النسخة: الورقية - دولي بعدما تعددت النظريات حول «المقاومة» وبات الكل «يتبجح» بمقاومته «الخاصة» ويوصّفها كما يشاء، الى درجة تساوت فيها للأسف كل المقاومات، فتساوت مناصرة المقاومة الفلسطينية للعدو الاسرائيلي بمقاومة البعض دفاعاً عن تحالف الأقليات في المنطقة، وتساوت «مقاومة» اسرائيل حتى العام 2000، بالمقاومة الى جانب النظام السوري. وقد يتساوى، للأسف، اسقاط «اتفاق 17 أيار» بإسقاط يبرود واسقاط المعارضة السورية. وربما تتساوى في أذهان البعض، مقاومة النازية بمقاومة الثوار الفرنسيين لحكومة فيشي، أو مساواة مقاومة سلطان الاطرش وإبراهيم هنانو وصالح العلي للجيش الفرنسي، بمقاومة بشار الاسد لشعبه! وهنا تقتضي الاشارة الى بعض الملاحضات، خصوصاً بعد اصرار الجميع على اعتبار مقاومته هي المقاومة «الشرعية» و«الحقيقية» و»المقدسة»... وكل المقاومات الاخرى «باطلة». اياً تكن المقاومات، باطلة أم مقدسة، فإن المطلوب من قادتها بعض التواضع. فلا يحق لهم «استرهان» شعوبهم او بيئتهم لمشيئتهم مدى الحياة، و»تمنينهم» انه لولا بطولاتهم لسقطت السماء فوق رؤوس «رعاياهم». ومن الظلم مساواة «الشهداء» الذين يسقطون في معارك ضد العدو الاسرائيلي بالقتلى في معارك ضدّ الشريك الآخر او ضدّ الشعب الشقيق. البارحة، كنا نسمع اقسى مفردات «التخوين» والادانة لمن يساوي بين اسرائيل وسورية، او يساوي بين القصف «المعادي» والقصف «الاخوي»، او المساواة في الشكوى للأمم المتحدة بين الاعتداء الاسرائيلي والاعتداء السوري الشقيق. فهل المطلوب من الشعبين السوري واللبناني ان يقبلوا الأخذ بهذه النظرية، بأن مقاومة اسرائيل ومقاومة بيروت والقصير ويبرود واحدة، طالما «الشهادة» واحدة ؟ وهل يعني ذلك ان المئة الف صاروخ التي قدمتها ايران لقتال اسرائيل، هي متعددة الاستعمالات جنوباً وشمالاً؟! اذا كان لا يجوز المساواة بين الصديق والعدو، وهذا حتماً صحيح، فهل تجوز المساواة بين مقاومة اسرائيل ومقاومة الشعب السوري على قدم وساق، وبالسلاح نفسه؟ بطل فرنسا في القرن العشرين شارل ديغول، استجاب لمطالب التظاهرات الطلابية عام 1968، وتعهد، حتى قبل إجراء الاستفتاء، بالتنحي عن منصبه في حال لم توافق نسبة كبيرة من الفرنسيين على تطبيق اللامركزية في فرنسا. وفي نيسان (ابريل) 1969 تنحى. فهل من «ديغول لبناني» او بالأحرى «ديغول ايراني» يستجيب لمطالب أكثرية اللبنانيين بوضع صواريخه وسلاحه بأمرة الدولة اللبنانية وجيشها؟ التواضع عندنا ليس من شيم العظماء! وحده بطل تحرير جنوب افريقيا نيلسون مانديلا، وبعد نضال شاق على مدى أكثر من 50 عاماً، استقال عام 2007، وسلّم السلطة لخلفه طواعية. قائد تحرير جنوب لبنان عام 2000، السيد حسن نصرالله والذي تُوج بطلاً عربياً، بدأ بالتراجع بعد «غزوة» بيروت في 7 أيار(مايو) 2008، وبدأت المقاومة بالسقوط بعد نقلها البارودة من الجنوب، الى مقاتلة الثوار السوريين، دفاعاً عن نظام ديكتاتوري يقتل شعبه ويدمّر تاريخ بلده. الثورة الاسلامية الايرانية التي أسقطت الشاه وطرحت نفسها ثورة من أجل الدفاع عن المحرومين والمظلومين، بدأت بالسقوط يوم بطشت بالمعارضين داخل ايران، وتوجت سقوطها بالدفاع عن النظام السوري المجرم، عبر زج «فيلق القدس» و»حزب الله» في الأزمة السورية نصرة للنظام ضد شعبه. وهل ننسى شهيدة تظاهرات الانتخابات الايرانية عام 2009، الشابة ندا آغا سلطان التي قُتلت على أيدي شبيحة الباسيج؟ الشبيحة ذاتهم «يناضلون» اليوم في سورية. عضو لجنة الأمن في المجلس الإسلامي الايراني آية الله محمود نبويان قال في شباط (فبراير) الماضي: «يقول بعضهم إنهم يقدمون تضحيات من أجل سورية، بيد أن الحقيقة أن سورية هي التي تقدم تضحيات من أجلنا. ولذلك قمنا بجلب 150 ألف سوري إلى إيران وقدمنا لهم التدريب العسكري، وبالإضافة إلى ذلك، أرسلنا 50 ألف مقاتل من جناحنا العسكري اللبناني «حزب الله» للقتال بجانب هؤلاء المقاتلين». فهل من الممكن بعد هذا التصريح الواضح، الادعاء ان ايران لا تقاتل في سورية، فقط تدعم نظام الأسد بالمدربين، وان «حزب الله» دخل الى سورية للدفاع عن «المراقد» الدينية وعن أبناء الطائفة في القصير؟ وهل يستطيع أحد القول ان التدخل هو من أجل حماية لبنان من الارهاب وليس من أجل خدمة النظام السوري وايران؟ وهل من المنطق مساواة تورطه بتدخلات الغير؟ ومن سيصدق كلام نصرالله ان «الحرب التي يخوضها الحزب في سورية، هي حرب الدفاع عن النفس، لأن الحزب مُستَهدَف كسورية أيضاً»؟ وهل يمكننا عدم التوقف عند كلام آية الله محمد تقي مصباح اليزدي - الأب الروحي للمتشددين في ايران - أنه يجب على إيران السيطرة على سورية كي «تتخلص من الضرر الذي أصاب الإسلام من قبل الأمويين». ثم نتهم الغير بتسعير الحرب الاهلية في سورية وايقاظ الفتنة السنّية – الشيعية في المنطقة؟! «المقاومة» كانت «خيار» اللبنانيين او أكثريتهم الساحقة حتى التحرير عام 2000، ولكنها بعد العام 2008، اصبحت عبئاً ثقيلاً على كاهل اللبنانيين جميعاً وحتى على البيئة الحاضنة للمقاومة، فالسلاح خارج وجهته «الطبيعية» يتحوّل الى سلاح عشائر وزواريب. والمقاومة كانت موضع افتخار واعتزاز لأكثرية الشعبين العربي والاسلامي، لكن بعد العام 2012، والغرق في وحول الأزمة السورية، تحولت الى سلاح يغدر بالشعوب التي تحلم بالحرية والثورة على الظلم والقهر والاستبداد. الثورات التي تقوم على الاستبداد والطغيان سيقتلها استبدادها، عاجلاً أم آجلاُ، واستضعاف الشعب هو غباء وجبانة، وحتماً ليس حكمة. العنفوان شيء والاستكبار شيء آخر. والقداسة لا تعني التأله كما يعتقد البعض. كان كمال جنبلاط يقول: «من لا يؤمن بالإنسان، لا يستطيع تديناً ولا تقوى ولا ايماناً». النظام السوري البعثي لم يكن في يوم من الايام «المثال» للاقتداء به، ولا العنوان الوطني الذي يُحتذى به، انما كان عبر تاريخه «الاسود»، النموذج الحي للقهر والغدر والاستبداد والتعذيب والقتل، والدفاع عنه و»الاستشهاد» من أجله لا يشرّف احداً. و»المقاومة» في غير مكانها، لم تكن ولن تكون في يوم من الأيام «خياراً» على حساب الحرية والديموقرطية، ولن تكون «قدراً» يتحكّم بارادات الشعوب. فالانسان يخلق حراً ويموت حراً. والحرية مسار كل الشعوب المظلومة. ونعود دائماً الى كمال جنبلاط الذي قال: «لا يستطيع أحد أن ينطح صخرة التاريخ من دون أن تتساقط قرونه». صلاح أبو الحسن - لبنان
مشاركة :