوء على «إرادة» انتصرت. تحتار في أمرك وأنت تتحدث مع عبدالغفور الرئيسي، هل ستتحدث معه بناءً على أنه أول شخصية من ذوي الإعاقة مَثَّل الدولة في مسابقة رياضية، أم كعضو مجلس إدارة لنادي الثقة للمعاقين ومدير اللجنة الإعلامية فيه، أم تكتشف فيه الأب والإنسان، فالرئيسي يملك من الطاقة الإيجابية في تعاطيه مع كل جانب من حياته ما يبث روح الإرادة لدى الجميع، فهو المعتدُّ بما قدمه والمتمسك بالأمل أكثر. اكتشفت عائلة الرئيسي إصابته بشلل الأطفال عندما كان عمره عامين، وعاش الرئيسي طفولته مع تلك الإعاقة، في فريج العويسات والجروان في الشارقة، بشكل سلس، حسب تعبيره، الى أن أصبح عمره 12 عاماً، وهذا العمر الذي بكى فيه الرئيسي بكاء شديداً، لأنه شعر وقتها أنه يختلف عن أقرانه «كنت أسأل نفسي لماذا يستطيعون الجري وأنا لا، لماذا يركضون على أدراج المدرسة وأنا جالس على كرسي متحرك أنتظر من يحملني، حينها بكيت وأدركت اختلافي وإعاقتي». • «بناتي واجهنني بسؤال (بابا ليش ما تمشي؟).. وكان الجواب (لأن ريولي تعورني)». • «كرهت حصة المختبر لأنها كانت بالطابق العلوي، فالمدارس لم تكن مجهزة للمعاقين». صورة وذاكرة يلوّح الرئيسي بصورة تعود إلى عام 1987، بكل اعتزاز، يبدأ بوصفها «هنا أجلس على مقعد متحرك بمواصفات عالمية كأول شخص من ذوي الإعاقة يمثل الدولة في فعالية رياضية»، ويكمل الحديث بالعودة الى تلك الذاكرة «هذا الحضور كأول رياضي، لم يأتِ فجأة بل خلفه قصة تحدّ لصديقي سالم محمد سالم، الذي تحول من شخص طبيعي الى شخص من ذوي الإعاقة بسبب حادث، وهنا يكون الشخص أكثر صدمة من الشخص المولود بإعاقته»، موضحاً «لقائي مع سالم كان محض مصادفة، عندما كنت أراجع البريد، واذا بشقيقه الذي يعمل هناك يصر على ايصالي الى المنزل، وكنت وقتها أرفض هذا النوع من الخدمات بسبب عزة النفس ورفضي لنظرات الشفقة، لكن إصراره أشعرني أن وراءه حكاية، وكانت الحكاية عنوانها سالم، الذي من خلال تعرفي اليه، وهو الذي كان يدرس في المانيا وشاهد بأم عينيه طريقة تعامل الغرب مع ذوي الإعاقة، أراد أن ينقل تلك التجربة الى الدولة، ليؤكد أن ذوي الإعاقة لا ينقصهم شيء كي يكونوا من بُناة المجتمع». ثق بنفسك منذ تلك الجلسة مع سالم اختلفت الأمور، يضيف الرئيسي «بدأنا بالتعريف عن أنفسنا اجتماعياً، وبدأنا نحضر مسيرات في الشوارع لنُعرِّف كلَّ من يعيش معنا وحولنا علينا، بعيداً عن إعاقاتنا المختلفة، إضافة الى تجمعاتنا في النادي الثقافي العربي في الشارقة، بعدها وبدعم من الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي، مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، التي كانت بمثابة أم لنا، وبسبب دعمها بدأنا نلمس انجازاتنا، وكان أهمها تغيير نظرة المجتمع لنا من شفقة الى إيمان بقدراتنا»، خصوصاً بعد أن تبنّى صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، همومنا واحتياجاتنا، وحوَّل نادي الضباط الى نادي العطاء، ثم قرر سموّه تغيير اسمه الى نادي الثقة، وقال لنا: «ثق بنفسك كي تعطي»، وليكن النادي اسمه «نادي الثقة». الفريج والذاكرة يعود الرئيسي الى ذاكرة المكان الذي ولد فيه واللحظة التي اكتشف بها إعاقته «ولدت في منطقة الشرق بالشارقة في فريج العويسات والجروان، قضيت كل طفولتي هناك وأنا لا أشعر أبداً بالاختلاف، كان لدي العديد من الاصدقاء، لكنني أتذكر أنني بكيت على حالتي عندما اصبح عمري 12 عاماً، ولا أتذكر صدقاً السبب المباشر الذي حدث في تلك الساعة، لكنني صرت أتساءل حينها عن الأطفال القادرين على الجري وأنا لا». لينتقل الرئيسي الى ذكريات المدرسة «كنت أكره حصة المختبر، لأنها كانت في الطابق العلوي، فالمدارس لم تكن مجهزة لذوي الاعاقة، فكان يضطر أساتذتي أو زملائي الى حملي لطوابق عليا، وكنت اشعر دائماً بالخوف على نفسي وعلى كرسيي الخاص من الوقوع، لكننا كذوي إعاقة نشعر دائماً أن الله وهبنا قدرة تحمُّل فائقة تجعلنا نتحدى كل الصعاب». وأشار الى أنه اليوم وبعد مضي كل هذه السنوات «أشعر بالراحة وأنا ألمس اهتمام حكومتنا وشيوخنا بتسهيل حياة ذوي الإعاقة، من كل الجوانب الحياتية». ويقول بخفة ظل «هل تصدقون أن المارة قديماً كانوا عندما يروننا في الشارع على كراسينا المتحركة يقدمون لنا النقود؟»، ويستدرك «أما اليوم فلم نعد نشعر بالفرق، بل نلمس الاحترام والتقدير من الجميع». الرئيسي الأب لدى الرئيسي أربعة من الأبناء، ثلاث فتيات وولد عمره 18 شهراً، وعن هذا يقول الرئيسي: «تزوجت امرأة صالحة من عائلتي، تعرفني منذ الصغر ومتفهمة لحالتي تماماً»، وأضاف «بناتي الثلاث واجهنني بأسئلتهن عندما أصبحت كل واحدة بعمر الأربع سنوات تقريباً، والسؤال هو نفسه (بابا ليش ما تمشي؟)، وكان الجواب لهن نفسه (لأن ريولي تعورني)»، وينتظر الرئيسي سؤال ابنه حين يكبر وستكون الاجابة نفسها، ويقول: «لكن بعد أن كبرن أصبحن على وعي تام بحالتي، بل زاد على ذلك إصرارهن دائما لمرافقتي الى النادي لمعرفة معلومات عن ذوي الإعاقة، وأنا حريص على أن يكنّ على قدر هذه المعرفة ليصبحن في المستقبل جزءاً من جهود دعم ذوي الإعاقة في المجتمع».
مشاركة :