سلوا الله العفو والعافية عبارة كررها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن متعددة في إشارة إلى فضلها وحث الأمة على مناجاة الله. ففي العام الأول من الهجرة وفي بداية قيام الأمة المسلمة الموحدة يصعد النبي المنبر ليقول لأصحابه: (سلوا الله العفو والعافية؛ فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية) قال الزمخشري: «العفو أن يعفو عن الذنوب، والعافية أن يسلم من الأسقام والبلايا، والمعافاة أن يعفو الرجل عن الناس ويعفوا عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص، وهي مفاعلة من العفو، وقيل هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك». لقد كان النبي صلى الله عليه حريصا على ترسيخ هذا الدعاء بين أصحابه، فحين يجتمع بهم وهم يدعون ربهم، كل بما فتح الله به عليه، ليقول لهم صلى الله عليه وسلم: (ما من دعوة يدعو بها العبد أفضل من: اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا والآخرة) وأثناء جلوسهم في المسجد وهم ينتظرون الصلاة بين قائم وذاكر وتال للقرآن وداع يحث النبي أصحابه على استثمار هذا الوقت بالدعاء فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة) وهنا ينبري أصحابه سائلين: ماذا نقول يا رسول الله؟ فيجيبهم صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة). ويتقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائل بين جمع من أصحابه قائلا: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ فيجيبه النبي معلما الأمة في شخصه: (سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة). لكن الصحابي أراد الزيادة على ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه في اليوم الثاني قائلا: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثم أتاه في اليوم الثالث، فقال له مثل ذلك، قال: (فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة، فقد أفلحت) إذ للعافية شأن خطير، وتكرار النبي صلى الله عليه وسلم للأمر في مناسبات متباينة يدل على فضل اللوذ بالدعاء بها وأهمية تكرارها. بل لو أمعنا النظر قليلا لوجدنا الدعاء ينتقل من مجرد الطلب العارض إلى منهج يريده النبي صلى الله عليه وسلم ملازمة المسلم له طيلة يومه. فحين يصبح العيد وحين يمسي يأمره النبي بذلك فيقول: (إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره). وطوال يومه يحثه النبي صلى الله عليه وسلم على قوله: (اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت). وحين يسلم بدنه للنوم يتعين عليه أن يجعل آخر عهده باليقظة سؤال الله العافية، فيقول عند نومه: (اللهم أنت خلقت نفسي، وأنت توفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية) إن النبي يعلمنا أن السير في طريق السلامة أسلم للمرء ولدينه، لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرف أنظار أصحابه رضي الله عنهم إلى هذه المعاني، فيروى أن سمع رجلا يقول: اللهم إني أسألك الصبر. فقال: لقد سألت البلاء، فاسأله العافية». ويمكن معرفة العافية التي من الله بها عليك بمعرفة أضدادها كما يقول إبراهيم بن أدهم: «إذا أردت أن تعرف الشيء بفضله فاقلبه بضده، فإذا أنت عرفت فضل ما أوتيت، فاقلب العافية بالبلاء تعرف فضل العافية». وحين سئل سفيان الثوري: أيهما أحب إليك، قول مطرف بن عبدالله: لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر. أم قول جرير: رضيت بما رضيه الله لي؟ فأطرق ساعة ثم قال: قول مطرف أحب إلي؛ إني تدبرت القرآن فوجدت الله بعد أن أنعم على سليمان قال: «نعم العبد إنه أواب». وقال عن أيوب وقد ابتلي «نعم العبد إنه أواب». فاستوى الأثران فحلت العافية محل البلاء فكانت أفضل. وأعظم العافية وأفضلها: العافية في الدين، فكم من مسلم صح بدنه وماله وربما عقله وفسد دينه، وليس بعد فساد الدين شيء، ومن العافية: القناعة بما كتبه الله لك أو عليك.;
مشاركة :