أمي وعيد المرأة وأكثر من خمسين عاما من الحنين اليها

  • 3/8/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أمي وعيد المرأة وأكثر من خمسين عاما من الحنين اليها ا.د. عبد الكاظم العبودي 8 مارس لكل السنوات أطال الله بعمر الوالدة الحاجة ام كاظم ، والدتي الغالية: فقد كانت تخاف الاحتفالات بعيد المرأة عندما كنت أورطها في حضور الاحتفالات السرية بهذا اليوم عندما كانت رفيقاتنا من عضوات رابطة المرأة العراقية تنظمها كل عام في صرائف وبيوت المنكوبين الطينية، في محلة الوشاش على ضفاف شطيط..(نهر الخر). امي الفلاحة الريفية الامية، كانت شاعرة بامتياز، بسليقتها ولهجتها الميسانية ، كم من مرة صححت للشاعر مظفر النواب بعض قصائده باعتراضها على دلالات المعاني في كلمات لهجة عشيرتنا من البو محمد، التي وظفها بابداع شاعرنا مظفر النواب. يقيني ان امي ستكون أكثر حزنا الليلة لانها لم تعلم بمصير الشاعر مظفر النواب الذي تحفظ له ىاكثر من قصيدة وفي مقدمتها قصيدة ” براءة” ، اكيد انها لازالت تختزن بعضا من دمعها في عيونها للنوائب القادمة التي تعصف بالعراق. كانت امي مناضلة عربية واممية، ترجمت مبادراتها بطريقتها الخاصة، فقد اعدت الطعام وارسلته الى المساجين والموقوفين السياسيين الذين لا يزورهم اهلهم في الموقف العام، حينها، خشية انتقام السلطة. وهي بذكائها وعمق فطنتها وشجاعتها أوصلت اكثر من وجبة طعام، وخيطت اكثر من رقعة لقميص، لمناضل متشرد ومختفي ببيتنا..عن عيون السلطة. أمي هي ام الحركة الوطنية، أطعمت اصدقائي وحتى خصومي في الفكر والممارسة السياسية … كانت تعرف البعثيين والشيوعيين والقوميين، وحتى الاكراد والارمن والصابئة والمسيحيين وتفرح لمجيئهم الى صريفتنا المتواضعة ، كانت لها فراستها في معرفة الابطال ،وتميز مواقفهم، وتعاتبهم على اسباب الخلاف الذي كان يحتدم بيننا ونحن شباب. أمي لازالت تحفظ الاسماء من المناضلين والمجاهدين وحتى الشهداء والسجناء الذين زاروا بيتنا في مناسبات عديدة. أمي انتمت الى العراق كله، وان لم تنتم الى حزب او تنظيم سياسي معين، كانت تبارك بنات قريتنا من الرابطيات الناشطات في خدمة الحركة النسوية بسرية في صرايف المنكوبين وكانت تشجع على اقامة احتفالاتهن المتواضعة بصريفتنا وفي رحاب كوخنا الطيني، رغم ضيقه، . أمي كانت تحرس الشارع خشية هجمات ومراقبة عيون السلطة ومداهماتها المفاجئة في مثل تلك المناسبات وخاصة بمناسبة عيد المرأة العالمي. كانت امي تحضر معنا في فعاليات اجتماعية ننظمها لحضور عرض فلم عن رواية لمكسيم غوركي بعنوان ” الام” كانت تعرض في سينما روكسي ، وبذلك كانت أمي تتعلم النضال ، وتعلم بقية الفتيات كيف يمكنهن ان يكن مناضلات وامهات ومجاهدات حتى من دون انضمام لحزب معين. أمي انتمت الى المدرسة الوطنية العراقية فخورة ، وتعلمت تهجي بعض الحروف، وكانت اسعد لحظاتها عندما كتبت اسمي واسمها على اول ورقة في دفترها وهي تتعلم بمركز محو الامية بالوشاش. أمي كانت تشارك الامهات حزنهن باعتقال ومطاردة اولادهن من المناضلين من كل الاحزاب السياسية الناشطة في محلتنا في صرائف ” البيجية” المسماة قرية المنكوبين، وبعدها انتقلنا الى الشعلة. كانت أمي اول من تزغرد ، بفرح وتنشر الحلوى للاطفال في الشارع تسديدا للنذور و ” الواهلية” باستقبال المناضلين العائدين من السجون او عند اطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات بمناسبات العفو العام. امي هي السيدة فاطمة الفواطم، لها الشرف انها اعتقلت يوما ببغداد عندما كانت تحمل اواسط الخمسينيات راية الثورة الجزائرية ، وتشارك في مظاهرة لتأييد ثورة الأوراس دون ان تعلم ان الجزائر بعيدة عن العراق وتقع في شمال افريقيا، او انها ليست مدينة تقع بجانب محافظة ميسان، كانت تتابع الاخبار رغم عدم توفر راديو او تلفزيون او صحافة آنذاك . امي احبت الجزائر، وردت على تحقيق الشرطة معهاد مؤكدة انها تحب الجزائر لان ولدها كاظم كاظم يحب الجزائر ويفتخر ببطولة ثوار القصبة ويقرأ نشيد الثورة الجزائرية ” قسما” كل صباح في ساحة مدرسة الخلد الابتدائية بالوشاش. اني احتفي هذا العام بأمي، وحدها دون كل النساء، واكتب لها استثناء ، بكتابة هذه المقالة، وهي تعيش ببغداد المحتلة حزينة باكية وقلقة ، وهي التي شارفت 85 عاما . ينسلخ من تعداد سنين عمر الوالدة أكثر من نصف قرن، لم تكن قريبة مني ، ولم اكن قريبا منها، عاشت الوالدة ، بسببي الى اليوم ، وهي قلقة علي، مذ كنت شابا حتى اصبحت شيخا ، وانا اغامر، دون توقف في النشاط السياسي، والتخفي عن الانظار في العراق، وبعدها اضطرتني ظروف القمع والمطاردة الى الهجرة والعيش في المنافي، لم اراها قرابة خمس واربعين سنة متواصلة ، اعيش فيها منفيا خارج الوطن. لك كل الحب والدتي الغالية، ام كاظم. ام الشهداء. امي خلال سنوات اغترابي الطويلة، فارقت المرحوم والدي، وكانت شاهدة على دفن اكثر من شهيد من اسرتنا وابناء عمومتنا ، قضوا نحبهم في سوح النضال، وبمعترك الاحداث العراقية العاصفة وخلال سنوات الحروب والغزو والاحتلال. اسمحوا لي باسمكن جميعا ان احي السيدة المجاهدة الكادحة، الفقيرة لله، ام الشهيد جمعة العبودي، وهي السيدة الفاضلة فاطمة رحيمة محسر العبودي، المولودة في عام 1928، بقرية الميمونة ” ام عين” باطراف قضاء المجر الكبير بمحافظة ميسان . التوقيع ولدك ا.د. عبد الكاظم العبودي يكتبها في حنين لذكريات 8 مارس / آذار وبكل الشوق لذكرى الخمسين سنة التي خلت، كنت ولا زلت محتفلا بك، اما عراقية وعربية ، ميسانية، رائعة ، أحمل لها كل معاني الوفاء، ولوطن اسمه العراق، بلدي ومرفع رأسي .

مشاركة :