أبعد من «الفيتو» الروسي - الصيني - مقالات

  • 3/4/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في مثل هذا الشهر قبل ست سنوات، قال الشعب السوري كلمته. انتفض على نظام اقلّوي أراد استعباده الى ما لا نهاية. كان انتقام النظام من الشعب، ولا يزال، فظيعاً. لم يعد سراً ان ما تشهده سورية هو المأساة العالمية الأكبر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.قرّر النظام، بدعم إيراني وروسي، كشفه موقف موسكو الأخير في مجلس الامن، ان المطلوب الانتهاء من الشعب السوري ومن سورية نفسها. هل يتمكّن الأطراف الثلاثة من ذلك؟ الثابت انّها ستفشل في الانتهاء من الشعب السوري. لا يستطيع نظام القضاء على شعب، ايّا تكن الوسائل التي يلجأ اليها، بما في ذلك السلاح الكيميائي، وايّا تكن القوى الخارجية التي يستعين بها. لن تتمكن الاطراف الثلاثة من القضاء على الشعب السوري، حتّى لو كان «الفيتو» الروسي الأخير في مجلس الامن، وهو السابع منذ العام 2011 يعني تشريع استخدام السلاح الكيميائي في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري.رغم ان هذا «الفيتو»، الذي كان روسيا ـ صينيا، الأكيد ان الشعب سينتصر. لو كان الشعب السوري سيتراجع، لما كانت ثورته مستمرّة منذ ست سنوات. لكنّ سورية التي عرفناها لن تقوم لها قيامة للأسف الشديد بعدما خلقت الحرب المستمرّة منذ مارس 2011 وقائع جديدة على الأرض. لا بدّ من ان تكون لهذه الوقائع، التي هي ابعد من «الفيتو» الروسي ـ الصيني، انعكاسات في غاية الخطورة في المدى الطويل، خصوصا على بلد مثل لبنان، إضافة الى دول الجوار الاخرى.هناك ما هو ابعد بكثير من «الفيتو» الذي يعطي فكرة عن عجز روسيا عن لعب دور إيجابي في مجال البحث عن مخرج في سورية. فاذا وضعنا جانبا المشكلة الضخمة الناجمة عن تدفق هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين على لبنان والاردن، تأتي على رأس هذه الوقائع تمكّن ايران من إزالة الحدود الدولية بين لبنان وسورية. جعلت ايران، بفضل ميليشيا «حزب الله» التي ليست سوى لواء في «الحرس الثوري»، الرابط المذهبي فوق كلّ ما عداه، بما في ذلك الحدود المعترف بها بين دولة وأخرى.انّه الواقع الأخطر الذي تركته الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. هذا الواقع سمح في وقت لاحق بظهور «داعش» وتوسّعه في العراق وسورية متجاوزا الحدود بين الدولتين. هذا الواقع جعل من السهل قيام «الحشد الشعبي» الذي يضمّ مجموعة من الميليشيات المذهبية العراقية التابعة لإيران بالمشاركة بالحملة على «داعش». ليس «داعش» في نهاية المطاف سوى تنظيم إرهابي يوفّر كلّ المبررات التي يحتاجها «الحشد» لتنفيذ ما تطمح اليه ايران في العراق بدءا بتغيير طبيعة المدن في هذا البلد المهم الذي كان الى ما قبل فترة قصيرة بلدا عربيا فيه قوميات عدّة، لكنّه كان من بين الأعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربية.ليس معروفا الى ايّ مدى ستتغيّر الخرائط نتيجة ما يمارس في سورية وما آل اليه الوضع فيها. لكنّ الثابت حتّى الآن ان طبيعة المجتمعات في كلّ دولة من الدول العربية التي تأثّرت بما يدور في سورية ستشهد تطورات أساسية في ضوء وقوع أراضي تلك الدولة تحت اربع وصايات وسقوط الحدود اللبنانية ـ السورية لاسباب مرتبطة بالمشروع التوسّعي الايراني.