تعد الغدة الدرقية من أكبر الغدد الصماء في جسم الإنسان، وتتكون من فصين على شكل جناحي الفراشة، وتوجد في الرقبة من الناحية الأمامية بين الحنجرة والعضلات تحت الغضروف الدرقي، ويوجد خلايا في النسيج المبطن لها تسمى الخلايا الكيسية، ومهمة هذه الخلايا إنتاج وإفراز هرمونات الغدة الدرقية وهي «الثيروكسين» و «ثلاثي يودو ثيرونين» والكاليسيتونين، وهذه الهرمونات لها مهام ووظائف كثيرة في الجسم، وتعد الغدة الدرقية من الغدد التي تصل إفرازاتها إلى الدم مباشرة، وليس هناك وسيط أو ناقل ولا قنوات خاصة لنقل هذه الإفرازات.تؤدي هذه الغدة دوراً حيوياً ومهماً في عملية نمو الجسم وتطور الخلايا العقلية، ويمتد هذا الدور إلى الجنين في بطن أمه، أي حتى قبل الولادة تقوم بهذه المهمة، وهو ما يبين لنا اهتمام الأطباء المتخصصين في متابعة الحوامل بإجراء فحوص الغدة الدرقية للأم، لمعرفة ما إذا كانت تعمل بشكل طبيعي وصحي، أم هناك بعض الخلل، ليتم علاجه في أسرع وقت خوفاً من التأثير على حالة الجنين، وخلق مشاكل مبكراً يمكن أن تسبب في بعض التشوهات الخلقية فيما بعد، وعند حدوث بعض المشاكل والأمراض في الغدة الدرقية تظهر بعض الأعراض الصحية والعلامات التي تميز الخلل الذي يحدث في الغدة.وظائف الغدة وقبل التعرف إلى أمراض الغدة الدرقية لابد من شرح وظائفها، حتى يتضح لنا من أين يأتي الخلل، فهرمون الثيروكسين الذي تفرزه الغدة لها مهمة كبيرة في تنظيم عملية الأيض في الجسم، مثل عملية هضم الدهون والبروتين والكربوهيدرات، وهرمون الكالسيتونين من وظائفه عمل توازن في الكاليسيوم، عن طريق تنظيم أيض الكاليسيوم داخل الجسم، وينظم معدلات إنتاج هرمونات الغدة الدرقية نفسها، وهذه الهرمونات تبعث رسائل كيميائية وإشارات لأعضاء الجسم وأنسجته من خلال الدم، وبالتالي هي المسؤولة عن سرعة التمثيل الغذائي والتفاعلات الكيميائية الداخلية في الجسم، ولذلك نجد أن هرمونات الغدة الدرقية تتحكم في درجة حرارة الجسم، وكمية الطاقة الداخلية، وحالة الشهية والدورة الدموية، واكتمال الهيكل العظمي والعضلات والنمو ككل، ومعدل نشاط القلب وكمية السكر وكمية الدهون والكوليسترول في الدم، ومقدار الحركة، وأيضاً وظيفة الجهاز العصبي المركزي، ووظائف المعدة والأمعاء، وتنظيم عملية الأيض للبروتين والكربوهيدرات والدهون في جميع خلايا الجسم، أي أن الغدة الدرقية لها دور كبير في الحياة والنمو وضبط الحالة الصحية للإنسان.أين الخلل؟ كلما كانت معدلات إفراز هرمونات الغدة الدرقية في الحدود الطبيعية والآمنة، فليس هناك أضرار على الجسم، بل يستمر النمو والبناء بصورة جيدة للجسم، ويبدأ الخلل عندما تقل كميات هذه الهرمونات أو تزيد عن المعدلات الطبيعية، فكلتا الحالتين تسبب خطورة على الشخص المصاب، ففي حالة نقص هذه الهرمونات يقل مستوى النمو والتطور في الجسم بصورة ملحوظة، أما في حالة زيادة هذه الهرمونات عن الحدود الطبيعية المعتادة، فإن ذلك يقود إلى تكسير بعض خلايا الجسم، أي يظهر معدل الهدم سريعاً في أنسجة الشخص، وهناك 3 أنواع من مشاكل الغدة الدرقية