أبناء الموصل يتساءلون حول مستقبل مدينتهم ما بعد داعش بقلم: سلام الشماع

  • 3/6/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

أبناء الموصل يتساءلون حول مستقبل مدينتهم ما بعد داعشيتطلع أهالي نينوى بأمل كبير إلى استعادة محافظتهم ومركزها مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية داعش، لكن يحدوهم في نفس الوقت قلق وتشاؤم تلقي بهما حالة المحافظات التي تمت استعادتها من تنظيم الدولة الإسلامية لتسقط بين مطرقة التهميش وسندان الميليشيات الطائفية، لتمر هذه المحافظات من تهجير داعش إلى تهجير الحشد الشعبي.العرب سلام الشماع [نُشر في 2017/03/06، العدد: 10563، ص(6)]مستقبل على أنقاض الخراب يتخوّف أبناء محافظة نينوى، وهي المدينة العراقية الثانية بعد بغداد، من مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، وهم ينظرون إلى أوضاع محافظات طرد منها التنظيم إلا أن أهلها لم يسمح لهم بالعودة إليها أو بقيت بلا خدمات. ويتخوفون من أن يلد تنظيم الدولة الإسلامية تنظيما أشرس وأكثر قسوة إذا آل مصير محافظتهم إلى ما آل إليه مصير المحافظات السنية الأخرى. ويبرز التفاؤل من أحاديث بعضهم عن مستقبل محافظتهم إذا ما قادته نخبة من أبنائها. في حين يطبع التشاؤم أحاديث بعضهم الآخر تؤيده ممارسات الميليشيات الطائفية المسلحة من مستقبل قد لا يحمل معه الخير، فيما وصف آخرون أنفسهم بـ”المتشائلين”. لكن على العموم، يتفق جميعهم على أن مرحلة ما بعد داعش أرحم من الفترة التي سيطر فيها التنظيم. وشكل المتفائلون تجمعا أطلقوا عليه اسم “جبهة أهالي نينوى الوطنية”. واختاروا في بيان صدر عنهم الشخصية العسكرية الوطنية الفريق الأول الركن عبدالجواد ذنون، الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش العراقي قبل احتلال العراق، ليكون حاكما عسكريا للمحافظة يوفر لها الأمن فيما تنطلق النخب إلى إعادة إعمار المحافظة وتوفير الخدمات كافة لها وجعلها نموذجا تقتدي به جميع محافظات العراق في الإعمار حتى الشيعية منها. الموصل تحتاج فترة نقاهة يصف المهندس سحبان فيصل محجوب، الذي كان يتولى منصب وزير الكهرباء قبل الاحتلال الأميركي للعراق، لـ”العرب”، مشروع جبهة أهالي نينوى الوطنية بأنه سيكون نموذجا عمليا إذا توفرت له أسباب النجاح وأولها الرعاية والدعم الدوليين. ويقول إن محافظة نينوى تزخر بكفاءات ومواهب في مجالات الحياة المختلفة، ولكنها حرمت من أداء دورها على الساحة الوطنية والمحلية نتيجة سلوك الإقصاء والتهميش بعد الاحتلال العام 2003، بل تعرضت إلى حملات الملاحقة والاعتقال والقتل.إياد العناز: أبناء نينوى يوقنون بأن حالهم لن تختلف عن حال المحافظات التي طرد منها داعش وأشار إلى أن أبناء المحافظة تعرضوا إلى أساليب مختلفة من التجاوزات وانحسار الخدمات، والحرمان من التطور العمراني على مستوى جوانب العيش كافة، و‏نتيجة لذلك فهي تحفّز أهالي المحافظة على اللجوء إلى وضع المعالجات لإنقاذ المحافظة من الأوضاع الشاذة، إذ أيقنوا بأن الأوضاع السائدة في محافظتهم لا تستقيم من دون تسخير جهودهم لتحقيق الاستقرار وإعادة ما يمكن من خدمات وتهيئة عوامل عودة النازحين إلى دورهم التي تركوها مرغمين وكذلك الشروع في تنفيذ برامج التعمير والإعمار. ويوضح محجوب أن مجاميع عمل تكونت