صحيفة المرصد-وكالات : بالنسبة لغالبية المعلقين السياسين، فإن المهم ليس تعيين الجنرال، بكري حسن صالح، رئيسًا للوزراء، المنصب الذي استحدث لأول مرة منذ وصول الرئيس عمر البشير السلطة في 1989، بقدر ما أن الخطوة تمهد خلافة الأول للثاني في رئاسة السودان. خلال الأعوام القليلة الماضية، كان مطروحًا على الدوام موضوع خلافة البشير الذي سيكون قد أمضى 31 عامًا في السلطة، عندما تنتهي ولايته في العام 2020 . وضع البشير الصحي وما جعل سؤال الخلافة متسيدًا الساحة في بلد لم ينعم إلا قليلاً بتداول سلمي للسطة، ليس تعهد البشير أكثر من مرة بأنه لن يترشح لولاية جديدة، بل إن وضعه الصحي قد لا يسعفه إن أراد ذلك. فالرجل البالغ من العمر 73 عامًا، أجرى خلال الخمس سنوات الماضية 5 عمليات جراحية، اثنتين منها في الحلق، لم يكشف القصر الرئاسي عن أولاهما إلا بعد أسابيع، لمحاصرة شائعات عن إصابته بالسرطان. وكانت اثنتان من هذه العمليات لتغيير مفصلي ركبتيه، بينما أجريت الخامسة في يناير/ كانون الثاني الماضي، وكانت الأكثر تداولاً في الأوساط السياسية، لأنها عملية قسطرة استكشافية في القلب، وصفها القصر الرئاسي بأنها “ناجحة”. ويعتقد مراقبون أن دوافع البشير للتنحي ليس وضعه الصحي فحسب، وإنما رغبته في ترك الحكم وهو في قمة شعبيته التي تدنت خلال الأعوام الماضية بفعل الأزمة الاقتصادية التي خلفها انفصال جنوب السودان. الجنرال بكري حسن صالح وتحديدًا، هذه هي الواقعة التي سلطت الأضواء على الفريق أول، بكري حسن صالح، بوصفه العسكري الوحيد الذي وقع على المذكرة، وتردد أيضًا أنه فعل ذلك بإيعاز من البشير. وقتها كان صالح الذي يحرص على إبقاء نفسه بعيدًا عن الأضواء، يشغل منصب وزير رئاسة الجمهورية، ويعتبر الأكثر قربًا للبشير من بين ضباط الجيش الذين شاركوا معه في تنفيذ الانقلاب. ومن بين 15 ضابطًا كانوا يشكلون مجلس قيادة ثورة “الإنقاذ”- الاسم الذي يطلق على حركتهم – لم يبق الآن بجوار البشير سوى نائبه الأول، حيث توفي البعض وابتعد أو أُبعد آخرون. ويعتقد على نطاق واسع أن العسكريين استثمروا الخلافات الداخلية للإسلاميين لتحجيم نفوذهم لصالح الجيش، قبل أن تنتقل الخلافات بشكل أوضح من تيارين في الحركة الإسلامية إلى خلاف أو حتى صراع بين المؤسسة العسكرية وعموم الإسلاميين. صالح الساعد الأيمن للبشير وفي كل هذه المراحل كان صالح بمثابة الساعد الأيمن للبشير، حيث تربطهما علاقة شخصية بدأت بالتزامل في سلاح المظلات، وكان الأول برتبة مقدم والثاني برتبة عميد، عندما صعدا إلى الحكم. وطيلة هذه السنوات تنقل صالح في عدة مناصب يغلب عليها الطابع العسكري والأمني مثل مدير المخابرات، ووزارتي الدفاع والداخلية. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2013 لمع نجم الرجل المولود بقرية “حفير مشو” شمالي السودان في 1949، والمتخرج من الكلية الحربية في 1973، عندما عينه البشير في منصب النائب الأول ضمن تعديل وزاري. ولم يكن هذا التعديل عند أكثرية المعلقين السياسين سوى حلقة من حلقات الصراع بين العسكر والمدنيين، حيث أطاح البشير بغالبية رموز الإسلاميين وعلى رأسهم علي عثمان طه، الذي حل صالح عوضًا عنه. وجاء التعديل الوزاري ضمن خطة إصلاحية شاملة طرحها البشير بعد أشهر من احتجاجات شعبية، ردًا على خطة تقشف، وكانت الأقوى على مدار حكمه. ومتقلدًا منصبه الجديد ظهر صالح خلال العامين الماضيين كرجل محوري في تنفيذ الخطة الإصلاحية، بإشرافه المباشر على أداء الوزارات والدواوين الحكومية. ويومًا تلو آخر بدأ يترسخ نفوذ النائب الأول في وسائل الإعلام المحلية رغم شح حديثه إليها، وزهده في حضور الاحتفالات والخطب الجماهيرية التي كانت على الدوام من روافع النظام. وترسخ هذا الاعتقاد عندما عينه الرئيس السوداني رسميًا، يوم الخميس، رئيسا للوزراء، وهو منصب استحدث لأول مرة في عهد البشير، مع الاحتفاظ بمنصب النائب الأول. وجاء استحداث المنصب كواحد من توصيات الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس ضمن خطته الإصلاحية، لكن قاطعته غالبية فصائل المعارضة بشقيها المدني والمسلح. وأتى تعيين صالح في وقت ترتفع فيه شعبيته، لا سيما أنه وخلافًا لكثير من القادة الحكوميين، لا تلاحقه تهم الفساد واستغلال النفوذ، فضلاً عن انحداره من المؤسسة العسكرية التي لا تزال تحظى بتأييد قطاع عريض من الشعب. وخلافًا للإسلاميين، فإن الجيش نادرًا ما يتعرض لانتقادات من المعارضة التي تنسب في الغالب اتهاماتها بارتكاب تجاوزات ضد المدنيين في مناطق النزاعات إلى مليشيات موالية للحكومة. صالح خليفة محتمل للبشير عام 2020 وبالنسبة إلى محمد لطيف، المحلل السياسي ومدير مركز “طيبة برس”، فإن “صالح بات خليفة محتملا للبشير منذ تعيينه في منصب النائب الأول بصلاحيات واسعة”. وبينما يشكك البعض في تعهد البشير بالتنحي عند نهاية ولايته الحالية يرى لطيف أن “كل الإرهاصات تقول إن صالح سيخلف الرئيس في لحظة ما وبغض النظر عما إذا كانت في العام 2020 أو قبله أو بعده”. ويعتقد المحلل السياسي أن رئيس الحكومة الجديد تتوفر فيه الصفات اللازمة للخلافة وهي “قربه من البشير وصلته بالمؤسسة العسكرية وخبرته في العمل التنفيذي الذي يشرف عليه منذ تعيينه نائبًا أولا”.
مشاركة :