اكتظاظ مؤسسات رعاية المسنين في تونس يفضح جحود الأبناء بقلم: سماح بن عبادة

  • 3/3/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

اكتظاظ مؤسسات رعاية المسنين في تونس يفضح جحود الأبناءيجابه كبار السن العديد من المشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية والعائلية، ويجد الكثير منهم أنفسهم على هامش الاهتمامات في الأسرة لأسباب متعددة. وقد تبلغ قلة الاهتمام بهم درجة التجاهل وأحيانا التخلي عنهم من قبل الأبناء، الأمر الذي يجعل مؤسسات رعاية المسنين في تونس اليوم تعج بهم جراء فقدانهم للسند العائلي وللمسكن وللرعاية اللازمة.العرب سماح بن عبادة [نُشر في 2017/03/03، العدد: 10560، ص(21)]بعضهم لا يركن للعجز والضعف رغم قسوة الإهمال تونس – تكشف الإحصاءات الرسمية أن نسبة المسنين في تونس تشهد ارتفاعا مطردا خلال السنوات الأخيرة. وتؤكد أن المجتمع التونسي يسير تدريجيا نحو التهرم السكاني. ويعد المسنون من أكثر الفئات الاجتماعية هشاشة بسبب الشيخوخة وما ينجر عنها من متاعب نفسية وصحية. كما تشير الدراسات الاجتماعية إلى أن أوضاع هذه الفئة تستدعي المزيد من الجهود لتتمتع بالرعاية اللازمة سواء من قبل الأسرة أو الدولة. ويعيش أغلب كبار السن في تونس في كنف أسرهم أو في منازلهم. ويحاول الأبناء والأحفاد الاعتناء بهم لأنهم يصبحون مع التقدم في العمر وضعف أجسادهم عاجزين عن القيام بذلك بالاعتماد على النفس. لكن الكثير من المسنين وخاصة بعد فقدان الشريك يزداد شعورهم بالوحدة وتزداد حاجتهم إلى الإحاطة النفسية إلى جانب متطلباتهم اليومية والصحية. ما يجعلهم يمثلون عبئا على الأبناء خاصة في حال لم يتقبل وجودهم في البيت الصهر أو زوجة الابن. وفي هذه الحالة نجد نوعين من السلوكيات التي تنم عن مدى تعلق الأبناء بوالديهم وتقدم الدليل على تماسك الروابط الأسرية من عدمه. هنالك من الأبناء من يتمسك بوجود والديه في حياته ويفرض وجودهما أو وجود أحدهما على أسرته وشريكه، ويتحمل مسؤولياته تجاه من ربياه صغيرا، ويؤدي واجباته نحوهما حتى لو تسبب له ذلك في مشكلات مع الشريك أو في ضغوط مادية ونفسية. هذا النوع من الأبناء لا يقبل التخلي عن والديه ولا يبحث عن التعلات التي يعلق عليها إهماله لهما، ويعتبرهما أولوية في حياته ويسعى لكسب رضائهما بشتى السبل. ونجد في المقابل أبناء يتذرعون بالعديد من الأسباب لتبرير تقصيرهم مع آبائهم خاصة إذا كان كلا الزوجين يعملان ولا يجدان من يرافق المسن في البيت. كما نجد من الأبناء من يسوق أسبابا مادية من بينها أن الرعاية الصحية والنفسية للأب أو الأم مكلفة خاصة إذا كانا مصابين بأمراض تتطلب مصاريف للعلاج والتداوي. ويؤكدون أن إمكانياتهم المادية لا تسمح لهم بالاهتمام بالمسن ولا بتوفير مستلزمات حياته ومصاريفه في ظل غلاء المعيشة وكثرة مصاريف الأبناء والبيت. ويبرر الأبناء من الفئة الثانية إهمالهم أو تخليهم عن والديهم لتبرئة أنفسهم من الانتقادات واللوم الذي يلقونه من المحيطين بهم، حين يعيبون عليهم هذا السلوك ويدينونه. الإسقاطات الإحصائية السكانية تنبئ بأن نمو هذه النسبة سيتواصل في السنوات القادمة لتبلغ شريحة المسنين 17.7 بالمئة عام 2029 ويجد المسن نفسه في الكثير من الحالات متروكا لمواجهة مصيره في الشيخوخة وحده؛ فإما أن يُترك وحيدا في منزله فيعاني من عجزه عن الاعتماد على نفسه للقيام بشؤونه اليومية من طبخ وتنظيف وغيرها وإما يستبعد من الأسرة دون الاكتراث للطريقة التي يعيش بها. وكثيرا ما تنشر وسائل الإعلام التونسية أخبارا عن وفاة امرأة عجوز أو شيخ في بيته الذي يقيم به وحده ليتفطن إليه أحد الجيران بعد مرور أيام على موته. وهي حوادث تكررت كثيرا في السنوات الأخيرة واهتز