هذا المقال شكل من أشكال نقد الذات، وأتمنى ألا تكون فيه إساءة لأحد سوى نفسي، ولذلك وجب التنويه.أم كلثوم كوكب الشرق ومجرة الغناء، ولكن عليك أن تظهر للناس أنك تسمع فيروز في الصباح وفي المساء ويوم الأحد من أجل العمق! لا شك أن فيروز رائعة ولكن لا أدري لماذا ارتبطت بالعمق.إذا كنت ممن يقرأون التراث الصوفي فعليك أن تعلم أن ابن عربي أفضل من كتب، والغزالي أرقى من تصوف، ولكن عليك نشر العديد من التغريدات التي تحمل أبيات جلال الدين الرومي من أجل العمق!أعتقد أن القهوة تشرب بسرعة على طريقة الفنان محمود عبدالعزيز، ولكني أشربها أمام الناس على طريقة محمود درويش من أجل العمق!وأعتقد أن الكتابة لا تحتاج طقوساً، ولكني أدعي أن لها طقوساً وأماكن ومقاهي وبلدانا وأزمنة من أجل العمق!أعتقد أن بيت المتنبي «يا أعدل الناس إلا في معاملتي... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم»، أفصح وأبلغ وأقوى من دون تكلف ومن دون إمساك لغوي وإسهال عواطف من هذه البيوت التي تقول «أتعاطى القهوة والكافيين...فأقلبه يصبح بترولاً... أمشط شعري بالتعقيد... وأسف أسف تراب الزهد... وأصيح قبيل الفجر بأعلى الصوت... قبيل النوم ياعمال العالم اتحدوا ... دعه يعمل... دعه يمر»، ولكني أميل إلى هذا النوع من الشعر من أجل العمق!لا تنس الشعر الطويل، وسماعات الأذن ومسحة حزن على وجهك وأنت جالس وحدك في زاوية مقهى حداثي... كل هذه أشياء تضفي مزيداً من العمق! والجيتار والتجوال في مترو الأنفاق في دول أوروبا أحد أهم الأدوات التي قد تساعدك للوصول للعمق.ورغم كل محاولاتي الفاشلة في أن أبدو عميقاً وأن استمع لمارسيل خليفة، إلا أنه من المهم أن تحرص على متابعته وحضور حفلاته لأن ذلك سيجعلك تبدو عميقاً جداً.أعتقد أيضاً بشكل أو بآخر أن الرحلات إلى دول أميركا اللاتينية قد تعطيك مزيداً من العمق، ولكن عليك أن تحرص إلى حد التطرف على التقاط صور يستحيل أن تتكرر مع غيرك... الفقراء مادة جيدة.ولاتنس أن اللحية في الوسط الديني إما أن تكون سنة أو تكون تجارة، ولكن إطلاقها في الوسط الثقافي يضفي مزيداً من العمق!قليل من المصطلحات الأجنبية مع تحوير وصك مصطلحات عربية سيعطي لكلامك عمقاً في المعاني، وارتداء قبعة توفيق الحكيم سيساعدك كثيراً حتى لو كان تفكيرك مثل شعبان عبدالرحيم في أن تبدو أعمق بكثير من حجمك الحقيقي.واحذر أن تستشهد بمواد الدستور لأنها موضة قديمة، المذكرة التفسيرية تعطيك البعد المطلوب.واحذر كل الحذر أن تتكلم عن العمق في مقال ليس فيه شيء من العمق مثل هذا المقال.أعتقد أيضاً والله العليم أن أي جملة ليس من الضروري فيها أن تحتوي على كلمة أعتقد، ولكن يجب أن تضيف أعتقد من أجل لمسة العمق!والآن عزيزي القارئ خذ نفساً عميقاً قل «هووووب» مبروك لقد أصبحت عميقاً.إنني ومعي جيل كامل نتساءل عن سبب فشلنا في الوصول للعمق رغم أننا استخدمنا كل ما في جعبتنا من مظاهر العمق بما في ذلك حركات أصابعنا أثناء الكلام وابتساماتنا المصطنعة أثناء الصمت والاستماع والحضور لأمسيات الأوبرا في الكويت، إلا أننا لا نشعر بهذا المس العميق، إننا الجيل القادم من بعد فترة الغزو حيث تنطبق علينا عبارة «نحن جيل بلا أساتذة» لكي نتعلم منهم العمق!لعنة ما سرت في قلوب أصدقائي جعلتهم مهووسين بالعمق... بما فيهم ذلك الذي رحل بحثا عن العمق.صدقني عزيزي القارئ ليس لدي هنا أدنى رغبة في أن أبدو لك عميقاً يستخف بالعمق، بقدر ما أريد أن أبدو لك عقيماً يعلمك الإنجاب.كان هذا المقال بمناسبة وصولي للمحطة رقم 33 من محطات العمر... حيث نبهني صديقي إلى أنني أحتاج المزيد من العمق!!هوامش ومراجع:*دراسات في العمق الكاذب رسالة ماجستير من جامعة الإبداع الفرنسية.*خمس نصائح لكي تبدو عميقاً، المركز القومي للتنمية البشرية.*سلسلة العمق للجيب، منشورات اتحاد المتعاطين العرب.*تعلم العمق في يوم واحد، دار الألم والرزايا الحديثة.*برمجة العمق، معهد أوانطافيسكي للعلوم والتكنولوجيا.كاتب كويتيmoh1alatwan@