"أدب الرسائل" من الخطابات الورقية إلى الكتابة الرقمية بقلم: حنان عقيل

  • 3/4/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في الفترة الأخيرة من عمر الأدب العربي بدأت الرسالة تشهد نوعا من الشحوب والتراجع حيث لا يخصص عمل بذاته لهذا النوع الأدبي وإنما يدرج ضمن أنواع أخرى، إلا أن توظيف أدب الرسالة لا يزال قائما في نصوصنا”. يذكر عقل عددا من الأمثلة حول هذا الجنس الأدبي ومنها كتاب “الأيام” الذي يوجد فيه هذا النوع الأدبي ضمنا من خلال رسالة طه حسين إلى ابنه، على الدرب نفسه نجد الشاعر السوري أدونيس في “ها أنت أيها الوقت” يخصص فصولا من رسائل إلى أصدقائه خصوصا يوسف الخال، وأيضا جبرا إبراهيم جبرا في عدد وافر من نصوصه وأعماله يوظف أدب الرسائل. يرى عقل أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تراجعا للرسالة في مفهومها الورقي، فلم يعد العشاق يبعثون رسائل ورقية يبثون فيها أشواقهم كما كان في الزمن الماضي، لكن تراجع الرسالة ورقيا لا يعني تراجعها إلكترونيا خصوصا مع بروز أدب المدونات الذي يشهد ازدهارا عربيا لافتا، ومن ثم خرج أدب الرسالة من بنيته الورقية إلى الإلكترونية، فالمدونات تضمن لفن الرسالة الحضور والتميز وتوجه أنظار الحركة النقدية إلى هذا النوع الأدبي. ويعد قالب الرواية الرقمية من أكثر الأشكال توظيفا لأدب الرسائل في بنيتها، ومن أبرز الأمثلة في الوقت الراهن كتابات محمد سناجلة من الأردن.أدب عربي عريق التراسل الثقافي الناقد العراقي عبدالغفار العطوي يرى أن أدب الرسائل قد نما مع قيام الكتابة بمهام ضبط المجريات السياسية والثقافية في العصر القديم، حينما لم يكن يخطر على بال أحد من القائمين على شؤون الدولة آنذاك أن هذا الاعتماد على نمط محدد من التداول الكتابي سيولد أدبا يغير من شكل المؤسسة السياسية والثقافية، و يدفع إلى استخدامه ليس في حفظ التداول المؤسسي إنما يشمل التراسل المعرفي والثقافي، أي أدب يدعى أدب الرسائل بقسميه الحكومي والاجتماعي. يلفت العطوي إلى أن تعدد أشكال أدب الرسائل قديما ما بين الديواني والثقافي والإخواني والسري والدبلوماسي وغيرها، كان بحكم الطبيعة الحضارية آنذاك، لكنه لم يعد اليوم يلبي متطلبات الحاضر، ويتعرض إلى الإهمال بعزوف المؤسسات والجمهور عنه، والاكتفاء بفكرة الرسائل أو المراسلة، حيث نشهد تداعيه وذوبانه في الوسائل الحديثة وانحصار أغراضه في سلسلة التبادلات السريعة التي فرضها العصر الراهن، مما يعني عدم اعتماده لونا أدبيا كما المقامة التي تخلت عن مكانها للمسرح والشعر. وينوه العطوي بأن اشتراطات التطور العلمي تحتم التعامل مع الأطر الحيوية النشطة التي توفر أدق النتائج بمتغيرات الأسباب، من هنا التحولات التي طرأت على بنى الكتابة والثقافة أبقت فكرة التراسل قائمة في صلب أدب الرسائل، كي يمكننا القول إن أي مناسبة تحل على الناس تمطر عالمهم بالآلاف من الرسائل، لكن ديمومة أدب الرسائل استقرت على الأرشفة والمكاتبات الثقافية والرسائل الإخوانية والعاطفية، كالرسائل بين مي زيادة وجبران خليل جبران ومحمود درويش وسميح القاسم، بل تحولت إلى الرسائل الإلكترونية السريعة التي تختصر الزمن والغايات. أدبية الرسائل الكاتبة والناقدة العمانية عزيزة الطائي تقول “فن الرّسائل من أبرز الفنون النثرية القديمة، عرف في أدبنا العربي بأسماء عديدة مثل: الرسائل الديوانية، والرسائل الإخوانية، والرسائل القصصية، والرسائل الأدبية، وغيرها من المسميات الأخرى. وإذا كان النّقاد العرب القدامى قد أجمعوا بطرق مختلفة على أدبية النص التراسلي وكتبوا حولها، فإنّ النّقاد المحدثين قد بدوا غامضين متذبذبين في هذا النّوع. فهم وإن أقر بعضهم بأدبية الرّسائل، إلّا إنّهم في الغالب الأعم يكتفون بهذا التقرير من دون تحديد لمظاهر هذه الأدبية، إلّا ما يمكن استنتاجه من أنّ الرسائل تحقق لقارئها المتعة والفائدة في آن معا”.