2017 موسم الكلام عن حقوق المرأة المصرية بقلم: سعد القرش

  • 3/7/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

حضور المرأة في مواقع المسؤولية في العالم الإسلامي كان خجولا، أما في العالم العربي فهو امتداد لمهامها الأسرية (في وزارات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية)، وأقرب إلى ديكور سياسي تغذيه مفاهيم فقهية بشرية نسختها الحداثة.العرب سعد القرش [نُشر في 2017/03/07، العدد: 10564، ص(9)] لا يجتمع كل هذا العدد، من المدن والعواصم، في قصائد شاعر عربي كما استقر لدى محمود درويش. من القدس إلى بيروت ودمشق والقاهرة وبغداد وعدن وتونس والجزائر والرباط. مدن وعواصم بديلة تمد الأيدي بالرغبة في التبني، ومن يتعدد آباؤه فلا يتأكد له إلا أنه يتيم. والمرأة في بلادنا يتيمة، وسيكون عام 2017 “عام المرأة المصرية” مناسبة لحرائق “الكلام” عن حقوق المرأة وتمكينها ومساواتها بالرجل في ضوء كفاءتها، وغير ذلك من الكلام الكبير الذي سينتهي في ختام هذا العام على طريقة “أسبوع الانضباط المروري”، ثم نرتد إلى نقطة الصفر. يخلو قاموس الدول التي قطعت شوطا في احترام القانون من كلمتيْ “أسبوع الانضباط”؛ لأن الانضباط سلوك حضاري تلقائي، ممارسة مستمرة تنبع من احترام المواطن لنفسه في غياب سلطات العقاب، أما الإصرار على تخصيص “أسبوع للانضباط” فهو دعوة إلى احتمال قسوة “الأذى”، وتجاوز “محنة” لن تزيد على سبعة أيام، وربما يكون إقرارا بأن بقية العام فوضى وانفلات وتحايل على القانون. وفي مبدأ التخصيص تمييز لاستثناء يؤكد القاعدة؛ فيوم اليتيم يعني أن بقية أيام السنة لا تخصه، وأفلام المرأة توحي بانخفاض سقف الخيال وعدم الجدارة بالمنافسة مع “الأفلام”، وفي مهرجانات سينما المرأة ومسرح المرأة شيء من العزاء، وأدب المرأة مصطلح ترفضه رائدات في عالم الكتابة وفي العمل النسوي الذي يرينه نشاطا إنسانيا تصادف أنه يدافع عن فئة مظلومة تاريخيا. حضور المرأة في مواقع المسؤولية في العالم الإسلامي كان خجولا، أما في العالم العربي فهو امتداد لمهامها الأسرية (في وزارات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية)، وأقرب إلى ديكور سياسي تغذيه مفاهيم فقهية بشرية نسختها الحداثة، والإصرار على التمسك بها يسيء إلى الدين، ويعني بشكل غير مباشر أن له جغرافيا لا تعبُـرها تعاليمه؛ فلا يستنكر حرس “الشريعة” أن تحكم امرأة بريطانيا وألمانيا والبرازيل والأرجنتين، ولكنهم يستدعون الفقه في تولي المرأة المسلمة للرئاسة أو القضاء، جاهزين بأسلحة مشهرة “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، “يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار”، “المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان”. ومن المستبعد حاليا قبول الشارع العربي لتولي امرأة وزارة غير “أُسرية” مثل الداخلية والدفاع، وبحدوث ذلك التحدي نكون قد تجاوزنا صرامة الحكم الديني والعسكري والقبلي، وأنهينا الجدل في قضايا ستكون من الماضي، عن حق الزوج في تأديب زوجته بالضرب، وحق المرأة في إنهاء الزواج من دون افتكاك نفسها بفداء مادي يسمونه الخلع، وحق المرأة في السفر وحدها، وليس الأمر الأخير مزحة، ففي الشهر الماضي (فبراير 2017) قرر الحاكم العسكري لمنطقة شرق ليبيا منع سفر الليبيات دون سن الستين إلى الخارج من دون محرم، “لدواعي المصلحة العامة والحد من السلبيات التي تصاحب سفر الليبيات”. لولا مثل هذا القرار لزعمنا أن في “الكلام” عن التحيز ضد المرأة البعض من المبالغة أحيانا، لأن الرجل يقع عليه ظلم أيضا، ويُحرم من بلوغ مواقع تؤهله لها قدراته، ولكن المرأة ابتليت بظلم مضاعف، مرة كمواطن تتساوى في الظلم فقط مع الرجل، وثانية كامرأة يحتاج