مختصون في علم الاجتماع أن أغلب صعوبات الاندماج في الحياة الاجتماعية التي يواجهها الأطفال ذوو الإعاقة البدنية والذهنية تنبع من الأسرة. فالأبوان هما أكثر من يتعامل مع الطفل المعاق. وهما من يعلمانه الثقة في النفس وقبول وضعه. وهذه الأحاسيس إن ترسخت في إدراك الطفل تجعله ينسجم مع ذاته ومع أفراد أسرته ومع جل المحيطين به، وبالتالي لا ينزع نحو العزلة ويكتسب الاستعداد النفسي والإدراكي الذي يسهل عليه الاندماج مع الأقارب ومع المحيط المدرسي ثم مع باقي أفراد المجتمع. ويلفت علماء الاجتماع دوما انتباه الآباء إلى أن شعورهم بالنقص مقارنة بغيرهم من الآباء الذين لديهم أبناء أصحاء أو إحساس بعضهم بالخجل من الابن ذي الحاجة الخصوصية، إلى جانب خوفهم من نظرة المجتمع الدونية لابنهم المعاق، قد تدفعهم إلى إخفائه عن الأنظار وعزله عن محيطه العائلي والاجتماعي فيزداد وضعه النفسي سوءا ويؤثر ذلك على استجابته للعلاج وعلى نموه وخاصة على حالته النفسية. تقول منى عياد لـ”العرب” وهي أم لابنة تحمل إعاقة عضوية على مستوى القدمين إنها مرت بأزمة نفسية بعد أن أعلمها الأطباء أن ابنتها تعاني من إعاقة. وتضيف أن السبب في ذلك زواجها من قريب لها، الأمر الذي جعلها تشعر بالذنب في حق ابنتها، مؤكدة أنها عانت من حالة اكتئاب بعد الولادة جعلتها تهمل نفسها وبيتها وابنتها الكبرى والمولودة الجديدة. وبفضل مساعدة أفراد عائلتها تمكنت من تجاوز المحنة. وتشير الأم إلى أن خوفها على مستقبل ابنتها وقلقها على حالتها الصحية أكثر ما يؤرقها اليوم، رغم أن ابنتها تبلغ من العمر ستة عشر عاما وقد تمكنت من دخول المدرسة والنجاح في دراستها، إلا أنها تعاني من نظرة زملائها في المعهد وباقي أفراد المجتمع بسبب إعاقتها. وتؤكد منى أنها منذ الأشهر الأولى بعد الولادة باشرت معالجة ابنتها في مستشفى حكومي مختص بالعاصمة.خوف الوالدين من نظرة المجتمع الدونية لابنهما المعاق قد يدفعهما إلى إخفائه عن الأنظار وعزله عن محيطه وأضافت منى “هناك رأيت حالات لأطفال معاقين أكثر تعقيدا من حالة ابنتي، ما هوّن عليّ الأمر، ورغم اكتظاظ مستشفيات الأطفال بهذه الحالات إلا أن أغلب الأمهات والآباء يتشبثون بالأمل ويبذلون ما بوسعهم للحصول على حلول طبية تساعد أبناءهم وتسهل عليهم حياتهم. ولكن هناك بعض الأسر التي لأسباب مادية ونفسية قد تتخلى عن الابن المعاق وتصاب باليأس من شفائه فتهمله وتقصر في حقه”. وتؤكد منى أنها خلال تبادلها لأطراف الحديث مع أمهات مثلها في المستشفيات صدمت بالكثير من الحكايات الواقعية، مشيرة إلى أن هناك من الأمهات من تخلى عنها الزوج لأنه لم يتقبل أن تنجب له طفلا معاقا. ومنهن من تقول أنها قررت ألا تنجب مجددا خوفا من أن يكون الابن الثاني حاملا لإعاقة أو أنها تفضل أن تكرس حياتها للاهتمام بالابن المعاق. كما لاحظت أن هناك من الآباء والأمهات من يوصلهم اليأس أو الفقر إلى عدم مواصلة علاج الابن الذي يحمل إعاقة عضوية أو ذهنية عميقة مثل الشلل فيكتفون بحبسه بين جدران البيت خجلا، ويتخلون عن دورهم في تحسين وضعيته والتخفيف من العجز الذي أحدثته الإعاقة لديه. واستغرقت متابعة منى لحالة ابنتها الصحية سنوات طويلة بين زيارة المستشفيات والإقامة بها لإجراء العمليات الجراحية التي تستدعيها حالتها. وتؤكد أن هذه الفترة جعلتها تتعرف عن كثب على معاناة العديد من الأسر التونسية التي تضم ابنا معاقا. وهو ما أثبتته العديد من الدراسات الاجتماعية حول الأطفال الحاملين للإعاقة وأسرهم، فالعائلات المتواضعة ماديا والتي يتطلب علاج ابن من أبنائها الكثير من الإمكانيات المادية سواء للعلاج أو للمتابعة النفسية هي العائلات الأكثر معاناة بسبب الإعاقة. وتلفت العديد من التقارير إلى أن الظروف المادية الصعبة إلى جانب نقص الوعي والمشكلات النفسية التي يقع ضحيتها الآباء وما يلقاه الطفل المعاق وعائلته من تمييز اجتماعي جميعها عوامل قد تتسبب في انهيار الأسرة إما بالطلاق أو بتخلي أحد الزوجين عن مسؤولياته العائلية أو بضياع الأبناء. وفي الكثير من الحالات يشتكي الطفل المعاق من قصور في الرعاية الصحية والإحاطة النفسية وأحيانا يتم تجاهله أو إهماله. كما أظهرت العديد من البحوث أن زواج الأقارب في تونس يعدّ من بين أبرز الأسباب في إنجاب أطفال معاقين.
مشاركة :