أصولية على الطريقة الأوروبية تسعى إلى اغتيال ثقافة الحرية والانقلاب على القيم الليبرالية التي منحت النموذج الأوروبي فرادته.العرب إدريس الكنبوري [نُشر في 2017/02/27، العدد: 10556، ص(9)] تستعد أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا لجولات انتخابية تعتبرها مصيرية لمستقبلها ومستقبل أوروبا بشكل عام، وفي الوقت الذي تتصدر مارين لوبن، رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي، نوايا التصويت في استطلاعات الرأي أمام منافسيها من اليمين واليسار، يتطلع اليمين المتطرف في ألمانيا وهولندا، حيث ستجرى انتخابات رئاسية خلال العام الجاري، إلى تحقيق فوز كبير ويبدو واثقا من نيل أصوات الناخبين، معتمدا على سابقة دونالد ترامب في الولايات المتحدة الذي نجح في الوصول إلى البيت الأبيض رغم خطابه اليميني المتشدد. وبالنسبة لأقطاب اليمين المتطرف في أوروبا، فإن حالة ترامب مؤشر على أن خطاب اليمين بات مقبولا من الشارع، ولم يعد نشازا كما كان الحال في العقود الماضية. قبل أسبوعين عقد في إحدى المدن الصغيرة شمال ألمانيا مؤتمر كبير لهذه الأحزاب حضره أكثر من خمسة آلاف شخص، رغم احتجاجات الحكومة الألمانية، كان الهدف منه مناقشة المواعيد السياسية المنتظرة في فرنسا وهولندا وألمانيا، ومواقف تلك الأحزاب منها وتصوراتها حول النموذج الجديد الذي تريده لأوروبا. وقد كانت مارين لوبن نجمة المؤتمر، إذ افتتحته واختتمته بخطابين قويين كشفت فيهما مواقفها السياسية للانتخابات الفرنسية القادمة. وقد كان الأمر طبيعيا، فلوبن اليوم هي بمثابة الرمز لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وهي لم تعد لاعبا من الدرجة الثانية كما كان الحال مع والدها، بل صارت تتصدر المشهد السياسي وتطرح نفسها بديلا في فرنسا. لوبن وصفت الانتخابات القادمة في البلدان الثلاثة بأنها ستكون “صحوة لشعوب أوروبا الغربية وعصرا جديدا”، وقالت “نعيش نهاية عالم وولادة عالم آخر”، وتوقعت عودة “الدولة-الأمة” مشيرة إلى أن ذلك مسألة حتمية وقضية وقت فقط، وأعربت عن قناعتها بأن البلدان الأوروبية “ستخرج من سجن الاتحاد الأوروبي والشعوب هي التي ستقرر السبل التي ترتبط من خلالها مع بعضها البعض”، كما انتقدت سياسة الهجرة التي تقودها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وقالت إن تلك السياسة يجب أن تتوقف، فيما تحدث زعيم حزب الحرية الهولندي، غيرت فيلدرز، عن “ربيع المواطنة” وعن “الثورة التي ستحرر الشعوب الأوروبية من دكتاتورية بروكسيل” وتعيد إليها السلطة والتحكم في مصيرها. وقال “بالأمس أميركا جديدة وغدا أوروبا جديدة”، واعتبر أن خلاص أوروبا يوجد في أحزاب اليمين المتطرف، حيث قال “التاريخ يدعونا لإنقاذ أوروبا”. رئيس حزب تحالف الشمال، الإيطالي ماتيو سالفيني، قال “نقول لهؤلاء الذين يأتون من العالم العربي وأفريقيا وكل الذين يرحبون بهم أمثال ميركل، إن أوروبا لن تكون إسلامية وإن أوروبا هي بيتنا”. يصعب التكهن بما ستسفر عنه الانتخابات في فرنسا وغيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي، ولكن المؤكد أن اليمين المتطرف يتغذى على إشاعة الخوف من الآخر ويسعى إلى دق إسفين التخاصم بديلا عن التفاهم بين الشعوب الأوروبية وغيرها من الشعوب، خصوصا من بلدان العالم العربي والإسلامي ومن البلدان الأفريقية. فهو لا يقترح سياسة لتدبير السلطة في أوروبا، بقدر ما يقترح رؤية مغايرة للعالم أساسها التركيز على الاختلافات القومية والدينية، بما يسمح بتحويل أوروبا إلى قلعة محصنة في وجوه المهاجرين واللاجئين، وبناء سور مادي وأيديولوجي يدفع العالم في اتجاه صراع الحضارات. قامت أوروبا انطلاقا من التنوير والعلمانية والاندماج بين مختلف الأعراق والثقافات، وهو ما أعطاها القوة والجاذبية بالنسبة للشعوب غير الأوروبية، التي وجدت في ذلك النموذج تعبيرا عن التسامح والتعددية؛ ولكن هذا النموذج بات مهددا في عقر داره من أحزاب متطرفة ترى في المهاجر متطرفا مع وقف التنفيذ، وفي الآخر المغاير عدوا، وفي التعددية الثقافية تهديدا للهوية الوطنية. إنها نوع من الأصولية على الطريقة الأوروبية التي تسعى إلى اغتيال ثقافة الحرية والانقلاب على القيم الليبرالية التي منحت النموذج الأوروبي فرادته. كاتب مغربيإدريس الكنبوري
مشاركة :