«نساء خشبيات» للحجي .. توظيف الجانب الأسطوري في القص

  • 3/3/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

صدرت حديثا مجموعة قصصية بعنوان «نساء خشبيات» بطبعتها الأولى للكاتب والاعلامي هاني الحجي، حيث تنقسم المجموعة إلى قسمين، الأول عبارة عن مجموعة من (النصوص القصصية القصيرة) وهو القسم الأكبر الذي يحتل - تقريبا - ثلاثة أرباع صفحات هذه المجموعة، فيما القسم الثاني عبارة عن مجموعة من (القصص القصيرة جدا) المعتمدة في بنيتها على اللغة المختصرة جدا، وفي فنيتها ومعالجتها على تكثيف الرؤية وتقليصها الى حد كبير، بما يشبه (الإيجاز) القائم على التعبير عن معان كثيرة بألفاظ قليلة جدا.. وسأتجاوز الحديث هنا عن (القسم الثاني) لأنه واضح، ولا أظن القارئ سيواجه اشكالا في فهمه واستيعابه، وسأركز الحديث على (بناء الشخصيات) في (القسم الأول). والمقصود بهذا الجانب هو تشكل الشخوص في هذه النصوص، وظهورها بهيئات وأشكال وصور غريبة، مخالفة للسائد والمألوف، ويزيد أمرها غرابة أن الكاتب يعالج مثل هذه الشخصيات (البوهيمية) ويتعامل معها وكأنها واقع بالفعل، مع علمه وايمانه مسبقا - وفي الوقت ذاته - بأنها ليست كذلك، وقد لا تمت للواقع المعاش، وللحقيقة المجردة بصلة. فمثلا، في النص الذي عنونه الكاتب بـ (جواز أم فلان) يرسم لنا شخصية رجل ما يتخيل أنه يتحول الى (جواز سفر) تمتلكه سيدة باهرة الجمال، تقلبه بين يديها الناعمتين، وتتصفح أوراقه بنظراتها الحانية، وتحتفظ به ضمن مقتنياتها الخاصة بها، لتسافر به من دولة الى أخرى وتعبر به فيما بين الحدود، ليزور معها أجمل بلدان العالم: (أخيرا تعرفت على من تمتلكني، انها انثى تمنيت أن اكون بين أحضانها، وتتصفح أوراقي بنظرتها الحانية، لكنها كانت غارقة في مداعبات مع «أبي فلان». عندما وصلنا الى الفندق سلمني أبو أحمد مع شقيقي لاستقبال الفندق ووضعونا في صندوق يحرس أمانيهم ولتطمئن قلوبهم بعد أن قصفنا طول الانتظار. نزل من الفندق وأخذني مع شقيقي «جواز أبي فلان» ليضعنا في جيبه. لم أنعم طوال هذا الوقت بلمسة، أو نظرة حانية منها. لم تتعطف علي بلهفة. الشوق يحرقني لأن ارتمي بين زهور كفيها لأحلق معها كفراشة بين بساتين العالم). المجموعة: ص29. وهكذا نجد أن معظم الشخصيات في المجموعة، وفي مواضع كثيرة منها يكتنفها ويساهم في تكوينها مثل هذا التشكل البوهيمي، المخالف في هيئته وطبيعته وسلوكه لما هو واقعي ومألوف ومتعارف عليه، وما هو خارق للعادة، وخارج عنها. ومثل ذلك ممكن أن يتمثل للقارئ بسهولة في النصوص الأخرى التي ضمتها المجموعة، كنص (سائق سيارة الموتى) ونص (استنساخ الأنوف) وغيرها. ونصوص المجموعة تدور أغلب أحداثها في الأحياء الشعبية القديمة لمدينة الرياض، والتي لا تزال تحتفظ بحياتها التقليدية، وببعض مظاهرها الاجتماعية القديمة. ونحن نعرف أن الأساطير والخرافات تنمو وتزدهر في البيئات المحافظة، والأماكن القديمة، وتتلاشى في المدن، والبيئات المتحضرة والمتطورة. وأعتقد أن (الحجي) قد استثمر هذا الجانب الاسطوري في مجموعته هذه استثمارا فنيا رائعا، لكونه ينبع من بيئة تقليدية قديمة، تلعب الأسطورة والخرافة والحكاية دورا واضحا في موروثها الحضاري والثقافي والمعرفي.

مشاركة :