تونس - يطلق خبراء في مجال التعليم صيحات فزع من انتشار ظاهرة الانقطاع المدرسي في تونس وتداعياتها السلبية والخطيرة على المنظومة التربوية والاجتماعية والاقتصادية، وقد سارعت وزارة التربية والتعليم الى اعلان مشروع قانون ينص على تسليط غرامة مالية على كل ولي يمنع طفله من الالتحاق بالدراسة في محاولة منها لمعالجة وضعية هشة تعصف بمستقبل الجيل الجديد. ينص مشروع القانون المتعلق بالمبادئ الاساسية للتربية والتعليم، على ان "كل ولي يمتنع عن الحاق منظوره بمؤسسات التعليم عند حلول سن التمدرس او يسحبه منها دون سن السادسة عشرة يعرض نفسه الى خطية مالية من 200 الى 1000 دينار وتصبح الخطية 2000 دينار في صورة العود". وبحسب بيانات وزارة التعليم يفوق عدد تلاميذ المدارس الابتدائية في تونس المليون وعدد المدرسين فيها 65 ألفا. وعرفت منظومة التعليم في تونس عصرها الذّهبي طيلة السنوات التي تلت الاستقلال عن فرنسا، فكانت جسرا عبرت عليه أسماء تونسية بارزة في كافة مجالات الحياة. لكن سرعان ما أخذ مستوى التعليم منحى سلبيا، ولا سيما منذ تسعينيات القرن الماضي، ما جعل تونس تحتل المرتبة الـ84 عالميا والسابعة عربيا من حيث جودة التعليم، وفقا لمؤشرات البرنامج الدولي لتقييم التعليم لعام 2016. ولتدراك هذا الوضع، أطلقت وزارة التربية في 2015 حوارا حول الإصلاح التربوي، عبر تشكيل لجنة تضم وزارات، والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر هيئة نقابية في البلاد) إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني، بهدف تقديم مقترحات لإصلاح المنظومة التعليمية. وسيعرض مشروع القانون قريبا على مجلس وزاري حسب ما اكده مصدر مطلع بوزارة التربية التونسية. كما ينص مشروع القانون الجديد، على منع الطرد النهائي للتلميذ دون سن 16 عاما من جميع المؤسسات التربوية قبل تقديم تقرير مفصل ومبرر من قبل وزارة التربية. وتهدف الخطوة القانونية الجديدة الى منع التصدي لظاهرة الانقطاع المدرسي التي تجاوزت 100 الف حالة في السنة حسب الاحصائيات الاخيرة لوزارة التربية. وافاد مدير عام التخطيط ونظم المعلومات بوزارة التربية التونسية بوزيد النصيري انه لم يقع القطع مع ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة في تونس منذ الاستقلال وحتى اليوم. وأوضح النصيري خلال يوم دراسي انتظم حول "الفشل المدرسي والانقطاع المبكر عن الدراسة :الخيار والحل" أن هذه الظاهرة تسببت في تسجيل اكثر من 20 بالمائة من الاميين موزعين على محافظات سيدي بوزيد والقيروان وجندوبة والقصرين، مضيفا ان 2 ملايين من التونسيين المندمجين اليوم في سوق الشغل قد بلغوا مستوى التعليم الابتدائي. وافاد وزير التربية التونسي ناجي جلول ان ظاهرة الانقطاع المدرسي تعد مفزعة اليوم، ويتحمل تبعاتها المجتمع مبينا ان الوزارة تمكنت من ارجاع 12 الفا و700 منقطع يمثلون 60 بالمائة من النسبة الجملية للمنقطعين. وأكد جلول ان الانقطاع المدرسي يعد ضمن اهم اولويات الاصلاح التربوي الذي يرمى الى اعادة هيكلة المنظومة التربوية من خلال تأهيل الطفل نفسيا واجتماعيا ومهنيا للدخول الى معترك الحياة ليصبح ثورة وطنية. وتساهم "فزاعة" الفشل المدرسي في ارتفاع اعداد العاطلين عن العمل من الذين لا يمتلكون تحصيلا علميا عال وهو ما يصعب من عمليات إدماجهم في سوق الشغل. واعتبر بشير العواني أستاذ جامعي ومختص في التربية أن الانقطاع المبكر ظاهرة خطيرة تنخر المؤسسة التعليمية التونسية