رغم شكوك موسكو حول ما وصفته بعدم جدية «الهيئة العليا التفاوضية» للتوصل إلى نتائج إيجابية، جاءت الدعوة إلى جولة جديدة من مؤتمر آستانة في 14 مارس (آذار) الحالي، في محاولة من روسيا لتثبيت موقعها في الأزمة السورية، وبالتالي حفظ مصالحها وفق ما ترى المعارضة، في ظل استمرار غموض خطة واشنطن في سوريا، وهو الأمر الذي قد يحول دون حسم كل المفاوضات أو محاولات التوصل إلى حل قبل إعلان عن «كلمة السر» الأميركية. وجاء الإعلان عن موعد جديد لمفاوضات آستانة، بعدما كان المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا قد اقترح على الجانب الروسي ووفد النظام السوري بحث مسألة «محاربة اﻹرهاب»، التي يصران عليها، في آستانة ومناقشة الانتقال السياسي في جنيف، ليعلن بعد ذلك، رئيس وفد الهيئة العليا التفاوضية نصر الحريري، أن دي ميستورا أبلغهم قبول النظام مناقشة الانتقال السياسي بضغط روسي. وفي وقت لم تصدر عن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أي مؤشرات تكشف مدى التزامها في الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تسوية الأزمة السورية رغم وجود مبعوثين أميركيين في مفاوضات جنيف، رجّح لواء أميركي متقاعد إمكانية مشاركة ممثلين عن بلاده في المفاوضات في العاصمة الكازاخية. ولم يستبعد اللواء المتقاعد بول فاليلي في حديث لوكالة «إنترفاكس» أمس، مشاركة المستشار الجديد للرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي هربرت مكماستر أو أحد ممثلي وزير الخارجية ريكس تيلرسون، في مفاوضات العاصمة الكازاخية. وقال: «نعم، أعتقد أن ممثلين أميركيين سيصلون إلى آستانة. ربما سيصل أحد من البيت الأبيض، وربما المستشار الجديد للأمن القومي الجنرال مكماستر». ويرى هشام مروة، المستشار القانوني في وفد المعارضة إلى آستانة، أن تحديد موعد جديد للمفاوضات بعد فشل آستانة 2، هو محاولة روسية مكرّرة لصرف الأنظار عن «الانتقال السياسي» بعد تحقيق خرق في مفاوضات جنيف من خلال قبول النظام ببحث هذا الأمر بعدما كان يحاول فرض بند «الإرهاب»، في حين يعتبر المعارض والخبير في الجماعات المتطرف، عبد الرحمن الحاج، أن الدعوة إلى آستانة، هدفه الحفاظ على الدور الروسي وإبقاء موسكو لاعباً رئيسياً في المفاوضات بين النظام والمعارضة. ويستبعد عبد الرحمن الحاج، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التوصل إلى أي نتيجة إيجابية أو نهاية في هذه المرحلة خلال مفاوضات جنيف أو «آستانة» قبل اتضاح خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وبذل جهود كبيرة من قبل روسيا للوفاء بوعودها لجهة ضمانة وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي لم يتحقق لغاية الآن، كما أنّها وبدل أن تبحث في «الورقة» التي تقدمت بها الفصائل في الجولة الأولى لناحية تثبيت آلية وقف إطلاق النار، عمدت إلى الالتفات على هذا الأمر عبر تقديم ورقة جديدة ومحاولة فرض البحث بالدستور. ويقول مروة لـ«الشرق الأوسط»: «موسكو لا تريد للمفاوضات أن تأخذ منحى جدياً قبل أن تتضح صورة الخطة الأميركية، موضحاً: «في وقت قالت إنها نجحت في إخضاع النظام لشروطها وإعلانه قبول بحث الانتقال السياسي، عمدت في المقابل إلى إعادة أحياء آستانة، وهو ما يؤكد أنها محاولات روسية للتسهيل من جهة والعرقلة من جهة أخرى، لتضييع الوقت رغم أنها طرف أساسي في اتفاق وقف إطلاق النار الذي لم تنجح في تثبيته لغاية الآن». من هنا يرى مروة أن بقاء الملف السوري على ما هو عليه من دون أي تقدم هو لمصلحة مختلف الأطراف بانتظار «الضوء الأخضر» الأميركي. ورغم إعلان كل من موسكو ودي ميستورا عن موعد جديد لمفاوضات آستانة في 14 مارس الحالي، لم تتلق المعارضة لغاية الآن دعوة رسمية لحضورها أو جدول أعمالها. وهنا يعتبر مروة أن مشاركة الفصائل ستأتي من باب «الحق الكاذب» في ظل استبعاد إمكانية التوصل إلى نتيجة، وخير دليل على ذلك ما حصل في الجولة الماضية، وكذلك سحب أي حجة أمام النظام وروسيا للقول إن المعارضة ترفض التفاوض. وكانت قد عُقدت في آستانة جولتان من المفاوضات، اﻷولى في 23 و24 يناير (كانون الثاني) الماضي، بقيادة تركيا وروسيا، ومشاركة إيران والولايات المتحدة والنظام السوري وممثلي الفصائل المعارضة لبحث التدابير اللازمة لترسيخ وقف إطلاق النار. وجرت الجولة الثانية في 15 و16 فبراير (شباط) الماضي، وقالت الدول الضامنة: «إنه نتج عنها تحديد آليات لمراقبة وقف إطلاق النار ومحاسبة مرتكبي الخروقات، إلا أن روسيا والنظام السوري واصلا القصف والهجمات».
مشاركة :