بعد ست سنوات على الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، تكوّنت في البلد اربع مناطق نفوذ. هناك منطقة نفوذ إيرانية وأخرى روسية وثالثة تركية ورابعة إسرائيلية. المضحك المبكي، ان النظام ما زال يتحدّث بين حين وآخر عن السيادة السورية بلسان بشّار الأسد او احد مساعديه.من الصعب توقّع كيف سينتهي الوضع السوري في المستقبل المنظور. لكنّ «الفيتو» الروسي الأخير لا يشجّع على التفاؤل، خصوصا انّه يعكس رغبة في دعم نظام مستعد لكلّ شيء من اجل القضاء على شعب بكامله.هذا لا يعني انّه في الامكان تجاهل ان عنصراً جديداً طرأ على الوضع السوري. يتمثّل هذا العنصر الجديد في رغبة الإدارة الأميركية في إقامة «مناطق آمنة» داخل الأراضي السورية على حدود الأردن وتركيا... وربّما لبنان الذي زاره أخيرا السناتور بوب كوركر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي. حرص كروكر الذي كان مرشّحا لان يكون وزيرا للخارجية مكان ركس تيلرسون على الذهاب الى بلدة عرسال التي يفوق عدد اللاجئين السوريين فيها عدد المواطنين اللبنانيين.فتح باب تجاوز «حزب الله»، أي ايران، للحدود اللبنانية ـ السورية امام كلّ أنواع التغييرات وصولا الى التدخل العسكري الروسي بهدف الحؤول دون الإعلان رسميا عن سقوط النظام. ما تشهده ارض سورية حاليا من احداث مصيرية مرتبط الى حد كبير ببداية التدخل الايراني عبر ميليشيات لبنانية وعراقية وافغانية لإنقاذ النظام العلوي. اسّس الغاء الحدود اللبنانية ـ السورية لكلّ أنواع التدخلات وصولا الى التواطؤ التركي مع روسيا كي يَسهل اخراج مقاتلي المعارضة من حلب.الملفت الى الآن، ان إسرائيل تتفرّج وتكتفي بتوجيه ضربات جوية بين حين وآخر تستهدف أسلحة وصواريخ مرسلة الى «حزب الله» عبر الأراضي السورية. لم يصدر عن ايّ مسؤول إسرائيلي كلام يفهم منه ماذا تريد حكومة بنيامين نتنياهو التي تبدو راضية عن وجود منطقة نفوذ لها كما انهّا تنسّق بالعمق مع روسيا، باستثناء رغبتها في تفتيت سورية، ملتقية بذلك مع ما يستهدفه النظام فيها.لعلّ اقرب ما يكون للموقف الرسمي لإسرائيل ما صدر عن رئيس الأركان وزير الدفاع السابق موشي يعالون الذي يحضر مؤتمرا في موسكو لمؤسسة أبحاث تابعة للكرملين اسمها «فالداي». قال يعلون الذي استقال العام الماضي من وزارة الدفاع، لكنّه لا يزال قريبا جدّا من المؤسسة الأمنية والعسكرية «ان إسرائيل على استعداد لدعم التعاون الروسي ـ الاميركي من اجل تقسيم سورية الى علويستان وسنّستان وكردستان»، مضيفا «ان سورية والعراق من الدول الاصطناعية التي لا داعي لمحاولة إعادة احيائها».لم يصدر أي رد على يعلون من المشاركين في المؤتمر. فضّل المشاركون الروس وغير الروس الصمت. انّه تأسيس لمرحلة جديدة في سورية بدأ بتطور في غاية الخطورة لم يحسب كثيرون لمدى اهمّيته وابعاده يتمثل في الاستهانة بالحدود اللبنانية ـ السورية والاستهانة بلعب ورقة الرابط المذهبي وجعله فوق سيادة الدول ومبدأ الانتماء الوطني اوّلا.ليس «الفيتو» الروسي سوى تعبير عن الرغبة في الذهاب بعيدا في المشاركة في التأسيس لهذه المرحلة الجديدة التي صار فيها استخدام السلاح الكيميائي في الحرب على الشعب السوري وجهة نظر وغطاء لمزيد من الجرائم.يعبّر موقف موسكو، الذي تشارك فيه الصين والذي يشجّع على ارتكاب مزيد من الجرائم بحقّ الشعب السوري، افضل تعبير عن الاستثمار في كلّ ما من شأنه إقامة كيانات طائفية ومذهبية في كلّ منطقة المشرق العربي وما هو ابعد منه.

مشاركة :