في هذا الاتجاه، سرعان ما اتحدت لتشكيل جبهة عريضة تضم مختلف شرائح مجتمع نينوى. ووضعت رؤية واضحة لمعالجة ما آلت إليه أحوال مدنهم في محافظة نينوى، فلم يكن قليلا ما ألحقته سيطرة قوى الإرهاب بمدن المحافظة من أضرار. ولم تتعرض محافظة أو مدينة في العالم إلى حجم الأذى والضرر الذي وقع على محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل، إذ لم يطل الأذى والضرر أبنيتها وشوارعها وإنسانها وزرعها، بل امتد إلى آثار تاريخها العريق ودور العبادة والعلم ومكتباتها بما فيها من مخطوطات ليست نادرة، بل فريدة. رجل الأعمال الموصلي كفاح قصاب باشي كان الأقرب في رؤيته إلى التشاؤم، وسبب ذلك يعود إلى قناعته بأن مدينة الموصل في دائرة الاستهداف، كما العراق والمنطقة العربية برمتها مستهدفة بمشروع أميركي طويل الأمد كانت نقطة الشروع فيه هي وصول آية الله الخميني إلى السلطة في إيران. وأشار إلى أن عماد هذا المشروع وعموده الفقري سببهما الفوضى “فمن دونها لن يكتب لهذا المشروع التطور والتقدم وهم يسمونها الفوضى الخلاقة، قاصدين أن تكون ‘الفوضى’ لنا و’الخلاقة’ لمشروعهم الاستراتيجي، فإذا شهدت أي مدينة عراقية استقرارا فهذا معناه تعثر المشروع الأميركي”. ويرى أن مستقبل الموصل لن يبتعد عما يحصل اليوم لجاراتها، في حزام بغداد والرمادي وديالى والفلوجة وصلاح الدين، راويا أن أحد أصدقائه من محافظة صلاح الدين اتصل به وأخبره بأن والدته تعرّضت إلى حروق، وشرح معاناتها من عدم وجود خدمات طبية في المدينة، فالمستشفيات كلها دمرت ولا تتوفر فيها سوى عيادات طبية خاصة وطب شعبي وكانت النتيجة أن فقد صديقه أمه. ويتساءل قصاب باشي إذا كانت هذه هي حال محافظة صلاح الدين التي استرجعت من تنظيم داعش قبل أكثر من سنتين، فكيف أتوقع أنه سيتم إعمار مدينتي؟ ويبدي اعتقاده بأن أهل الموصل وقعوا في فخ المقارنة بين السيء والأسوأ. وتقبل أهل الموصل الوجه الآخر للعملة بكل ترحيب وحفاوة وهم لا يعلمون أن أحد أساليب حرب المدن هو ما يسمّى الحرب الناعمة وأن قوات مكافحة الإرهاب دربها الأميركان على هذا الأسلوب الذي دخل فيه تنظيم داعش إلى الموصل في الأيام الأولى حين طمأن الناس بأنه جاء لتخليصهم من الضيم والقهر، ودعا أهالي المدينة ووجهاءها إلى التشاور معهم بشأن مستقبل المدينة ثم ما لبث أن ظهر وجهه الحقيقي بعد استقرار الأمور لصالحه وهذا دليل واضح على أن وجهي العملة يعملان وينفذان أوامر الأستاذ نفسه.أحوال كارثية عاشها أهل نينوى والموصل ويتوقع قصاب باشي أن المستقبل سيكون أسوأ وستشهد الموصل صراعات أخرى وتصفية حسابات وربما ستشهد صراعا بين اللاعبين أنفسهم، بحيث كل منهم سيكون مدفوعا من أجندات خارجية تريد دمار البلد تنفيذا لرغباتها ومشاريعها، مشيرا إلى أن الدمار لن ينتهي بهزيمة تنظيم داعش، بل إنه سيأخذ وتيرة وحشية أكبر بعد هزيمة التنظيم وسيلد داعش تنظيمات أكثر وحشية منه، معربا عن قلقه من أن تصدير الفوضى مستقبلا سيكون باتجاه بغداد وباقي مدن الجنوب. إذ ستكون الميليشيات أو ما يسمّى بقوات الحشد الشعبي هذه المرة هي المسوغ لأميركا لتدمير مدن الجنوب. ولن ينجو أحد لا في الشمال الذي سيخضع إلى صدام المشروعين التركي والإيراني، ولا في جنوب العراق الذي سيخضع إلى صدام المشروع الأميركي مع الميليشيات ثم