يتفق كل من علماء الفلك والجيولوجيا أن هناك تغيرا دوريـا لحـرارة الأرض يستمر لحوالى 100 ألف عام يتراوح مابين حقبة جليدية إلى حـرارة مرتفعة ثم تعود في الانخفاض مرة أخرى، وهكذا دواليك. ويعزى هذا التواتر «شبه المنتظم» بالدرجة الأولى لتأرجح محور ميلان الأرض بين 23 و 24 درجة كل 100 ألف عام، الأمر الذي يؤدي إلى تغيـر في توزيع الطاقة الشمسية التي تمتصها الأرض بحسب درجة الميلان. كما أن هناك تغيرات بدرجة أقل تسببها عوامل أخرى كالبراكين الكبيرة والنشاط الشمسي. لكن الارتفاع الحـراري المرصود منذ بداية القرن الماضي هو تغير ملحوظ عن النمط المتعارف عليه وهو ما يرجع سببه لظاهرة الاحتباس الحـراري. ورغم أن الارتفاع في درجة حـرارة الأرض ليس بذلك الحجم الذي يمكن أن نشعر به إلا أن له تأثيرا لا يستهان به. في تقـريـر نشرته الأكاديمية الوطنية للعلوم (NAS) ذكرت أن حرارة الأرض قد ازدادت منذ بداية القرن العشرين بحوالى 0.8 درجة مئوية، لكن هذا الارتفاع في تسارع ليصل إلى 6 درجات خلال المائة عام القادمة وهو ــ مالم تتخذ تدابير وقائية مبكرة ــ مؤشر لوقوع كوارث طبيعية كغرق المدن الساحلية ونقص في المحاصيل الزراعية. وكما نعلم أن السبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري هو نشاط الإنسان الصناعي. أما مايشهده ويخبـرنا عنه أجدادنا من أنهم قديما كانوا يعيشون دون مكيفات و الحـرارة لم تكن بهذا السوء فهو ليس بالضرورة مرتبطا بشكل كبير بظاهرة الاحتباس الحـراري، لكنه يرجع لظاهرة أخرى تعرف بـ «الجـزرالحرارية الحضرية». في عدد نشر في مطلع العام الحالي ذكرت مجلة Scientific American أن متوسط الفرق في درجة حـرارة الصيف «ليلا» بين داخل المدينة والمناطق الريفية هو زيادة بحوالى (3) درجات مئوية لصالح المدينة، وتصل هذه الزيادة أحيانا إلى 12 درجة مئوية (في الليل أيضا). هذا الفرق الملموس يعزى بالدرجة الأولى إلى الأسطح ذات اللون الغامق كالخرسانات والأسفلت، ويأتي بعدها غاز ثاني أكسيد الكربون الصادر من عـوادم السيارات. ولأن هذه الأسطح الغامقة تمتص معظم الحـرارة التي تسقط عليها من ضوء الشمس فمن الطبيعي أن نجدها ــ في النهار ــ أسخن بكثير من الهواء فوقها، بل إنه ــ وبحسب وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) ــ في عـز الصيف تسخن الشمس الاسفلت لدرجات حـرارة قد تصل لخمسين درجة أعلى مما هي في الهواء. لكن وبسبب قوانين الحـرارة (أو الثيرموديناميك) فإن ذلك التباين يتقلص تدريجيا في المساء حيث تنتقل الحـرارة من الاسفلت أو السطح الساخن إلى الهواء الملامس له، وهو ما يجعل درجة حـرارة هواء المدينة يظل ساخنا حتى وقت متأخر من الليل بعكس الأرياف أو حتى الصحـراء الخالية من الأبنية والطرقات المسفلتة وعوادم السيارات. نعم، كان أجدادنا الذين عاشوا في المدن محظوظين. فرغم عدم توفـر المكيفات، لم يكن صيفهم ضيفا ثقيلا جدا. لكن لنتخيل أن كمية العمـران والطرق المسفلتة والمـركبات كانت بنفس حجمها اليوم، هل كان سيظل أحد منهم يعيش في المدينة؟. ralsenan@gmail.com
مشاركة :