مواطنون ممن أقصتهم ظروف المعيشة، ومقيمون ممن يمدون لحافهم على قدر أقدامهم يهرعون إلى محلات كُدست أمامها بضائع أوجعها الزمن، وأعياها الاستخدام لسنين، لتُعرض للبيع في خريف عمرها على الرصيف. وعلى الرغم من أن سوق الأثاث المستعمل في المملكة يعد سوقاً كبيراً ونامياً، إلا أن جميع الأسواق الصغيرة تذعن في نهاية المطاف لكبيرهم سوق حراج بن قاسم في الرياض، والذي يعد أكبر أسواق المستعمل في البلاد. وعلى الرغم من الريبة الكبيرة التي قد تشوب سوق المستعمل من حيث انتشار بيع المسروقات به بشكل واسع، إلا أن محلات بيع الأثاث المستعمل تجد إقبالاً كبيراً طيلة الموسم تحت وطأة حاجة الناس المستمرة إلى هذا النوع من الأثاث، خاصة في الأحياء التي يغلب على ساكنيها الفقر وقلة ذات اليد. عاطف، مصري يعمل في محل لبيع الأثاث المستعمل منذ 12 عاماً، يقول إنه حين بدأ العمل في ذلك المحل كان يعتقد أن عملاءه سيكونون من المقيمين، إلا أنه تفاجأ بأن نسبة لا تقل عن 50% ممن يشترون منه هم من السعوديين، وخاصة شريحة العزاب، وبعض العائلات الفقيرة. لكن عاطف غضب كثيراً عندما سألناه عن تداول المسروقات في محلات الأثاث المستخدم، مؤكداً أنه لم يرَ أو يشك يوماً في أثاث اشتراه بأنه مسروق، ولم يسمع يومل عن مثل هذه القصص مطلقاً. لكن جولة في تلك المحلات توحي بأنها تعاني من فوضى عارمة، وتعج بالعمالة المخالفة، والبضائع المجهولة المصدر، وتشمل محلات بيع الأثاث المستخدم أجهزة كهربائية مختلفة، إضافة إلى الأثاث بكافة أنواعه. وكانت الجهات المسؤولة قد حاولت سعودة هذا السوق منذ وقت مبكر حيث أصدر مجلس القوى العاملة الذي حُل قبل بضع سنوات قراراً يحصر نشاط البيع في محلات الأثاث المستعمل والمحلات الأخرى المشابهة إلى قائمة المحلات والأنشطة المقصور العمل فيها على السعوديين فقط، وذلك في إطار برنامج السعودة الذي كان يتبناه مجلس القوى العاملة وتنفذه العديد من القطاعات التنفيذية في الأجهزة الحكومية. وأعلن آنذاك أن البدء في تطبيق هذا القرار بتاريخ 12/11/1421ه بعد أن تم إعطاء مهلة قدرها ستة أشهر لأصحاب هذه المحلات لترتيب أوضاع مكفوليهم ليتم بعدها منع الأجانب من التواجد بتلك المحلات لغرض البيع. إلا أن القرار سرعان ما تلاشى بُعيد نقل مهام التوطين لوزارة العمل وحل مجلس القوى العاملة الذي كانت له بصمات كبيرة وناجحة في مسيرة التوطين في البلاد. وتحاول وزارة العمل حالياً إحياء مثل تلك القرارات من خلال رؤى لم تر النور بعد، فقد سعت وزارة العمل العام الماضي إلى تهيئة قطاع الأعمال مع بدء اللجان الأمنية مهام عملها في مراقبة نظامية العمالة الوافدة في إطار سعيها لتطبيق رؤية تشمل سعودة أسواق الذهب والخضار والأثاث المستعمل ومكاتب العقار والخدمات العامة والحج والعمرة وبعض المهن الأخرى، إلا أن أرض الواقع لم تشهد بعد شيئاً ملموساً.
مشاركة :