ضعف في الخطاب التراسلي وتتابع الطائي “من الأهمية أن نذكر أننا لا نجد دراسات جادة عن ‘الأدب التراسلي‘ في أدبنا العربي الحديث، تشبه تلك الدراسات التي كتبها بعض الدارسين المحدثين عن الرسائل في أدبنا القديم. وربما إشكالية النشر من عدمه من أبرز الإشكاليات التي حالت دون ذلك. فأغلب النصوص التراسلية المعترف بأدبيتها هي نصوص كتبت لتنشر بوصفها أدبا رسائل الأحزان للرافعي، وزهرة العمر لتوفيق الحكيم، وغيرها من الرسائل التي هي في الغالب الأعم رسائل مختلقة أو دخلها قدر كبير من الاختلاق، وبالتالي فأدبيتها مستمدة بالدرجة الأولى من هذا المنظور الاختلاقي أكثر من منظور كونها رسائل حقيقية بين شخصين حقيقيين”. أما الرسائل التي لا تكتب بهدف النشر، ففي رأي الطائي أن موقفنا منها متذبذب، إذ يبدو أننا لا نملك معايير نقدية واضحة تسهل علينا تحقيق قدر لا بأس به من التّوافق حول ما يشكل النّص التراسلي الأدبي الجيد. وربما يعود السبب في ذلك، كما تقول، إلى تنوع الخلفيات الثقافية والفكرية لمن يكتب الرّسائل في وطننا العربي، فبالإضافة إلى الأدباء، هناك المؤرخون والمفكرون والصحافيون والسياسيون والناشطون… إلخ، وكل منهم ينتج نصا تراسليا مختلف الأسلوب والمضمون والهدف. ففي الكثير من هذه الرسائل يكون الهدف التوثيقي والفكري أبرز بكثير من الهدف الأدبي. وتضيف الكاتبة “على العموم يصنف أدب الرسائل، وخاصة عند الغرب تحت ما يعرف بالأدب الشخصي، أو أدب الحياة، الذي يتضمن المذكرات واليوميات والخواطر وما شاكلها. ومع ذلك، فهو يختلف عنها ربما في كونه في الغالب الأعم ‘لا يكتب بوصفه أدبا، وإنما يعامل بوصفه كذلك’ كما يقول أحد الباحثين. وعلى الرغم من اختلاف النّقاد في تحديد الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه ‘فن الرسائل’ وسماته وحدوده، إلّا أنّ هناك قناعة لدى الكثير منهم بقيمته الأدبية. فدريدا، على سبيل المثال، لا يعترف بالرسالة جنسا أدبيا محددا، ومع ذلك يعدها ‘كل الأجناس، أو الأدب نفسه”. وترى الطائي أنه في الآونة الأخيرة فقد هذا النوع الأدبي قيمته، مع ظهور التكنولوجيا الحديثة، وأدى ذلك إلى ضعف في الخطاب التراسلي، الذي أخذ منحى الرسائل القصيرة جدا عبر قنوات التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي أفقده الأسلوب الرصين، والخصائص الفنية مما أدى إلى ضعف لغة التخاطب واستسهالها، كما أثر على الرسم الإملائي وعلامات الترقيم أثناء الخطاب.في الآونة الأخيرة فقد هذا النوع الأدبي قيمته، مع ظهور التكنولوجيا الحديثة، وأدى ذلك إلى ضعف في الخطاب التراسلي ثيمة الرسائل يؤكد الناقد المصري يوسف نوفل أن أدب الرسائل ظل موجودا منذ أقدم العصور بأشكاله القديمة حتى بداية العصر الحديث، الذي شهد اشتباكه بتكنيك التلغراف أو البرقيات فظهرت أشكال مهمة من أدب الرسائل في عدد من الأعمال منها كتابات الرافعي ومي زيادة، وظل الأمر على هذا المنوال إلى أن جاءت ثورة التكنولوجيا وهو ما أحدث تغيرا كبيرا في الأجناس الأدبية. فبالنسبة إلى أدب الرسائل، كان التغير الذي أحدثته تلك الثورة الرقمية تغيرا في الشكل والمضمون، فأصبحنا نرى أشكالا رقمية من أدب الرسائل كبديل عن نظيرته الورقي، ذلك النوع من الأدب الرقمي بات يهدد الكتاب الورقي بعدما صار منافسا قويا له، خاصة مع امتلاكه عددا من المميزات التي يفتقدها اللون التقليدي ومنها الإيجاز واتخاذ نافذة التواصل الاجتماعي بديلا عن المطبعة، فضلا عن انتشاره بشكل أكبر، لافتا إلى أن الأدب الحديث لم يهمل ثيمة الرسائل في شكلها الرقمي المتطور.

مشاركة :