سيتم تصدير الفوضى إلى باقي دول المنطقة بذريعة أن قوات الحشد الشعبي ستستفز وتعدّ أن استهدافها تم بوساطة دول مجاورة، مع ملاحظة أن المشروع الأميركي لن يستهدف الحشد كمنظومة بقدر استهدافه للبنية التحتية لمدن الجنوب وسيمد هذه القوات بكل وسائل ومستلزمات المقاومة والصمود كما مد تنظيم داعش طوال السنوات الماضية. شاعرة نينوى متفائلة إذا كان حديث كفاح قصاب باشي قد شابه الكثير من التشاؤم، فإن حديث شاعرة محافظة نينوى بشرى البستاني مترع بالتفاؤل والأمل، فهي ترى أن موضوع مستقبل الموصل يشغل اللحظة السياسية الراهنة، حتى بات القاصي والداني يدرك أهمية نينوى بما تمثله من موقع استراتيجي وجذور حضارية وشعب مثابر ومتحفز للبناء والإعمار وتشكيل القيم والجمال معا. وعلى الرغم من الأحوال الكارثية التي يعيشها أهل نينوى والموصل من سيل دماء ومجاعات وإجرام داعش، إلا أني لا أعرف التشاؤم السوداوي الذي يغلق أبواب الأمل ويفتح نوافذ اليأس والبؤس، بل أحلم وكل النبلاء معي بغد ستعود فيه محافظة نينوى إلى خصبها وأمنها وسلامها، ويعود أهلها الذين اجتمعوا صفا واحدا في جبهة توحدهم وتفتح لهم طرق العمل وإعادة البناء، حيث لا أحزاب ولا طائفية ولا عرقية بل انتماء للعراق ولوحدته ومستقبله. وتراهن البستاني على جدية أبناء الموصل ومحافظة نينوى وقوة إرادتهم وصبرهم على العمل وقدرتهم على الإنتاج التي توارثوها منذ أقدم العصور، وتقول “نحن مصرون على بناء محافظتنا العريقة بكل الطرق المشروعة، فأمامنا خياران لا ثالث لهما، إما الاندحار التام والاستسلام لعصر وعصابات لا تقل بؤسا وشراسة من داعش وإما النهوض من الهاوية الداعشية وإحراق المراحل من أجل دحر عدوانية من باعوا نينوى وسلموها إلى متوحشين في ثلاثة أيام وراحوا يحاولون استعادتها بشهور طويلة على حساب الضحايا من المدنيين والطفولة البريئة، مؤكدة أن أبناء نينوى اختاروا طريق النهوض والعمل والبناء ورسْمِ طرق الغد الأفضل ليعود النازحون ويهدأ دوي الصواريخ وينهض وجه الموصل الأغرّ عراقيا بهيا من جديد”.بشرى البستاني: نحن مصرون على بناء محافظتنا العريقة من أجل دحر عدوانية من باعوا نينوى أكراد الموصل شهدت الموصل منذ ستينات القرن الماضي نزوحا واسعا للأكراد من مناطقهم إلى الموصل إبان الثورة التي تزعّمها الملا مصطفى البارزاني على حكومة عبدالكريم قاسم، تلتها عمليات نزوح أخرى كلما تجدد القتال في منطقة كردستان العراق، وأصبح هؤلاء الأكراد من عشائر الزيباريين والهركية وزنكنة وغيرهم يشعرون بأنهم جزء من أهلها ويقفون معهم للدفاع عنها. ‏ويقول الشيخ هركي جوهر الهركي، الذي قاتل تنظيم الدولة الإسلامية دفاعا عن الموصل، إن مستقبل الموصل سيحدده أبناؤها ومسؤولية ذلك تقع على الجميع بنحو تضامني وتشاركي عربا وأكرادا ومكونات أخرى، مرتئيا أن مبدأ ‘عفا الله عما سلف’ والتسامح يجب أن يسودا لأن الإيغال في الانتقام والتدمير سيعمقان الشروخ أكثر. وطالب باعتماد المشاركة الشعبية المبنية على أساس الواقع والكفاءة وليس على حساب التزكية والترشيح الرسمي للكتل ذاتها التي تسببت أو كانت جزءا من أسباب ما جرى ويجري. ‏ويقول إن الحكومة إذا ما أرادت الاستقرار والإعمار للموصل فينبغي عليها تغيير لهجة خطابها الرسمي السائد حاليا وصيغته الطائفية إلى خطاب وطني، وأن تعيد