بين النفخ فى نيران الفتنة، والعزف على أوتار الشائعات المغرضة، بات المشهد العام فى ظاهره مربكًا، إلا أن جوهره يؤكد أن كل ما حدث وما سوف يحدث مجرد محاولات بائسة، من شأنها ترويج الادعاءات والشائعات للنيل من الدولة المصرية، بالتزامن مع الضربات الموجعة التى يوجهها الجيش ضد العناصر الإرهابية فى سيناء، وحتى لا تتوه الحقائق بين صخب أجوف هنا، وأكاذيب محبوكة هناك، أرى ضرورة الإمساك بأطراف خيطين، يمثلان المنطلق الأساسى لرؤيتى فى كل ما يجرى، أولهما: استهداف «داعش» للمسيحيين فى العريش، وثانيهما: شائعة توطين الفلسطينين داخل سيناء، وما أحاط بتلك الشائعة من مزاعم تتنافى فى شكلها ومضمونها مع العقل والمنطق.
فى هذا السياق تفرض علينا القراءة الغوص فى التفاصيل، ليس بهدف تحليل المزاعم، إنما لرصد حجم الغباء الذى أحاط بالادعاءات، وسيطر على أذهان مروجيها، فالأغبياء لم يستوعبوا حقيقة دامغة لم ولن تغيب عن أذهان المصريين، مهما طال الزمان، ومهما بلغت درجة تزييف التاريخ، وهى أن المؤسسات الصلبة، وأعنى «الجيش والشرطة»، قدم كل منهما خيرة شباب هذه البلد، ثمنا للدفاع عن عقيدة نبيلة، عنوانها الجامع الشامل حماية الوطن من السقوط، وتحت هذا العنوان تنوعت التضحيات بين التصدى لمشروع الجماعة المارقة التى لا تؤمن بقدسية الوطن، والحفاظ على استقرار الدولة بوأد محاولات العبث ونشر الفوضى.
فات هؤلاء أيضا، أن استدعاء الأغلبية الساحقة من المصريين للسيسى وتكليفه بتولى المسئولية فى لحظة تاريخية فارقة، لم يكن أمرًا ارتجاليًا مشحونًا بعنفوان عاطفى، إنما لأسباب أخرى، فى مقدمتها تصديه وهو وزير للدفاع، لمحاولات الإخوان توطين أبناء غزة فى سيناء وفق الرؤيتين الأمريكية والإسرائيلية، ووفق عقيدة الجماعة التى لا تفرق بين إخوانى ماليزى وآخر حمساوى أو أى فريق ينتمى للتنظيمات التى تنفذ جرائمها فى الأوطان بالوكالة تحت لافتة الدين.
الغباء المتوطن فى أحراش النفوس المريضة، الغائر فى مقابر العقول المعطوبة، جعل بعض الذين فى قلوبهم هوى مريض، يرقصون طربا على نغمة نشاز، خرجت من إرهابيين بالفطرة والتكوين، ممن يطلق عليهم مجازًا، قادة الدولة العبرية، التقط الإخوان شائعة «توطين الفلسطينيين فى سيناء» التى روجها الإسرائيليون فى إطار حرب الشائعات التى يتقنها الصهاينة، وجعلوها أغنية يطربون لترديدها، فى محاولة بائسة لغسيل سمعتهم الملوثة وعارهم الأزلى، بالموافقة على العرض الأمريكى الإسرائيلى، مقابل بقائهم فى حكم مصر، وفى هذا السياق لا يراودنى أدنى شك، بأن الاستخبارات وحكومة الدولة العبرية، يهدفان من وراء الأكاذيب تشويه النظام الحاكم فى مصر لوأده مشروع التوطين فى زمن الإخوان.