تسبب خللاً في وظائفها، النوع الأول من هذه المشاكل حدوث خلل واضح في حجم الغدة الدرقية، بمعنى زيادة حجمها عن الطبيعي بصورة كبيرة، والنوع الثاني من الخلل الذي يصيب الغدة نقص في وظائف الغدة وقلة الهرمونات التي تفرزها، والنوع الثالث نشاط زائد للغدة ينتج عنه حدوث زيادة كبيرة في معدلات إفراز الهرمونات، وكل حالة من الحالات الثلاثة تظهر أعراض مختلفة، وفي بعض الحالات المصابة يمكن أن يكون هناك خلل في حجم الغدة الدرقية نفسها مع وجود اضطراب في وظيفتها سواء زيادة أو نقص الإفرازات الهرمونية، وفي هذه الحالة تظهر أعراض النوعين على الشخص المريض.حجم كبير نستعرض أنواعاً من الاضطرابات التي تصيب الغدة الدرقية مع الأعراض التي تظهر مع كل نوع، أولاً حدوث خلل في حجم الغدة الدرقية، وهذا النوع من الخلل في معظم الحالات يكون زيادة في حجم الغدة، وتحدث هذه الزيادة إما في جزء من الغدة على هيئة بروز نتوءات وعقد تظهر على سطح الغدة، أو تكون هذه الزيادة في الغدة كلها وتظهر منتفخة متورمة كبيرة الحجم عن المعتاد، وتتحدد الأعراض على حسب هذه الزيادة في حجم الغدة، وهذه الأعراض غالباً ما تكون موضعية ناجمة عن الضغط على الأنسجة والأعضاء الملاصقة للغدة، نتيجة زيادة الحجم فقط، وعدم وجود أي خلل في وظيفة الغدة، ومن هذه الأعراض حدوث شرقة وصعوبة كبيرة أثناء عملية البلع، مع الإحساس بضيق ملحوظ في التنفس، وفي بعض الحالات يحدث بحة بسيطة في صوت المريض بسبب ضغط الغدة على عصب المبهم أو الحائر الموجود بالرقبة، ومن ناحية الشكل العام الجمالي يحدث تشوه ملحوظ في الرقبة عند الزيادة الكبيرة لحجم الغدة، هذه الحالة تؤثر نفسياً على النساء، لأنها أكثر انتشاراً بينهن، ويمكن أن تصاب بحالة من الاكتئاب، وهذه الأعراض السابقة تتوقف على حجم الزيادة في حجم الغدة الدرقية، ومن المهم لمريض هذه الحالة أن يجري الفحوصات الضرورية، للتأكد أن الورم من النوع الحميد، وأن يتابع باستمرار مع أخصائي الغدد الصماء، لعدم تحول الورم إلى خبيث في أي وقت. نقص الهرمونات النوع الثاني هو نقص في وظيفة الغدة الدرقية أو ما يعرف إصابة الغدة بحالة من الخمول والكسل، ويتبع ذلك قلة في إفراز الهرمونات التي تنتجها، وتتوقف عن إنتاج الكميات الكافية من هرمون الثيروكسين وهرمون ثلاثي يودو ثيرونين، والأخير يتحول في أنسجة الجسم إلى الثيروكسين، وهذان النوعان من الهرمونات يساعدان على القيام بعملية التمثيل الغذائي داخل خلايا الجسم، ونشاط الدورة الدموية، والمساعدة على اكتمال العملية الهضمية في المعدة، ومن الأعراض التي تظهر على الأشخاص المصابين بهذه الحالة، هي النسيان وفقدان القدرة على التركيز وبطء في التفكير، وحدوث تشتت كبير وعدم القدرة على الاستنتاج، ووهن في العضلات وعدم تحركها بشكل طبيعي، والإصابة بنوع من التعب والخمول والكسل والإعياء والإرهاق المستمر، وإصابة الجلد بالخشونة والجفاف والتقشر، وحدوث ضعف وتساقط كبير في الشعر، وقد يصل الأمر إلى سقوط شعر الحواجب، ويشعر الشخص بعدم تحمل البرد، وتورم ببعض مناطق الجسم، وزيادة