حسن السبع صانع البهجة ورائد الأدب الساخر

  • 3/8/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

متأخراً، جاء التكريم لواحد من الشعراء السعوديين الذين صنعوا البهجة على مدى أربعين عاماً. ورغم أن التكريم نهض به أصدقاء ومحبو الشاعر ومجتمعه المحلي، في غياب المؤسسات الثقافية والإعلامية التي خدمها على مدى عقود، فإن الحفل كان نابضاً بالوفاء، وزاخراً بتجربة الشاعر الثرية في الشعر والأدب والعمل الصحافي. شهدت أمسية تكريم الشاعر حسن السبع، التي أقيمت في نادي الخليج بسيهات شرق السعودية، مساء (أول من أمس)، حضوراً مميزاً لزملاء الحرف ورفاق الدرب، وفاضت مشاعرهم بالكلمات والقوافي. لكن الغائب الأكبر عن تلك الأمسية هو الشعر الذي نبغ به حسن السبع، وهو الشعر الفكاهي، إضافة إلى أدبه الساخر. أصدر حسن السبع (المولود سنة 1948) ثلاث مجموعات شعرية: (زيتها وسهر القناديل) و(حديقة الزمن الآتي)، و(ركلات ترجيح). وأخيراً اهتدى إلى غواية الرواية حيث أصدر روايته «ليالي عنان: حكاية صبية بغدادية»، وهي نوع من الفانتازيا تمزج بين التاريخ والراهن، وبين الحلم والواقع، وبين الماضي والحاضر. رغم كتابته الشعر الرومانسي بإيقاع عذب، فإن حسن السبع يميل أكثر إلى شعر الفكاهة، لكن بمضمون نقدي عميق. وأغلب صور التشبيه التي تحفل بها قصائده الساخرة، تمثل نقداً اجتماعياً لاذعاً، بلغة رشيقة تعالج في مقطوعات صغيرة وبأسلوب النكتة قضايا اجتماعية حادة... كما يعتمد السبع على ملكة لغوية زاخرة بالمفردات العربية، وعلى إرث الشعراء الذين برعوا في الأدب الساخر كالجاحظ، لكنه استطاع تطوير أدوات النقد اللاذع لديه، ليرسم من خلال مقطوعاته صوراً كاريكاتورية لشخصياته الشعرية. يعتقد حسن السبع أن مهمة الكاتب والشاعر أن يمتع القارئ وليس صناعة التغيير. وفي حوار معنا قال مدافعاً عن الشعر الفكاهي: «اعترض أحد القراء على كتاباتي الهازلة بأن (البالَ مشغولٌ). ويبدو لي أن بال القارئ مشغول لأن سفينة الحياة في العالم العربي على وشك الغرق، وأنه لا قدرة له على الضحك. وكأن التجهم هو الذي سينقذ السفينة من الغرق». يضيف: «أوشك بعضهم أن ينظر إلى هذا اللون الأدبي وكأنه (مؤامرة) من تدبير الأعداء. قلت للقارئ صاحب (البال المشغول) الذي يستكثر علينا الابتسامة في هذا العصر الضاج بالبكاء: لن يتوقف النشيد لو نقصت الجوقة عازفا واحدا، ولن يضارَّ الفضاء الفسيح لو نأى طائر واحد عن السرب، ولن يتوقف سيل الدموع لو غاب عن المأتم بكَّاء واحد». في أمسية التكريم، ألقى الشاعر أحمد الملا، رئيس فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، كلمة قال فيها: «ليس بقرينه الشعر، ولا عبر مقالته المستمرة منذ عقود، ولا برواية أصدرها متأخرا؛ يمكن أن تتعرف عليه. فمن لم يعرف حسن السبع عن قرب، عليه أن يجد أكثر من بديل ليواسيه في هذه الحياة... إذ يندر امتزاج تلك الفرادات الشخصية في كائن شفاف... شيخ بين الشيوخ، يفضحه قلب طفل، مفعم بحماسة الشغوف بالحياة وهو يراها مقبلة». يضيف الملا: «لن تعدم أن تجد في من حولك، المطبوع شعرا ورقة، ولربما تجد الصديق المازح بتقدير والبشوش عند كل لقاء... وربما تعثر على متأمل في اللحظة الراهنة بوعي معرفي، التراثي في استشهاداته الملتقطة من بطون الكتب العتيقة... وستجد من له خصلة العطف والحنان على عثرات الأصدقاء. العاذر عند السهو، المتعفف عن مزاحمة اللاهثين، المشفق على الآخرين والساخر بضحكة يستر انفجارها بيد خجولة... نعم ستجد من يتمتع منعما بخصلة مما سبق لكن حسن السبع يوفر عليك مجلسا مكتظا بكل وجوهه السمحة ويأتيك بكله لا راجيا ولا ثقيلا». أما الدكتور مبارك الخالدي، عضو جمعية الثقافة والفنون، وزميل السبع سابقاً في عضوية النادي الأدبي، فيقول في كلمته: «حسن السبع المنسجم في نفسه والمتسامح مع العالم... حسن السبع الكائن المجبول من تواضع وتسامح، والإنسان الذي يتمتع بقدرة هائلة على التواصل والتعايش مع الآخرين على اختلافهم فكرياً واجتماعيا وطائفياً ومناطقياً وسياسيا». يضيف: «إن التعددية هي أدقُ وصفٍ تُوصَفَ به مصادرُ حسن السبع المعرفية ِوالثقافية، لإجادته لغتين أجنبيتين هما الفرنسية والإنجليزية، ما مكنّه من النهلِ من منابعِ الثقافتين الفرانكفونية والأنغلوساكسونية، إلى جانبِ الثقافة العربية، فالأديب السبع يتميز بعمقِ معرفته وقوة صلته بالتراث العربي الذي أخذَ أجملَ ما فيه واستوعبَه، ولم يسجن فيه، كما قال بنفسه في حوار صحافي؛ فكان أن تجاورَ وتعايشَ فيه القديمُ والجديد، التراثي والحداثي كما يبدو جلياً في نثره وشعره وسرده». أما الشاعر جاسم الصحيّح، فألقى قصيدة بعنوان «ممحاة الضجر»، قال في مقدمتها: «حسن السبع هو الشاعر الذي يغسلُنا على شاطئِ هذه الليلة التي هي خيرٌ من ألفِ نهر... الشاعر القادم في (زيتها وسهر القناديل)... الحالم في (حديقة الزمن الآتي) والباسم في (ركلات ترجيح)... والشاعر الذي يُسْكِنُ الجمالَ على عرش الحروفِ، ويرحلُ بنا بعيداً عن ذواتِنا الموجَعَة كي نَحِلَّ في ذواتِنا العاشقة على أمل أن نحبَّ أكثر... وكلما أحسَّ بجرحهِ يكادُ أن يلتهب، غسلَهُ بالنغم الضاحك وضمَّده بقافية الفكاهة. إنَّهُ الشاعر الكبير حسن السبع... المفرط في هدوئه وكأنه مقيم في معبد، والمفرط في طفولته وكأنّ عمره لم يبدأ بعد».

مشاركة :