على وقعها الرأي العام مستنكرا حالة الإهمال المشينة التي بلغها كبار السن في البلاد. ما ينبئ بانهيار قيمي وأخلاقي وبسيطرة الفردانية والأنانية المفرطة على أفراد الأسرة والمجتمع بأسره. وغالبا ما يكون ذلك على حساب قيم مثل بر الوالدين والتضامن والتماسك بين أفراد الأسرة الموسعة وفي المحيط المجتمعي. وفي حالات أخرى أكثر سوءا أصبحنا نلاحظ تزايد أعداد المسنين المشردين في الشوارع وخاصة في المدن الكبرى مثل العاصمة. وهؤلاء يعدون الأقل حظا بين كبار السن حيث تنكرت لهم عائلاتهم وأحيانا أبناؤهم وكذلك المجتمع. والكثير منهم لا يسعفه الحظ في إيجاد مكان في مؤسسات رعاية المسنين الحكومية أو في الجمعيات المدنية التي تقوم بنفس الدور، فيكون مآلهم التشرد في الشوارع ما يزيد معاناتهم من قسوة الحياة. ويصل نكران الجميل ببعض الأبناء إلى وضع أحد الأبوين في مؤسسة حكومية أو جمعية توفر له جانبا من حاجياته معلنا استقالته من واجباته ومسؤولياته تجاه من أنجبه وأنفق حياته في تربيته والاعتناء به. وتقيم مؤسسات رعاية المسنين في تونس الدليل على ذلك بما أنها أصبحت تعج بالمقيمين فيها بسبب تخلي أسرهم وأقاربهم عنهم. وأعلنت وزارة المرأة والأسرة والطفولة المعنية بشؤون المسنين في تونس، أثناء الاحتفال باليوم العالمي للمسنين في 01 أكتوبر 2016، أنها كونت لجنة وطنية تسهر على مراجعة القوانين والنصوص التشريعية المتعلقة بالمسنين، وبالأساس قانون حماية المسنين الصادر في أكتوبر 1994 والنصوص الترتيبية المنظمة له والتي تضبط حقوق المسن الأساسية داخل الأسرة والمجتمع. وتوفر مراكز رعاية المسنين الحكومية، والتي بلغ عددها إلى حدود العام الماضي 12 مركزا بطاقة استيعاب قدرها 720 سريرا، الرعاية الاجتماعية والمتابعة الصحية لحوالي 616 مسنا ومسنة تسهر على خدمتهم إطارات طبية وشبه طبية وإداريون وأخصائيون اجتماعيون وأعوان إحاطة حياتية. وزارة المرأة والأسرة والطفولة كونت لجنة وطنية تسهر على مراجعة القوانين والنصوص التشريعية المتعلقة بالمسنين وكشفت العديد من الريبورتاجات التلفزيونية والتقارير الصحافية التي قامت بزيارات محلية لمراكز رعاية المسنين في الجمهورية التونسية أن العديد من هذه المؤسسات تعاني من تدهور في البنية التحتية ونقص في الموارد المادية والبشرية وفي المنشآت الصحية والترفيهية التي من شأنها أن تؤثر على حسن أداء مهامها وتحد من جودة الخدمات التي يحظى بها المسنون المقيمون فيها. ولفتت العديد من التحقيقات الصحافية الانتباه إلى الاكتظاظ في مراكز ودور رعاية المسنين ومن بينها دار المسنين بولاية منوبة قرب العاصمة، وأشارت إلى تزايد مطالب الإقامة فيها من قبل المسنين أو عائلاتهم. وتشير إحصائيات الوزارة إلى أن تونس تشهد نقلة ديمغرافية إذ ارتفعت نسبة البالغين من العمر 60 سنة فما فوق إلى 11 بالمئة من مجموع السكان في العام 2014 مقابل 8.3 بالمئة عام 1994. وتنبئ الإسقاطات الإحصائية السكانية بأن نمو هذه النسبة سيتواصل في السنوات القادمة لتبلغ شريحة المسنين 17.7 بالمئة عام 2029. هذه النسب المتزايدة للمسنين مقترنة بالصعوبات المادية والاقتصادية التي باتت تثقل كاهل الأسرة التونسية، إلى جانب ما طغى على المجتمع من ظواهر اجتماعية أثرت على الأسرة التونسية من حيث تماسكها مثل التفكك الأسري وبرود العلاقات الأسرية ومظاهر العقوق للأبوين والإهمال المتزايد لكبار السن ووضعهم على هامش الاهتمامات، كل هذه العوامل تطرح العديد من نقاط الاستفهام حول مستقبل كبار السن داخل الأسرة التونسية في ظل التغييرات الثقافية المستمرة في المجتمع الذي بات الفرد فيه ينزع نحو التنصل من مسؤولياته الأسرية ونحو الاستقلالية والتركيز على حب الذات.

مشاركة :