وتهدد السلم الاجتماعي. ورأى أن تجنبها يستوجب مراجعة المنظومة التربوية في مستوى طرق التقييم وطرق الانتداب وكل من يشرف على العملية التربوية. ويؤكد مشروع القانون الذي تم إعداده بالتشاور مع جميع الاطراف المتدخلة في قطاع التعليم، على الزامية ومجانية التعليم الاساسي، وان التربية والتعليم حق اساسي من حقوق الانسان وأولوية وطنية مطلقة فهو يضمن بناء الذات ويساهم في التنمية الانسانية الشاملة والمستدامة ويؤسس للنظام الديمقراطي. ويشير المشروع، الى ان التعليم العمومي مجاني في جميع مراحله وواجب يقع على عاتق الدولة التي تضمن بدورها الحق في التربية والتعليم الجيد للجميع على قاعدتي المساواة في الفرص والانصاف والالتزام بتوفير الموارد اللازمة لتحقيق ذلك، فضلا على تكفلها بإعانة التلاميذ الذين ينتمون الى اسر محدودة الدخل. وينص مشروع القانون الجديد في تونس على وجوب احترام منظومة التربية والتعليم. ويمر التعليم في تونس بفترة حرجة في ظل تكرر الاعتداءات اللفظية والجسدية على المدرسين والاستاذة من قبل التلاميذ، وفي خضم الصراع بين نقابات التعليم ووزارة التربية. ويبدو مصير الاصلاح التربوي غامضا وضبابيا في ظل تواصل الخلافات والازمات بين نقابات التعليم ووزير التربية التونسي ناجي جلول. واستفحلت في صفوف العائلات التونسية حالة من الإحباط والتشنج والتوجس من مستقبل أبنائهم الذي بدا بين فكي خلاف وزارة التربية ونقابات التعليم. ويقول المراقبون إن الزج بنظام التعليم في حالة الاحتقان هو مؤشر خطير على أن الأزمة التي تعيشها البلاد عصفت بأهم قطاع كثيرا ما راهن عليه التونسيون في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. ويضيف مراقبون أن إضرابات المعلمين التي تطفو على السطح بين حين واخر والناجم عن خلافهم مع وزارة التربية لن يقود إلا إلى تمزيق منظومة التعليم وتجريدها من مصداقيتها ومصداقية الشهادات العلمية الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار أداء نظام التعليم في تونس. وخلال أكثر من نصف قرن مثل التعليم الطريق للارتقاء الاجتماعي خاصة بالنسبة للفئات الهشة والفقيرة التي تستثمر كل ما في وسعها من أجل تأمين مستقبل أفضل لأبنائها. وقاد رهان تونس على التعليم تحسين أوضاع تلك الفئات حيث تفيد دراسات أن أكثر من 50 بالمائة من المحامين والقضاة والأطباء والصيادلة والأساتذة وكوادر الإدارة ينحدرون من فئات اجتماعية متواضعة. وتواجه المدرسة التونسية اليوم العديد من التحديات لعل أبرزها تراجع قيمتها في المجتمع مقارنة بما كانت تتمتع بها في الماضي من هيبة وقدسية وتسبب ذلك في تراجع المستوى الثقافي للمتعلم وزيادة نسبة الرسوب والانقطاع. هذا بالإضافة إلى تذبذب وكثرة الإصلاحات التربوية المسقطة رغم قصر الفترة الزمنية الفاصلة بينها وسلبية الطرق البيداغوجية المتبعة والأنظمة التأديبية وفقا لخبراء. والتدني الراهن في مستوى التعليم العام (الممول من قبل الحكومة) يرجعه صدق الجديدي، الخبير الدولي في إصلاح وبناء المنظومة التربوية، إلى "سياسات خاطئة متبعة منذ عقود، وعدم وجود سياسة وطنية تربوية". ويرجع مختصون في الشأن التربوي أسباب الفشل المدرسي إلى تراجع المستوى الدراسي للمتعلمين الذي أصبح عملية مقعدة ومركبة. ويوجه الخبير التونسي أصابع الاتهام أيضا إلى "الانتدابات (تعيينات) عشوائية في صفوف المدرسين، وتدهور البنية التحتيّة والموارد البشريّة في المؤسسات التعليمية العامة".
مشاركة :