فلاسفة من تونس وألمانيا وفرنسا وأيسلندا يناقشون جماليات العيش المشترك

  • 2/27/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يعالج هذا الكتاب "جماليات العيش المشترك" بأقلام فلاسفة من تونس وألمانيا وفرنسا وأيسلندا قضية من أهم القضايا الفكرية التي يدور حولها النقاش الآن في العالم، ألا وهي جماليات العيش المشترك. أعد الكتاب د. فتحي التريكي، وشارك في بحوثه ودراساته "جاك دريدا، بال سيكلوسون، رشيدة التريكي، هانس يورغ زاندكهلر، ماتياس كوفمان، جون جوليفي، العربي الطاهري، لودغير كونهاردت". وقدم معالجات طريفة لتجارب الغيرية والعيش معا، وكلها تكشف عن الإمكانات الضخمة للتثاقف والتعايش. في مقدمته للكتاب الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة لفت د. التريكي إلى أن الخيط الرابط لكل المقالات الواردة في الكتاب يتلخص في مفهوم جمالية العيش المشترك وسعادة التحاور مع الغير دون أن يفقد المرء هويته ونمط وجوده في العالم. وأضاف "ونعني بجمالية العيش المشترك قدرة الإنسان على تغيير اجتماعيته الطبيعية وتحويلها إلى اجتماعية معقلنة وواعية، فالعيش المشترك الذي يتحقق في إطار الاجتماعية الواعية هو تعايش منظم حسب قاعدة الأنس والمحبة، ولا بد أن نذكر أن مفهوم التآنس الذي اقترحته ووضعته على محك الدرس والنقد من خلال قراءتي لأعمال أبي الحيان التوحيدي ومسكويه يفيد مبدئيا نوعا من العيش المشترك ضمن التآلف والانسجام، الذي لا يعبر فقط عن عدالة مصحوبة بالحكمة والحب، ولكن أيضا عن الوفاق الممكن بين الأشخاص، فهو يعبر عن إنسانية قوامها حق الاختلاف والاحترام والمحبة". وأشار د. التريكي إلى أنه لا توجد حياة عامة أو إمكانية لحياة كونية دون رابط إنسي ضمن وحدة اللغة أو الكلام الذي تتقاسمه الممارسات اليومية والعادات والتقاليد والأمنيات والحقوق والواجبات التي تهم كل فرد. وأكد أن الأمة لا تحقق وحدتها وهويتها إلا باتفاقها من خلال عملية تحاورية ضخمة، تؤسس فيها عوامل الارتباط وأسباب إنجاحها وتحولها إلى عيش مشترك في ظل الكرامة والحرية. وقال إن المواقف الأخلاقية العميقة والأساسية في إعداد نوع من الوفاق السياسي حيث المبدأ الرئيسي يكمن في تحقيق التميز أو الفضيلة الإنسانية من وجهة نظر فارابية توجد داخل الحكمة نفسها، بل يمكن أن يكون هذا الحل مصحوبا بنشاط مغاير يؤلف بين النظام الأخلاقي والنظام الجمالي وتلك هي الضيافة التي فسر معطياتها وقواعدها "دريدا". ناقش جاك دريدا في محاضرته قوانين الضيافة عند أرسطو وأفلاطون والفلسفة الألمانية ممثلة في كانط مؤكدا أن الضيافة تدل على حق الأجنبي عند حلوله بالبلد المضيف في ألا يعامل كعدو. فالضيافة لا تتعارض مع أي شيء آخر إلا مع التعارض ذاته أي العداء، فالضيف المستقبل هو غريب نتعامل معه كصديق أو كحليف، وذلك يتعارض مع الآخر الأجنبي الذي نعامله كعدو. ورأى دريدا أن الضيافة مفهوم وتجربة متناقضة في حد ذاتها، وليس بإمكانها إلا أن تتناقض داخليا، ولا يسعها إلا أن تحمي ذاتها من ذاتها، وكأنها تمارس وأن تكون حيز التطبيق. وقال: "الضيافة تأخذ وتعطي أكثر من مرة ولكن ما تعطيه وما تأخذه هو الاستقبال، وبالتالي يدع ويفسح المجال للمجيء عنده، مخضعا الآخر الأجنبي لقانون المضيف، القانون الداخلي. نعم فلتأت عندي ولكن عليك أن تخضع للمكان، للغة، للعرف، للتقاليد، للذاكرة.. إلخ. إذن الترحاب الذي يدع المقبل يأتي لديه مخضعا الغريب للقانون الداخلي، قانون الضيف، الآخر الذي يتقبل الخاص للمعنى اللغوي أي تصوراته أيضا. ويتمحور بحث د. رشيدة التريكي حول العلاقة بين الفن والتواصل وينطلق من الاهتمامات الجمالية التي تتمثل في مستقبل الاستيتيقا، حيث تتساءل: ما هي صلة التواصل بالفن المعاصر؟ وعلى وجه التحديد كيف يمكن فهم عملية الاستقبال لأي شيء فني؟ وما نوع التواصل؟ وكيف يتكون الوعي الذي يمكن أن يحصل لنا جراء ذلك؟ ورأت التريكي أن الادراك الجمالي المحض هو الذي يخفي وحده الإحساس والشكل ولا يسمح بإدراك الأثر في شكل قابلية الانفعال الكلي، وهو الذي يشمل في الوقت نفسه المعنى الكامل الأصلي وحقيقته في إعادة الإبداع. وأضافت "إن الادراك هو شرط الالتقاء بالأثر الفني، وهو شكل من أشكال (وجود الأثر) وشكل حقيقته التي تحدث خاصة في التصور والتنفيذ، هذا الأخير لا يقتصر فقط على إقامة العروض والتي هي كفعل ثقافي، نموذجية (هذه العروض تقوم بعملية إشراك المشاهد في الأصل من خلال ظاهرة الاشهار، هناك عملية وساطة تحدث بين حضور المشاهد وعملية إحضاره في الأصل). وهي لا تقتصر أبدا على الامتياز الذي منحته الفنون التشكيلية إلى الهندسة المعمارية، التي ترفض الانفصال عن انتمائها إلى محيطها وإلى وظيفتها التطبيقية: الهندسة المعمارية هي الحالة (الظاهرة) النموذجية التي وردت في الحقيقة متجاوزة المسافة الزمنية". ولفت إلى أن الهندسة المعمارية تسمح بجمع الفنون الأخرى بما أنها أشكال من أشكال التصور والتزويق عبر هيكلتها للمجال. في نفس الوقت تحدث الهندسة المعمارية في جوهرها الزخرفي وساطة بين التقبل الجمالي والإحالة (للمعنى العام للحياة التي ترافقنا) والتصور يتسع عند تنفيذ الأثر المسرحي، الموسيقي، أو الشعري ولكنه أيضا يعمل على التقبل الحيوي لما هو رسمي في الطبيعة الفنية للصورة وأكثر من ذلك إلى ما هو مجازي ومرئي". وطرح هانس يورغ زاند كهلر في محاضرته "دولة القانون والحقوق الاساسية في عالم التثاقف" تصورا عن الحق في مجتمعات التعددية، مؤكدا أنه لا يمكن اليوم ولا حتى على أمد بعيد التفكير في المطالبة بحقوق الانسان وتحقيقها باستقلال عن الدولة وعن مؤسساتها الشرعية والقانونية. ولكن ترى عن أي دولة وعن أي حق نتكلم؟ إن الحديث عن دولة القانون وعن حقوق الإنسان الأساسية إنما الغاية منه هي النظر في إمكان تحقيق عالم أكثر عدلا. إن الدولة والقانون ينبعان من سلطة الشعب، ولذا فإن الحق القائم والقانون السائد لا يتلاءم مع أنموذج كوني وحيد، نظرا لتنوع المثل العليا للعدالة وإلى اختلاف التقاليد الشرعية، ويمكن أن نذكر كمثال حق الملكية والواجبات المرتبطة. ورأى هانس أن الحوارات الراهنة حول وظيفة الدولة وحدودها تتأرجح بين موقف المدافعين عن الخيرات الفردية وعن الأمن، فتراهم يقلصون من مشمولات الدولة وموقف المبررين لوجود الدولة، نظرا إلى العدوانية المتفشية في المجتمع المدني، فتراهم يشددون على المصلحة العامة التي تتحقق في المجتمع الذي يعيش في كنف القانون الدستوري. وقال: "هناك أيضا من يسعى إلى الحد من نفوذ الدولة ومشمولاتها في سبيل تحقيق المصلحة العامة التي يمكن ضمانها داخل الأسرة وداخل المجموعات الصغيرة، في حين يسعى آخرون إلى الأمر نفسه ولكن باسم الحريات الفردية. إن هذه الاستراتيجية لا تخلو من الخطر وفعلا فإن الناقدين للدولة لا يأخذون بعين الاعتبار أن التعددية الراهنة تضطرنا إلى التفكير مجددا في انسجام ذلك الكل المتألف من الحرية والحرية والحق والدولة. لكن علينا أن ندافع عن الدولة بمفهومها الجديد، دولة القانون وعلى مهامها الرئيسية، إن وظائف الدولة التي تشكل خطرا حقيقيا هي تلك التي تم اشتقاقها من أيديولوجيا الأمة والعرق ومن الأولوية المعطاة لبعض المصالح الاقتصادية الخاصة. وإن وظائفها التي ينبغي الدفاع عنها هي الموكولة إلى دولة الدستور باعتبارها أداة الحق الساهرة على كرامة الفرد وحريته".   محمد الحمامصي

مشاركة :