إسكات الأوروبيين عن إبداء رأيهم في الإسلام ينعكس تصويتا لصالح الأحزاب الشعبوية التي تستغل مشاكل الجاليات المسلمة بتحريض من جمعيات الإخوان المتكاثرة في أوروبا.العرب حميد زناز [نُشر في 2017/03/27، العدد: 10584، ص(13)]المسلمون السبب، والضحية أيضا أصبح بديهيا ومتوقعا اكتساح الحركات الشعبوية اليمينية الساحة السياسية في أوروبا، وستكون نتائج الاستفتاءات والانتخابات القادمة في صالحها وذلك أمر متوقع، إلا من لدن هؤلاء البلهاء الذين يعيشون نصف حياتهم مع الأوراق والأرقام والنصف الآخر في الأوهام. وأستغرب استغراب بعض المحللين الأوروبيين وبعض مدعي تمثيل الجالية المسلمة في أوروبا وأميركا من هذا الصعود القوي لليمين المتطرف وأتساءل بجدية عن سلامة صحة البعض النفسية وعن مدى قيمة شهادات البعض الآخر العلمية! ينبغي البحث عن أسباب الظاهرة في المشاكل التي تخلقها الجاليات المسلمة في أوروبا بتحريض مستتر من جمعيات الإخوان المتكاثرة في كل المدن الأوروبية الكبرى، فضلا عن تلك الصورة الكئيبة التي يقدمها المسلمون أنفسهم في بلدانهم. فمن هنا صحافية يحكم عليها بالجلد بمجرد ارتدائها سروالا، ومن هناك رؤوس تقطع بالسيف جهارا نهارا وطفلات تزوج لبشر وصلوا إلى أرذل عمرهم. كيف يتصرف الأوروبي حينما يلتقي خيما متحركة ويجد نفسه مضطرا إلى تهدئة روع أبنائه الصغار من هول ما يرون وليشرح لهم أن هذا الشيء المتحرك ليس زورو أو دراكولا وإنما هو لباس آت من بلاد المسلمين يسمى “البوركة”، تختفي تحته امرأة مسلمة كي لا تغري الرجال! كيف لا يخاف الأوروبي حينما يرى الطرق تغلق في وجهه في مدنه لتقام فيها صلاة جمعة يكثر فيها الصراخ ويعلو فيها تكبير أقرب إلى العدوانية منه إلى الروحانية؟المثقفون اليسارويون وبعض السياسيين دفعوا الناس إلى الكبت بدل أن يفتحوا لهم المجال لمناقشة الإسلام بحرية كيف لا يشك هذا الغربي في نية أناس لا يريدون التزاوج معه ولا أكل ما يأكل ولا حتى أن يدفنوا معه؟ كيف لا يتذمر من أناس لا يترددون في القول علنا إنهم هم الذين يملكون الدين الصحيح وبقية الإنسانية كلها على ضلال كأنها ما كان لها ينبغي أن تخلق إطلاقا؟ فهل الوعي بالخطر خوف مرضي، إسلاموفوبيا كما يدعي البعض، أم هو خوف واع ومشروع؟ لم يترك لي وجودي في الغرب منذ سنوات طويلة ومتابعتي لأمور المسلمين فيه مجالا للشك في استفاقة الأوروبيين لما يتربص بهم من خطر أصولي حقيقي، وقد توقعت ذات عام أن يرفض السويسريون بناء المآذن مثلا بنسبة تفوق النتيجة المسجلة بكثير. لو أتيح للأوروبيين أن يصوتوا على هكذا قضايا لكانت النتيجة مماثلة بل أدهى وأمر، وهو ما تفطن له الساسة في الغرب وناوروا بأساليب ذكية من أجل أن لا يقول الشعب كلمته خوفا من الحقيقة، وبالتالي الخوف على المصالح المادية التي يتمتعون بها على حساب الشعوب الإسلامية. وخير دليل على ذلك أن السلطات السويسرية لم تسمح بالاستفتاء إلا مرغمة ومن قبل من؟ اليمين المتطرف. وستُرغم الحكومات الأوروبية الأخرى وستعود عاجلا أو آجلا إلى تسبيق قيم الحداثة على الفوائد العائدة من صداقات هشة زائلة. ودون هذا يكتسح أوروبا الفكر اليميني المتطرف ويقترب الذين يمتطونه من الفوز بالسلطة وقد يحدث ما حدث في ألمانيا سنة 1933.إذا استمرت النخب الأوروبية في تجاهلها للرأي العام ستحفر قبر الديمقراطية بيدها وسينقض ساعتها أعداء الديمقراطية والتقارب بين الشعوب على الحكم، وحينها سيدخل العالم في دوامة لا يتمناها عاقل. بمباركة الأصوليين وعرابيهم الممولين فرضت النخب السياسية والثقافية الأوروبية، عن طريق آلتها الإعلامية المهولة تحت عنوان “الإسلاموفوبيا”، جوا موبوء، جو ريبة واشتباه وأصبح كل من ينتقد سلوكات المسلمين مهما كانت طائشة ومنافية للقوانين وأعراف البلد، معاديا للإسلام وعنصريا. وهكذا تجنب الناس التعبير عن آرائهم في دين الأجانب وسلوكياتهم خوفا من “تهمة العنصرية” المعلقة فوق رؤوسهم كسيف ديموقليدس. وسيعبرون عن تلك الآراء عبر صناديق الاقتراع بالتصويت على كل من يقول بأنه من خارج هذا النظام الذي حرمهم التعبير في الفضاء العام. لقد تناسى بعض المثقفين اليسارويين وبعض السياسيين المرتشين أنهم هم الذين دفعوا الناس إلى الكبت بدل أن يفتحوا لهم المجال لمناقشة الإسلام بحرية كما تناقش الديانات الأخرى في أوروبا. واليوم نجني في صناديق الاقتراع ما زرعوه والآتي أخطر لو بقيت دار لقمان على حالها. أخشى ما أخشاه أن يبدأ آخرون في مناهضة الأسلمة عن طريق العنف، وهو أمر غير مستبعد وإن استبعدته مراكز البحوث للأسباب التي ذكرت سابقا، إذ أن استطلاعات الرأي لا تعني شيئا ولا تعبر عما يختلج في صدور الناس. وهو ما أفصحت عنه اقتراعات وانتخابات كثيرة. ولا أزال أتعجب من تلك المقاومة الكامنة إلى حد الآن في نفوس أغلبية الغربيين والتي تحصنهم من التصويت بكثافة لليمين المتطرف وإعطائه الأغلبية الساحقة اليوم ودون تردد.
مشاركة :