النظر في بعض القوانين والإجراءات التي اتخذتها لإيقاع الأذى بالعراقيين لأنهم ليسوا من طائفتها. مسيحيو الموصل استهدف تنظيم الدولة الإسلامية المسيحيين في الموصل بعمليات قتل وتهجير وتدمير لمنازلهم وتفجير كنائسهم وتجريدهم مما يملكون، ووقع عليهم الجزء الأكبر من الأذى بعد أن عاشوا في مجتمع متسامح متحاب طوال تاريخهم، يتزاوجون ويدرسون ويتزاورون وتجمعهم مجالس وأنشطة وطنية واحدة، ممزقا بذلك النسيج الاجتماعي والوطني الذي كان مثالا للتعايش الجميل. ويقول الناشط الوطني نزار العوسجي، وهو من مسيحيي الموصل، إن أحد أهم أسباب تدهور الأوضاع الأمنية وضياع المحافظة واحتلال عصابات داعش لها، هو الخلل في المنظومة الأمنية وإقصاء دور أهل المحافظة ورجالاتها وتهميشهم وإهانة القوات الأمنية لرجالها ونسائها، مما أدى إلى نزوح الكثير منهم، ففقد أهالي نينوى ثقتهم في الحكومة المركزية، بالإضافة إلى القلق الذي ينتابهم من غوغائية الميليشيات الطائفية غير المنضبطة التي دخلت المحافظة تحت ذريعة التحرير. ويرى أن حل مشكلات أبناء نينوى يكون بعودتهم إلى ديارهم مع تعويض كل من تضرر من عصابات داعش أو جراء العمليات العسكرية والقصف الجوي، ليتسنى لهم العودة إلى حياتهم الطبيعية ومزاولة أعمالهم، والنهوض بالتربية والتعليم ودعم قطاع الصحة العام وإعادة تأهيله بعد أن دمرته الحرب التي عصفت بالمحافظة.نزار العوسجي: أحد أهم أسباب تدهور الأوضاع واحتلال عصابات داعش هو الخلل في المنظومة الأمنية حصار ولا ممرات آمنة يحذر الباحث في الشأن العراقي إياد العناز، وهو من أبناء نينوى، من المشكلات والوقائع الميدانية والتصرفات والسلوكيات التي بدأت تظهر على طبيعة التعامل اليومي للميليشيات الطائفية في المدينة، والتي أثارت حفيظة الأهالي وجعلتهم يشعرون بخيبة أمل واضحة، خاصة وقد يئسوا من القدرة على تدارك أوضاعهم في المستقبل القريب وحقيقة الوعود التي تطلقها بغداد عبر الكثير من التصريحات الرسمية والسياسية والعسكرية. ويقول إن الانتهاكات التي بدأت تمارسها عناصر ميليشياوية من عمليات تفتيش ومداهمة واعتقالات لأهالي منطقة الساحل الأيسر وانتشار رجالها في الساحات العامة والمراكز التجارية، واتباع أساليب ومخاطبات تنم عن توجه وبرنامج ممنهج للتعامل الطائفي مع الأهالي، جعلت أبناء نينوى يوقنون أن حالهم لن تختلف عن حال المحـافـظات التي طرد منهـا داعش منـذ سنتين. ويتوقع العناز نزوحا كبيرا لأبناء الأحياء السكنية إلى منطقة الساحل الأيمن نتيجة اشتداد القصف الجوي والمدفعي على مناطقهم، مشيرا إلى أن عملية النزوح ستتسبب في كارثة إنسانية جديدة بسبب عدم وجود ممرات آمنة لهم وتشديد الحصار عليهم، وعدم توفير معسكرات لإيواء النازحين مما يشكل حالة تعبوية تعيق عمل القطعات العسكرية وتقدمها وسنكون أمام تضحيات ميدانية كبيرة للسكان المحليين وبحالة أكثر كارثية ممّا شهدناه في منطقة الساحل الأيسر. ‏ويرى ضرورة تسليم الملف الأمني في المدينة إلى أهلها ضمانا لأمن الأهالي وسلامتهم والبدء في إعمار المدينة التي حطمت طائرات التحالف الدولي بنيتها التحتية من جسور وبنوك وبنايات ومؤسسات حكومية وجامعات ومعاهد مهنية وتدريسية وخطوط اتصالات وشبكات كهرباء ومياه، وإعادة النازحين إلى دورهم وممتلكاتهم ومزارعهم. كاتب عراقي

مشاركة :