في الوزن غير المبررة، لأن شهية المصاب ضعيفة، والإصابة بحالة من الإمساك المزمن، ونبض بطيء وخلل في دقات القلب، وأحياناً ورم في العنق، وفي السيدات لا تنتظم الدورة الشهرية، وكل هذه الأعراض تقود إلى الإصابة بحالة اكتئاب. فرط النشاط ًالخلل الثالث الذي يصيب الغدة الدرقية خلل وظيفي أيضاً، ويتمثل في زيادة وفرط نشاط الغدة الدرقية، ومن ثم زيادة إفرازات الهرمونات التي تنتجها، وهناك أسباب لذلك النشاط، وهو الإصابة بمرض جريفير، وهو مرض ناتج عن خلل أصاب الجهاز المناعي في الجسم، وهو من أمراض الجهاز المناعي والأكثر شيوعاً لحالة فرط نشاط الغدة، أو في حالة حدوث أورام في الغدة، والتي تزيد من كميات الهرمونات، سواء حميدة أو خبيثة ما يسبب حدوث خلل في التوازن الكيميائي للجسم، وأيضاً في حالة حدوث ورم في الغدة النخامية، ومن أعراض هذه الحالة الإصابة بالعصبية الشديدة، وعدم القدرة على تحمل الجو الحار، وزيادة في النشاط والحركة والكلام، وتعرق وسخونة مستمرة في اليد، وسرعة واضحة في ضربات القلب دون بذل أي مجهود، حتى أثناء الخلود للنوم، إصابة الشخص بحالة من الشراهة نحو الطعام، ورغم ذلك لا يظهر على وزنه، بل يحدث نقص شديد في الوزن، ولدى السيدات يحدث خلل وعدم انتظام في الدورة الشهرية، ويسقط الشعر، ويحدث جحوظ للعين، وارتفاع في ضغط الدم، وحالة من الإسهال الدائم، وعدم القدرة على النوم بعمق لساعات طويلة، وفي بعض الحالات يصاب الشخص بالاكتئاب.الجراحة والأدوية علاج حالة زيادة حجم الغدة الدرقية في الغالب التدخل الجراحي، ثم يتم العلاج الدوائي بعد الجراحة حسب تطور الحالة وتماثلها للشفاء، المهم التأكد أن الورم حميد، أما علاج حالة نقص وظائف الغدة الدرقية فسهل، وذلك من خلال تناول حبوب بديلة لهرمون ثيروكسين لتعويض النقص ويتم العلاج لدى مختص أمراض الغدد الصماء ولا تحتاج إلى عملية التدخل الجراحي، وغالباً ما تختفي أعراض هذه الحالة تدريجياً في خلال 5 أسابيع من العلاج، والمتابعة حتى اختفاء جميع الأعراض، وعلاج حالة الإفراط في نشاط الغدة الدرقية بتناول أدوية تقلل من إفراز هرمون ثيروكسين، ويمكن التدخل الجراحي أيضاً في بعض الحالات. نسب الإصابة بين الرجال والنساء تشير الدراسات إلى أن مرض الغدة الدرقية ينتشر بين النساء أكثر من الرجال بصورة كبيرة، حيث تصل معدلات الإصابة به بينهن إلى 10 سيدات مقابل كل رجل واحد، وأن الغدة الدرقية من الغدد الحساسة بصورة عالية للإصابة بالأمراض، وهي تسبب حالة من الانزعاج والأرق لدى المصابين، بسبب حجم الخلل الذي تسببه في الجسم، ويجب عدم الإهمال في هذه الحالة، أو الاستماع فقط إلى بعض الوصفات الشعبية من الآخرين، والتي يمكن أن تضر أكثر مما تنفع في هذه الحالة، بل من الضروري مراجعة الطبيب المختص لعمل اللازم، ووضع برنامج وخطة للعلاج، ويجب متابعة حالة العين إن أصابتها بعض أضرار هذه الغدة، وتبشر الدراسات بأن علاج الغدة الدرقية سهل وبسيط ويأتي بنتائج عالية، سواء كان جراحياً أو دوائياً أو بالنظائر المشعة، إذا تم التشخيص السليم والصحيح.
مشاركة :