الحرب تدخل قاموس الصم والبكم في سوريا

  • 3/10/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الصم والبكم في سورياإذا كانت معاناة السوريين العاديين في دمشق قاسية ومتفاوتة، فإن معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة مضاعفة إذ تخونهم لغة التواصل في فهم ما يحدث حولهم والتعبير عن آرائهم عند التقائهم بالبشر العاديين، وخاصة عند نقاط التفتيش النظامية التي يظن المشرفون عليها أن هؤلاء يسخرون منهم بعدم التكلم والإجابة عن أسئلتهم، ما يعرضهم لمشاكل عديدة، أخيرا حاول هؤلاء ابتكار إشارات لم تكن موجودة ليتمكنوا من مواكبة ما يحدث في بلدهم.العرب  [نُشر في 2017/03/10، العدد: 10567، ص(20)]أصابع للحكومة وأخرى للمعارضة دمشق - داخل إحدى قاعات مركز متخصص في دمشق، يبتكر رياض حمص وشقيقته بشر وهما من الصم والبكم، إشارات جديدة للتخاطب والتحدث عن الحرب التي تعصف ببلدهما سوريا منذ ست سنوات. ومنذ اندلاع النزاع الذي يدخل عامه السابع الأسبوع المقبل، بات ذوو الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم في سوريا بحاجة إلى استخدام إشارات جديدة للحديث عن الوضع الميداني أو للتعبير عن مشاعرهم ومعاناتهم التي أصبحت مضاعفة. ومن التعابير الجديدة التي يستخدمها رياض وبشر داخل مركز إيماء لخدمة الصم والبكم في حي الميدان كلمة تنظيم الدولة الإسلامية على سبيل المثال. وللتعبير عن ذلك، ترفع نائبة رئيس المركز وصال الأحدب (26 عاما) البنصر (ما يعنى حرف الياء بالإنكليزية) وتضم الإبهام إلى السبابة والوسطى (حرف السين بالإنكليزي) مرتين، ما يعني بالإنكليزية “إيزيس” أي تنظيم “الدولة الإسلامية” بالعربية. ويعني وضع الإصبعين على راحة اليد كلمة الحكومة، إشارة إلى النجمتين الموجودتين على العلم السوري، أما وضع ثلاثة أصابع على راحة اليد، فهذا يشير إلى المعارضة نسبة إلى النجوم الثلاث الموجودة على علمها، أما وضع اليدين على العينين فيعني الخطف. وتقول الأحدب الحائزة على إجازة في هندسة الطب الحيوي “كان علينا ابتكار (إشارات) كلمات لم تكن موجودة في لغة الصم والبكم في سوريا للتمكّن من التواصل وتبادل المعلومات او المشاعر حول سريان العنف”. وبعد ابتكار هذه الإشارات، يتم تصويرها وعرضها على صفحة خاصة على موقع فيسبوك، حيث يتداولها ويناقشها الصم والبكم. ويوضح رئيس مركز إيماء علي اكريم، أنه رغم أن الحرب تركت تداعياتها على السوريين كافة، إلا أن هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة تأثرت بالأحداث مضاعفة لأنها تعاني منها من دون أن تتمكن من إدراك ما يدور حولها. وبحسب الإحصاءات الرسمية، يبلغ تعداد الصم والبكم في سوريا نحو عشرين ألفا، لكن اكريم يشير إلى أن العدد الفعلي قد يكون خمسة أضعاف ذلك.وضع الإصبعين على راحة اليد تعني كلمة الحكومة، إشارة إلى النجمتين الموجودتين على العلم السوري ويروي رياض (21 عاما) الذي يشارك في ابتكار المفردات الجديدة، تجربة مأساوية عاشها جراء الحرب، حين وقع قتل والدته وشقيقه وشقيقته، بالإضافة إلى خالته وعمه وثلاثة من أبناء عمه برصاص قناصة على مرأى من عينيه دون أن يدرك ماذا يحصل، لدى محاولتهم الهرب على متن شاحنة من الحي الذي كانوا يقيمون فيه. ويقول هذا الشاب الذي تعلو وجهه ابتسامة خجولة وهو موظف في أحد معامل الكابلات “بما أنني لا أسمع لم أكن أدرك ما يحدث حولي، شاهدت أمي تهوي أمامي ثم تلاها أولاد عمي. لكن عندما شاهدت رأس شقيقتي ينفجر أمامي، أدركت حينها أنهم يطلقون النار علينا”. لم تتوقف معاناة رياض عند هذا الحدّ، فقد قتل شقيقه الآخر أمامه إثر سقوط قذيفة أثناء لعبهما كرة القدم في الشارع. ويحلم هذا الشاب الذي لا يفارق خياله هذا المسلسل الدموي، بالسفر إلى الخارج. ويقول “أعتقد أنني قد أحظى بفرص عمل أفضل”. ويواجه الصم والبكم صعوبة أخرى، تكمن في حواجز التفتيش المتعددة بالمدينة. ويوضح اكريم “عليهم أن يعبروا عن أنفسهم عبر إشارات غير مفهومة، ويظن المشرفون (على الحواجز) في بادئ الأمر أنهم يسخرون منهم”. ويضيف “سابقا (قبل النزاع) كان معظم الصم والبكم يتجنبون إدراج إعاقتهم على هوياتهم الشخصية لكنهم الآن يسجلونها من أجل إبرازها للحواجز”. وعانت أخته بشر (32 عاما) من أوقات عصيبة بسبب سوء الفهم. ففي عام 2011، وجدت نفسها، خلال عودتها إلى المنزل، وسط المتظاهرين المناهضين للنظام فيما كان رجال الأمن يقومون بتفريقهم. وتقول الشابة التي تضع وشاحا أبيض على رأسها إنها حاولت الهرب إلى أحد أزقة حي الميدان، لكن دون جدوى. وتضيف “لم يتمكن أحد من مساعدتي لأنني لم أقدر على التواصل وكان الوضع يزداد سوءا”. وعند استجوابها تمكنت بأعجوبة من إفهام رجال الأمن أنها صماء وبكماء. بعد هذه الصدمة، لم تعد بشر تجرؤ على الخروج من منزلها، خوفا من عدم قدرتها على العودة. ولكن في منزلها، كثيرا ما تهتز النوافذ وترتج الأرض نتيجة القصف فيشتد خوفها. وتروي “لم يشرح لي أحد ماذا كان يحدث. الجميع كانوا في حالة عصبية.. وكانوا يمنعونني من الاقتراب من النوافذ”. واستولى مقاتلو الفصائل المعارضة على حي الميدان في يوليو 2012 لمدة ثلاثة أيام قبل أن يتمكن الجيش من استعادة السيطرة عليه بعد معارك عنيفة، حينها نزحت العائلة إلى لبنان لمدة عامين. وعندما عادت إلى دمشق وجدت أن كل شيء قد تغير، حتى النادي فقد هجره رواده من الصم والبكم. وتقول بحزن “لقد بعثرت الحرب كل شيء.. والناس الذين غادروا إلى الخارج ابتكروا مفردات جديدة” مضيفة “لقد تغير أصدقائي، وأصبحوا عدائيين”. وأضافت “آمل أن نلتقي من جديد في يوم من الأيام، وأن يجد الصم والبكم لغة مشتركة”.

مشاركة :