مؤامرة كونية

  • 3/1/2017
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

تصوّر لو أن ما حدث قبل يومين في حفل توزيع جوائز الأوسكار، عندما تسلم الممثل والمخرج وورن بايتي المغلّف الخطأ، فتم الإعلان عن فيلم آخر غير الفائز فعلاً، حدث في نهاية مهرجان عربي. تصوّر ماذا كان يمكن أن يحدث؟. هناك ساد المنطق سريعاً. قام أحد منتجي فيلم «لا لا لاند»، الذي تم الإعلان عن فوزه خطأ، بالاعتذار بحرارة (ولو أن الخطأ ليس من عنده) وأعلن بصوته الفيلم الفائز «مونلايت»، وسارع بتهنئة الفيلم الفائز ومخرجه ومنتجيه بكل ود. بل عانق على المسرح المخرج وسط دهشة الجميع، ثم قبولهم ما حدث بتصفيق كبير ومناسب. تصوّر السيناريوهات المحتملة لمثل هذه الغلطة في نهاية مهرجان عربي أو مناسبة مماثلة (ولو أن المناسبات المماثلة للأوسكار أو للغولدن غلوب أو للسيزار الفرنسي غير موجودة حتى الآن). للمساعدة على تكوين الصورة الغالبة، أو الاحتمال الأعلى لرد الفعل، ها هي بعض السيناريوهات: * سيرفض المنتج أو المخرج الذي أعلن عن فوزه قبول النتيجة، ويعتبرها إهانة شخصية له، وقد يرفض النزول عن المسرح. * سيغادر المنصّة متجهاً لباب الخروج، وقد يلتفت وراءه ويرمي القائمين على الحفل ببعض القذائف النارية. * لن يسلّم أو يعانق الفائز ويتمنى له مزيداً من النجاح، بل سينظر إليه شذراً: «هل أنت أفضل مني؟». وللأمانة المطلقة، هناك احتمال واحد أو اثنين في المائة، أن يتصرف بكل روح رياضية فيبارك من فاز بها ويشاركه الفرحة. يعتمد ذلك على حسن نشأته وثقافته ومستوى روحه الرياضية. الغالب أيضاً أن من يمكن أن يقع له مثل هذا الوضع سينتقل للهجوم على المناسبة الاحتفالية ويصفها بكل نعوت عدم التنظيم، ويصف ما حدث بـ«المسخرة». بل قد يذهب البعض، من صحافيي الوسط الفني، للقول إنه هو «الفائز الحقيقي» أو «الفعلي»، مشككاً بلجنة التحكيم وبإدارة المهرجان ومستواها، وقد يذهب لوصف ما حدث بـ«المؤامرة». هل ترون الفرق الشاسع بيننا وبينهم؟ خطأ واحد لأول مرة في تاريخ حفل الأوسكار، أي منذ 89 دورة، لم يكن يجب أن يحدث، لكنه حدث. لم تنهر جدران المكان ولا علا صوت المحتجين، ولا هاجم الخاسر الرابح أو المؤسسة صاحبة الحفل، بل تصرّف الجميع بمنطق وبسرعة. ما إن وقع ما وقع، حتى تسلمتُ رسائل تصف ما حدث بأنه مؤامرة، مكيدة، خطّة لترويج الحفل (في لحظاته الأخيرة؟)… هذا هو تفكير بعضنا على الأقل. يا جماعة المسألة ليست هكذا على الإطلاق. المسألة هي أن الحياة ثقافة. والمهمّة التي لا بديل عنها هي أن نزوّد أولادنا بها. نجعلهم أقدر على التحكم بالمتوارث من العواطف الجاهزة. ما نراه في الدكاكين والشوارع وفي مصاعد الكهرباء وفي حياة كل يوم عندنا يشي بعكس ذلك. الفرد عندنا يتصرف ولو أن الأولوية حق متوارث. هو نفسه الأول عنوة عن الجميع. حين يقود السيارة وحين لا ينتظر دوره. حين يحكّم ذاته معتبراً الاعتراف بالخطأ نقيصة تصيبه بسوء لو اعترف بها ولو لنفسه. هذه السلوكيات التي تبدو عادية، هي مساوئ لا يمكن الدفاع عنها، ناتجة عن فقدان ثقافة الحياة والتعامل مع الذات ومع الذوات الأخرى بالمنطق.

مشاركة :