فاجأت الصين أسواق المال أمس الاثنين، وقالت إنها ستسمح للمستثمرين الأجانب في سوق سندات ما بين البنوك بتداول العقود الآجلة ومبادلات العملة وعقود الخيارات. لكن بكين قصرت التداول للمستثمرين الأجانب في سوق خارج المقصورة فقط (السوق غير الرئيسية مرتفعة المخاطر)، وقالت إدارة الصرف الأجنبي الحكومية أمس، إن «تداول المشتقات يمكن تنفيذه مع البنوك عبر سوق خارج المقصورة فقط كوسيلة تحوط من الانكشاف على العملات الأجنبية في سوق السندات». وأضافت أن البنوك المركزية الأجنبية ليست ضمن المؤسسات المسموح لها بتداول المشتقات بموجب القواعد الجديدة. ومنذ عام تقريباً زاد الضغوطات على الصين لمعاملة المستثمرين الأجانب معاملة المحليين، من خلال تقليل الإجراءات الروتينية والسماح لهم بنفس الحقوق المالية الممنوحة للصينيين. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمحت الصين بالتداول المباشر لعملتها اليوان مع سبع عملات أجنبية. تأتي هذه التطورات بعد أن وضعت بكين قواعد على تحويلات العملة للخارج في بداية يناير (كانون الثاني) الماضي، ونفت وقتها أن تكون هذه القيود رأسمالية، رغم أن بعض البنوك أخطرت عملاءها بأن شراء العملة الأجنبية لأغراض اقتناء العقارات والأوراق المالية والتأمين على الحياة غير مسموح به. وكانت تدفقات رأس المال للخارج مصدر قلق متزايد للحكومة في السنة الماضية، في وقت تسعى فيه لإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح وإبقاء العملة مستقرة دون إنهاك احتياطيات النقد الأجنبي التي تراجعت إلى نحو 3 تريليونات دولار في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهو أدنى مستوى في ست سنوات. وسيتعين على البنوك وبقية المؤسسات المالية الأخرى في الصين - وفقاً لتلك القيود - الإبلاغ عن جميع المعاملات النقدية المحلية والخارجية التي تتجاوز قيمتها 50 ألف يوان (7201 دولارا) مقارنة مع 200 ألف يوان في السابق، اعتباراً من يوليو (تموز) المقبل. كما سيتعين على البنوك أيضاً الإبلاغ عن أي تحويلات إلى الخارج من أفراد بقيمة عشرة آلاف دولار فأكثر. كانت الحكومة الصينية قالت إن فحصها للمعاملات يستهدف غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتعاملات الاستثمار الوهمي المتجهة للخارج وليس الأنشطة التجارية الطبيعية والمشروعة. وحددت بكين هدفا العام الجاري يتمثل في تحقيق نمو يتراوح بين 6.5 و7 في المائة؛ لكن تحقيق هذا الهدف مع تفادي تراجع سريع العام المقبل يحتم عليها دعم النشاط بأي ثمن، ولا سيما في وجه طلب دولي ضعيف أدى إلى تراجع جديد في الصادرات الصينية بنسبة 10 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي. وتثير الديون العامة والخاصة التي تقارب 250 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي، مخاوف من أزمة مالية، غير أن بكين قد تتجنب تشديد سياستها النقدية، حرصا منها على الحفاظ على النشاط الاقتصادي، ولو أن ذلك سيبقي مخاطر المديونية الحالية قائمة. وأعرب صندوق النقد الدولي مؤخراً عن قلقه من تزايد الديون المؤسسية في الصين، وأوصى بعدة خطوات يمكن أن تتخذها بكين لعلاج المشكلة. وقال الصندوق في أعقاب المراجعة السنوية للاقتصاد الصيني إن «التجربة الدولية بما في ذلك تجربة الصين في التسعينات تشير إلى أن حل أي مشكلة ضخمة لديون الشركات يحتاج إلى منهج شامل.. من دون هذا فإن المبادرات الفردية مثل تحويل الديون إلى أوراق مالية قد تفشل». وبحسب الصندوق فإن الديون الداخلية للمؤسسات غير المالية في الصين وصل إلى 120 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لها عام 2015، ومن المتوقع ارتفاعها إلى 127 في المائة في العام الجاري. وعرض الصندوق استراتيجية تستهدف خفض الديون، قائلاً إنها ستحتاج إلى «قرارات صعبة من الناحية السياسية». تتضمن قائمة الإجراءات التي يقترحها صندوق النقد تشديد قيود الميزانية في الشركات المملوكة للدولة وإعادة هيكلة أو تصفية الشركات التي تعاني من تراكم الديون وتقاسم الخسائر بين الأطراف المعنية بما في ذلك الحكومة إذا لزم الأمر. وأوصى تقرير صندوق النقد، الذي يأتي في إطار ما يعرف باسم «مراجعة الفصل الخامس» للاقتصاد الصيني، بكين باستكمال الإجراءات المتعلقة بالمساعدة الاجتماعية الموجهة للعمال المسرحين والمبادرات الرامية إلى المساعدة في قيام شركات خاصة جديدة وديناميكية. وأشار إلى تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد الصيني إلى 6.9 في المائة في العام الماضي، مع توقع استمرار التراجع ليسجل 6.6 في المائة في العام الحالي بسبب تباطؤ الإنفاق الاستثماري الخاص وضعف الطلب الخارجي. كما يتوقع ارتفاع معدل التضخم خلال العام الحالي إلى 2 في المائة تقريباً. في الوقت نفسه قال التقرير إن هناك توافقا عريضا على أن هذه السياسات على مستوى الاقتصاد الكلي يجب أن تكون «موجهة إلى تقليل نقاط الضعف»، معترفا بأنها قد تودي إلى «تباطؤ وتيرة النمو على المدى القصير». وكان البنك المركزي الصيني قال إنه سيواصل توخي الحذر في السياسة النقدية وتوفير مناخ نقدي ومالي محايد وملائم، في محاولات لطمأنه الأسواق والشركات التي تتبادل سلع وخدمات مع بكين - ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
مشاركة :