مصر وألمانيا - التجارة لا تروي عطش السوق المصرية!

  • 3/5/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رغم ازدهار الصادرات الألمانية إلى مصر فإن التعاون في مجالات الإنتاج المشترك ما يزال محدودا للغاية بين الطرفين. لماذا لا تزدهر المشاريع المشتركة لإنتاج مختلف السلع التي تحتاجها السوق المصرية حاليا أكثر من أي وقت مضى؟ عندما يتعلق الأمر ببحث قضايا مثل مشاكل اللاجئين والقيود على أنشطة مؤسسات المجتمع المدني فإن الخلافات بين حكومتي ميركل والسيسي كثيرة. وعلى عكس ذلك فإن وجهات النظر تكاد تتطابق عند بحث تعزيز التعاون الاقتصادي بين الطرفين. غير أن العبرة في التنفيذ الذي تشير معطياته إلى أن مستوى العلاقات الاقتصادية أدنى بكثير من إمكانات البلدين، لاسيما وأن ألمانيا تتمتع بأقوى اقتصاد أوروبي، في حين تتمتع مصر بأكبر سوق في العالم العربي. ويستثنى من ذلك التبادل التجاري التي وصلت قيمته إلى نحو 6 مليارات يورو في عام 2016 مقابل 5 مليارات في عام 2015، غير أن أكثر من ثلثيها سلع ألمانية جاهزة أو سلع ألمانية مخصصة في القسم الأكبر منها لبناء مشاريع البنية التحتية. ويأتي في مقدمتها مشروع شركة سيمنس الألمانية العملاق بقيمة 8 مليارات يورو لمضاعفة إنتاج الطاقة الكهربائية. وقد تم توقيع هذه الصفقة الأضخم في تاريخ الشركة خلال زيارة الرئيس السيسي إلى برلين صيف العام الماضي. واليوم وبعد أقل من سنة على التوقيع ها هي المستشارة ميركل والرئيس السيسي يفتتحان ثلاث محطات لتوليد الكهرباء من مجمل محطات المشروع المتفق عليها. الشركات الألمانية وفرصها في السوق المصرية هل تكون مشاريع سيمنس في مصر بوابة لتدفق الاستثمارات الألمانية إلى السوق المصرية؟ ليست صفقة مشروع سيمنس وحدها التي تثير لعاب الشركات الألمانية في السوق المصرية. فهذه الشركات عينها أيضا على مشاريع أخرى عملاقة مثل العاصمة الإدارية الجديدة والمدن الصناعية واستخراج الغاز والنفط والطاقات المتجددة. وعلى الرغم من أهمية هذه المشاريع وحيويتها، فإن مصر التي تشهد أزمة اقتصادية حادة بحاجة ماسة أيضا إلى مشاريع إنتاجية صناعية وزراعية متوسطة الحجم تغطي النقص الكبير في السلع الاستهلاكية التي تراجع استيرادها لأسباب في مقدمتها نقص العملة الصعبة وتراجع سعر الجنيه. وتعاني السوق المصرية من النقص الحاد للكثير من السلع التي تعد من الضروريات لفئات واسعة من المستهلكين. ويشكل هذا النقص في الحقيقة فرصة للكثير من الشركات الألمانية المتوسطة الرائدة والباحثة عن أسواق خارجية لإنتاج السلع المطلوبة في مصر بالتعاون مع شركاء مصريين في قطاعات مثل كالأدوية والألبسة والمعلبات والأدوات المنزلية والأغذية، لاسيما وأن هناك اتفاقات اقتصادية متعددة مثل اتفاق الشراكة المصرية الأوروبية تساعد على مثل هذا الإنتاج، غير أن تجرية السنوات الماضية تدل على أن الشركات الألمانية ستبقى مترددة من دخول سوق الإنتاج في مصر بقوة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا هذا التردد؟ بيع السلع الألمانية كأولوية يرى عدد كبير من رجال الأعمال وصناع القرار المصريون والعرب الذين يشاركون في مؤتمرات وندوات اقتصادية مع نظرائهم الألمان أن الشركات الألمانية تنظر إلى السوق المصرية بالدرجة الأولى كسوق لتصريف السلع أكثر منها كسوق لإنتاجها والاستثمار في تطويرها. وإذا ما حصل وقررت شركة ألمانية الاستثمار في مصر، فإن الضمانات المالية والقانونية التي تطلبها لا تقل عن التي تلك المتوفرة لها في السوق الألمانية. ومن تبعات أن القليل فقط من المشاريع تأخذ طريقها إلى التنفيذ. ويستثنى من ذلك المشاريع التي تضمن تمويلها جهات حكومية أو غير حكومية تتمتع بمصداقية عالية مثل بنك إعادة الأعمار الألماني/ KFW و مؤسسة التعاون الدولي الألمانية/ GIZ والمصرف المركزي المصري. غير أن هذه المشاريع ما زالت تركز على المدارس المهنية ومحطات معالجة النفايات والمياه. استشراء الفساد ونقص الكفاءات نقص السلع في السوق المصرية يتطلب زيادة الصادرات لتوفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع المطلوبة على الصعيد الألماني يشتكي رجال الأعمال وصناع القرار الألمان من الفساد المستفحل في الإدارات المصرية المعنية. ويشهد على ذلك وقائع الفساد التي يتم الكشف عنها  من فترة لأخرى في مختلف المؤسسات وفي مقدمتها الجمارك والشؤون المحلية والتموين والصحة والمالية. ومن المعروف أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ليس لديها سطوة وقدرة على رشوة صناع القرار للحصول على الموافقات والتراخيص المطلوبة لمشاريعها كما تفعل شركات عملاقة. يضاف إلى ذلك أن الشركات الألمانية الكبيرة منها والمتوسطة تشتكي من صعوبة الحصول على الكفاءات المطلوبة في بيئة عمل مصرية يمكنها الإنتاج حسب المقاييس وبالمواصفات العالمية المطلوبة بأسعار منافسة. ولعل تجربة مرسيدس التي بدأت بتجميع سياراتها في السوق المصرية ثم توقفت عن ذلك لاحقا لأسباب عدة منها النوعية وقدم موديلات السيارات من الأمثلة التي تدل على هذه الصعوبات. هل تنحصر العلاقات الاقتصادية بالتجارة؟ خلال زيارتها إلى القاهرة في الثاني من مارس/ آذار الجاري أعلنت المستشارة الألمانية ميركل أن حكومتها ستدعم مصر بمبلغ 500 مليون دولار نصفها لدعم  مشاريع تنموية حكومية متنوعة والنصف الآخر لدعم مشاريع صغيرة ومتوسطة. وعلى الرغم من أهمية دعم كهذا، لاسيما في الوقت الحاضر، فإن بلاد النيل بحاجة إلى ما هو أبعد من هذا الدعم، أي إلى الاستثمارات المباشرة والضمانات الكافية التي تحفز القطاع الخاص في كلا البلدين على الدخول في شراكات لتحديث الزراعة والنهوض بصناعات تحويلية ذات قيمة مضافة عالية من أجل سد حاجة السوق المصرية إلى مختلف السلع. ولعل أهم شيء في هذا الإطار إزالة مخاوف الشركات الألمانية من الدخول في شراكات كهذه وضمان حقوقها المتعلقة بملكية الاختراع ونقل المعارف والخبرات الخاصة بها. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تقدم الحكومة الألمانية على تقديم مثل هذه الضمانات في ضوء مصلحتها المتزايدة باستقرار مصر الاقتصادي أمام عواصف الهجرة التي تشكل إحدى تحديات الاتحاد الأوروبي؟ من ناحية الإمكانات تبدو خطوة كهذه ممكنة، لاسيما إذا قامت حكومة السيسي بخطوات حاسمة في مكافحة الفساد والتوصل مع الجانب الألماني إلى تجاوز الخلافات حول قضايا اللاجئين وأنشطة منظمات المجتمع المدني الألمانية في مصر. حتى ذلك الحين سيبقى التبادل التجاري لصالح ألمانيا محور العلاقات الاقتصادية بين الطرفين.

مشاركة :