المثير للغثيان، أن إعلامهم المغرض راح يردد تفسيرات لأمور، يعلمون قبل غيرهم أنها كانت سببا رئيسيا فى اقتلاعهم ووصمهم بالخيانة، أما الهدف من وراء هذا كله فهو تشويه صورة نظام الحكم وإظهار السيسى فى صورة تحرض البسطاء من غير العارفين بشئون السياسة، على كراهيته، فضلا عن قضيتهم الأساسية، الإساءة للجيش، وإظهاره بالرضوخ أمام مخططات التفريط فى الأرض وكأنهم خونة، هم يفعلون ذلك رغم درايتهم التامة بأن الجيش يمتلك لدى الشعب بتنوع فئاته الوطنية سلطة عاطفية، اكتسبها من تضحيات جنوده وضباطه على مر التاريخ، كما أنهم يعلمون علم اليقين أن شائعاتهم عن السيسى مهما كانت ضراوتها، لن تنال منه، فالحقيقة ببساطة وبدون تنظير أو تقعير، معلومة للكافة الكبير والصغير، الرجل والمرأة، الشاب والشيخ، الصبى والطفل، الجميع يعرف أن السبب فى وجود السيسى على رأس السلطة، قائم بالأساس على التصدى لمخططات إسقاط الجيش، وتحويله من جيش نظامى محترف إلى مجموعات قتالية لمحاربة الإرهاب، بما يمهد للعبث بالخريطة الجغرافية للدولة المصرية، وهى المخططات التى جرى إعدادها فى دهاليز قيادة أركان الدولة العبرية والبنتاجون الأمريكى منذ سنوات بعيدة، وحتى لا تسقط عن ذاكرتنا المشاهد القريبة، فالمخططات بدأت بتحييد الشرطة فى أعقاب ٢٥ يناير، عبر عناصر جرى تدريبها مسبقا، أما الهدف فهو إغراق الجيش فى المشهد الداخلى، لإنهاك قواه وتشتيته فى جبهات متعددة، دون دراية منهم بيقظته وقدرته على إحباط تلك المخططات.
انطلاقا من هذه الثوابت، يمكن التأكيد بأنه لا يوجد فى مصر مسئول أو مواطن، يملك أو يجرؤ، على مجرد سماع مثل هذه الهرتلات، أو السماح لكائن من كان، عربيًا أو أجنبيًا، بمجرد مناقشة هذا الأمر، وليس التفاوض عليه، فما بالنا إذا كانت الادعاءات المغرضة تهدف الإساءة للجيش الذى انحاز لثورة الشعب ضد فئة مارقة فرطت فى قدسية الوطن، لموافقتها على مبدأ التفريط فى الأرض، رغم علمها بعدم قدرتها على تنفيذه.
أما الحديث عن تهديد المسيحيين فى العريش فهو لا يبتعد بحال من الأحوال عن محاولات صناعة الكراهية للجيش فى أعقاب أكاذيب إسرائيل، وربما يداهمنى البعض بسؤال، مضمونه، ما الذى يجمع بين الشامى والمغربى؟ أى ما علاقة «داعش» بإسرائيل والمخططات سابقة التجهيز؟
من وجهة نظرى، أرى وجود علاقة لإسرائيل بـ«داعش»، وهذا ليس افتراضا خياليا مشحونا بمعطيات افتراضية، أحاول إثباتها أو أسعى للإقناع بها، إنما هى حقيقة تؤكدها الأدلة الدامغة، فإسرائيل لا تدخر جهدا فى إثارة القلائل داخل سيناء بدعمها لـ«داعش»، أما دور الإخوان فيأتى لاحقا عبر تسويق ما يجرى فى سيناء باعتباره ضربات موجهة ضد المدنيين العزل تارة، والترويج الزائف بأن شمال سيناء نحت سيطرة التنظيمات الإرهابية تارة أخرى، عبر بث مصطلحات يهدفون إلى تسويقها، وسرعان ما يلتقط ذات المصطلحات إعلام داخلى شائه وأهوج لا يرقى لمستوى التعاطى مع الظرف التاريخى، لافتقار عناصره مقومات التفاعل مع الحرب التى تقودها الدولة على الأرض، وحربها فى التصدى للحملات الإعلامية المدعومة من الخارج التى تهدف ترويج مصطلحات ملتبسة، مثل «نزوح عائلات قبطية من سيناء» أو «تهجير جماعى للأقباط»، وهى محاولات خبيثة، هدفها تصوير مصر وكأنها وقعت تحت سطوة الإرهابيين.
مشاركة :