منحها حق المساواة إلى تفكير وإعادة نظر، والأسوأ حين لا تنصفها امرأة. كان لافتا أن يخلو مؤتمر يشارك فيه نحو 150 كاتبا عربيا وأجنبيا من اسم نوال السعداوي. جرى ذلك في المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، بداية من السبت 23 أكتوبر 1999 ولمدة ستة أيام حافلة بكل شيء، بما في ذلك عروض الأفلام، من “الضحايا” الذي أخرجته بهيجة حافظ عام 1932، إلى الفيلم التجاري “دانتيلا” لإيناس الدغيدي. بعد 15 عاما، ستقول نوال السعداوي إن هذا التجاهل نتيجة لرفضها مد أي جسور مع السلطة، إذ فصلت من عملها بسبب الدعوة إلى عدم ختان الإناث في كتابها “المرأة والجنس” في أوائل الستينات، وتساءلت “كيف لا أدعى إلى مؤتمر يناقش قضايا المرأة؟”. في عام 2001 قرأت ترجمة عربية لكتاب “النساء والحركات الإسلامية والدولة”، وتوقعت أن أجد بين من قابلتهن المؤلفة المصرية د. عزة كرم، مساحة لنوال السعداوي، ولكن المؤلفة اكتفت في المراجع الأجنبية بالإشارة إلى الترجمة الإنكليزية لكتاب السعداوي “الوجه العاري للمرأة العربية”، وفي الصفحة الأولى التي اتسعت للعشرات ممن وجهت إليهن الشكـر، قالت “أما تحديد ضرورة هذا العمل وبؤرة تركيزه، فأدين بـه لخبرتي في العمـل مع نوال السعداوي”، على طريقة نحن نشكر أنفسنا. هل كان تجاهل نوال السعداوي وتراثها سببه التنافس على إرضاء الآخر؟ لا تخفي المؤلفة تأثير المجتمع الأكاديمي الغربي “على عملية كتابة البحث… بحثي لا يستهدف فحسب القراء، سواء من النسويات أو غيرهن، في بلدي أو الجمهور الغربي بشكل عام، ولكنني، في واقع الأمر أضع في الاعتبار ضرورة قراءة الأكاديميين الغربيين لهذا البحث وإقراره، حتى قبل قبوله كبحث على الإطلاق. وهذه اعتبارات على درجة كبيرة من الأهمية ولا يمكنني تجاهلها. ويمكن القول إن آثار هذا الواقع على معتقداتي الأكاديمية والنسوية، فضلا عن آثاره على الناتج النهائي للكتابة، تعتبر حافزة، في أحسن الأحوال، ومثيرة للإحباط في أسوأها”. أترك هذا الاعتراف الشجاع، وأذهب إلى سيرة عبدالوهاب المسيري. ففي امتحان تمهيدي لرسالته للدكتوراه بعنوان “الأعمال النقدية لوليام وردزورث ووالت ويتمان: دراسة في الوجدان التاريخي والوجدان المعادي للتاريخ” طالبه أحد الأساتذة بوضع وصف “لمقرر لدراسة تاريخ النظرية النقدية الأدبية. وبطبيعة الحال، كنت أعرف أنهم يريدونني أن أبدأ بأرسطو أو أفلاطون، ولكنني قررت أن أصدمهم فقلت: الجرجاني، لأذكرهم بهويتي، دمنهوري مصري عربي مسلم يطل عليهم كأحد علماء الأنثروبولوجيا ويدرس حضارتهم دون أن يكون جزءا منها. فسألوني من عسى أن يكون الجرجاني؟ فقلت لهم إنه ناقد عربي كلاسيكي مهم، وصاحب نظرية نقدية رائدة. فقالوا حسنا، لو كنت في الولايات المتحدة، مـاذا كنت ستفعل؟’ فتنطعت وقلت أنا لا أنوي البقاء في الولايات المتحدة تحت أي ظروف”. أعود إلى مؤتمر “100 عام على تحرير المرأة العربية”، ما الذي بقي منه أكثر من 13 كتابا؟ وقد احتشد بنحو 150 كاتبا عربيا وأجنبيا، وافتتح بكلمة “السيدة حرم السيد رئيس الجمهورية”، وأنطقها مقرر لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس القومي للمرأة جابر عصفور بكلمة “تفعيل”، ولم يسأل مشارك من تكون المرأة التي تحررت عام 1899؟ اللهم تلك الخارجة من الخيال الاستشراقي والخاضعة لاستلاب طوعي تركي، أما المصريات “الحقيقيات” فكن “شقائق الرجال” في البيوت والمزارع والحقول والمصانع الصغيرة، ولا يخجلن من وجوههن، وصدق الإمام محمد عبده بقوله “لا نجد نصا في الشريعة يوجب الحجاب (النقاب الحالي)… وإنما هي عادة عرضت عليهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت من الناس باسم الدين والدين منها براء”. روائي مصري سعد القرش

مشاركة :