خير.. اللهم اجعله خير

  • 3/7/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

النوم رغم أنه صفة ملازمة للبلادة ويعتبر الرياضة الأمثل للكسالى، فإنه الأمر الذي حيّر أكثر العقول نشاطاً في تفسيره وتفسير ما يتصل به. أعتقد أن تلك الحيرة حدثت؛ لأنه تم التعامل مع مرحلة النوم بعيداً عن التفسير الفعلي لها، بأنها مرحلة وسطى بين الموت والحياة، مرحلة البرزخ إن جاز التعبير. نحن كمسلمين نعلم أن النوم مرحلة تمثل "بروفة" للموت، بدليل أننا نحمد الله الذي أحيانا بعد إذ أماتنا حين نستيقظ، وقبل أن ننام ندعو الله أن يرحم أرواحنا إن أمسكها، وأن يحفظها بما يحفظ به عباده الصالحين إن أرسلها لنا مرة أخرى! النوم هو المرحلة التي تنفصل بها الروح عن الدنيا، ولذلك سمّي بالموتة الصغرى؛ لأن روحك تغادر جسدك بوقت النوم، تغادر لتسبح في عوالم مختلفة، فإما أن تكون بصحبة الشياطين أو تسجد تحت عرش الرحمن؛ لنتساءل الآن: أي شيطان يجرؤ على المساس بروح تسجد تحت عرش الرحمن؟ لن أنتظر إجابة؛ لأنني مؤمنة بأن لا شيء أعرفه أو أجهله قادر على المساس بروح بحماية الرحمن. الأحلام عالم غريب؛ لأنه يتصل بالروح التي هي من أمر ربي، ولأن الأحلام شيء يتصل بالوقت الذي تنفصل فيه الروح عن الجسد، فيجب على الإنسان العاقل أن يتعامل معها كفرصة للاتصال أكثر بالله، والسؤال المهم هو كيف نفعل ذلك؟ أظن -والله أعلم- أن السبيل الوحيد لذلك هو أن نكون جنداً لله فعلاً، ليس المعنى هنا أن تحمل حزاماً مفخخاً وتنفجر بأرواح الآخرين فتقتل الناس في سبيل الله، تلك ضلالة ما بعدها ضلالة، وأن تهدم الكعبة أهون عند الله من أن تزهق روح إنسان دون ذنب، دون أن يزهق روحاً أخرى، إن مَن يفعل ذلك يتطاول على أمر من شأن الله وحده؛ إذ إن موعد موت كل روح ومغادرتها للدنيا منوط بالله تعالى، وحده مَن يحدده، حتى ملك الموت ذاته لا يملك في هذا الأمر شيئاً، فهو ينفذ الأوامر فقط. لذلك يجب على الإنسان أن يقاوم هواه ويجاهده طوال يومه بقدر ما يستطيع، وأن يجتهد برفع مستوى تلك المجاهدة يوماً بعد يوم؛ لتصبح كل تفاصيل يومه تتصل بالله، أن يكثر من ذكره وينشغل به، أن يهتم بمعرفة حكم الله في كل ما يفعله، أن يجعل من حكم الله مقياساً يقيس به كل شيء؛ ليصل بنهاية الأمر لأن يصبح رضا الله غايته وهدفه، بهذا الشكل يدرب الإنسان نفسه على أن يصبح يومه عامراً بالله ما استطاع لذلك سبيلاً. في اليوم الذي ينجح فيه الإنسان لأن تصبح كافة تفاصيل يومه متصلة بالله في يقظته، ستسجد روحه تحت عرش الرحمن أثناء نومه، في تلك اللحظة لن تتمكن الشياطين واللاوعي من الاستحواذ عليه، سيصبح كل ما يفعله ويراه رسائل من الرحمن؛ لأن لا شيطان يجرؤ على الاقتراب من روح بحماية الرحمن تسجد تحت عرشه. دعوا عنكم فرويد وهرطقاته، لديكم في الكتاب والسنة ما يكفيكم لمحاربة إبليس ذاته، وليس أوهام فرويد ورفاقه فقط. المسألة باختصار مسألة وعي، أن تدرك ماهية طبيعة وجودك، وما هي معركتك الحقيقية، حتى لا يستدرجك أعوان إبليس -بعلمهم أو دون علمهم- إلى حروب مضلِّلة لا تعنيك في شيء، حربك الوحيدة هي حربك مع إبليس، هذا هي رسالتك الفعلية في الحياة، لن تعتمد حياتك بالآخرة على أي شيء سوى طبيعة صلتك بمن خلقك، وموقعك فيها لن يحدد بناء على منجزك العلمي أو الحضاري، كل أمور الدنيا ستتركها بالدنيا، وستجد نفسك يوماً تقف بين يدي الله الذي سيواجهك بنواياك، سيجعلك تراها رأي العين، لن تفلت من تلك المحاكمة.. هل تتخيل الأمر جيداً الآن؟ أن تقف بمحاكمة وكل جرائمك موثقة بتسجيل عالي الدقة في الصوت والصورة؟ عالي الدقة لدرجة تهِب يديك ورجليك لساناً سينطق ليشهد عليك. لا تفزع، طالما أنت تقرأ هذا الآن، فإن ذلك يعني أن الاختبار لم ينتهِ بعد، والجميل في هذا الاختبار أنه سيقبل انتباهتك ولو كانت قبل ثانية واحدة فقط من انتهاء زمن الاختبار، يكفي أن تشهد على نفسك وتُقر بأنك أخطأت وتطلب العفو لتحفظ لنفسك منزلة في الدار الآخرة لم يستطِع أعظم ملوك الدنيا أن يبلغوها، ولن يستطيع أحد أن يبلغها. هل مررت قبل ذلك باختبار كهذا؟ اختبار يكفي أن تكتب فيه "آسف، أعتذر ولن أفعل ذلك ثانية"؛ لتصبح من العشرة الأوائل. مهلاً.. ثمة أمر مهم، الضمانة الوحيدة على قبولك في هذا الاختبار هو أن تكون صادقاً في اعتذارك، وأن لا تعود فعلاً لفعل ما فعلت، الكذب في هذا الاختبار هو رهان الأغبياء، الذين لا يفهمون بأن الكذب والاحتيال هو أغبى قرار باختبار سينتهي بمحاكمة تتحدث بها الأيدي والأقدام. كن ذكياً، فالأذكياء يراهنون على القلب، يفهمون بأنه وحده القادر على الفوز في محاكمة من هذا النوع. أخيراً وليس آخراً، بقيت توصية أخيرة، طهّر قلبك لتتطهر أحلامك، حين تفعل ذلك سيصبح وقت نومك فرصة لروحك لتسكن في أكثر المناطق حماية في الكون، لتسجد تحت عرش الرحمن، اجتهد في فعل ذلك، وسيصبح حينها لديك القدرة على التمييز بين رسائل الرحمن ووسوسة الشياطين وهرطقات اللاوعي فيما تراه أثناء موتتك الصغرى. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :