"أنت شخص عادي جداً، لا أجد فيك ما يجعلني أقبل توظيفك ولن تقدم إليَّ أي جديد"، هذه إحدى الجمل التي من الممكن أن تسمعها في إحدى مقابلاتك الوظيفية إن كنت تنتمي لـ"العاديين"؛ لتسأل نفسك هل كوني (عادياً) ينقصني؟! إليك تعريفاً للشخص العادي، أولاً فهو الشخص المتوسط صاحب القدرات والمواهب العادية المحدودة سابقاً كان الشخص العادي هو الشخص الوسيط بين المتميز والمحدود، ولكن الآن يبدو أن الأمر اختلف، فلم يعد التقسيم يستدعي ثلاثة تصنيفات بل أصبح هناك متميزون وآخرون. من المشكلات المستحدثة في مجتمعاتنا، وتحديداً في المجال الوظيفي، عدم تقبل المجتمع للشخص العادي، وكأن كونه عادياً هو أمر مُخل! عدم التقبل ذلك لم يقتصر على فرص عمل فقط؛ بل انتقل ليعكس نظرة المجتمع للشخص العادي، وطريقة التعامل معه وتقييمه، وبالحديث عن الوظيفة والعمل التي هي أكبر معيار للمفاضلة والمقارنة في مجتمعنا، لكي تعمل في وظيفة جيدة أو لنقل وظيفة مقبولة، فلا بد أن تملك قدراً من التعليم الجامعي الجيد من إحدى الكليات المرموقة، وأن تحصل على شهادات متعددة من كورسات في تخصصك من خارج الجامعة، وبالإضافة إلى إتقانك لغة أجنبية واستخدام الكومبيوتر بإتقان، وطبعاً المظهر الجيد، وسوف تكون أي وظيفة متاحة إذا امتلكت الحل السحري.. الواسطة. ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فلا بد أن تستمر في تطوير نفسك والعمل بأقصى طاقة ممكنة حتى تبقى في وظيفتك ولا يتم الاستغناء عنك. "ويجب أن تبقى في المنطقة الآمنة التي لا تصل بك إلى مرحلة الـ" Overqualified"، وتلك هي طريقة جديدة لطردك من وظيفتك واستبدالك بشخص آخر أقل منك في الخبرة والسن ليقوم بعملك بمرتب أقل، أي مع كل العمل والجهد المبذول وذلك الاستنزاف من صحتك وجهدك وحياتك، تبقى تحت ضغط عصبي ونفسي ويزداد بتقدمك في السن وزيادة مسؤولياتك. لك أن تتخيل شخصاً عادياً محدود القدرات والمؤهلات ومعدوم الواسطة، وهم بالمناسبة الأغلبية من شباب المجتمع، كيف ستكون حالته، شخصاً ما يمتلكه من العلوم واللغات والشهادات هو كل ما تحصل عليه من التعليم الحكومي الذي هو لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يؤهلك للعمل بأي مكان مقبول، كيف ستكون حياة ذلك الشخص؟ ومن فضلك لا تبدأ في إلقاء اللوم عليه وعلى تكاسله وقلة سعيه وعدم بذله الجهد اللازم على نفسه، أرجوك لا تتبنَّ وجهة نظر المجتمع وتبدأ في الهجوم، فما تقدر أنت عليه مادياً وذهنياً وحتى جسدياً لا يقدر عليه غيرك. سابقاً منذ عدة عقود كانت الفرص أكثر، وكانت الحياة أبسط، كان ذلك يساعد الأشخاص العاديين على أن يمارسوا عملاً يتواكب مع قدراتهم وإمكانياتهم، وكان الشخص المميز يتم اختياره في أماكن ووظائف أخرى تتناسب مع ما يستطيع القيام به وإبداعه، ولكن حالياً وفي ذلك الواقع محدود الفرص صعب الظروف اختفت تلك الوظائف العادية في صورة أشبه بالانقراض واندمجت؛ ليقوم شخص مميز يمتلك القدرة للقيام بعمل خمسة أشخاص عاديين، ليقوم بوظائف عشرة أشخاص عاديين؛ ليكون الظلم من نصيب الاثنين، المميز لتحمله ما لا يطيق، وللعادي لحرمانه من الفرص. سوء الوضع ليس فقط في استمراريته وصعوبة الحياة؛ بل ما ينتج عنه من خلق شخصيات محطمة نفسياً، إما بسبب الفراغ والشعور بعدم القيمة والعذاب من نظرة المجتمع له بأنه عالة لا يصلح لأي شيء، أو من التعب والجهد والضغط النفسي والإحساس بالعجز عن الإبداع وإحداث تغيير في الواقع، وأنه أشبه بالماكينة التي لا تتوقف عن العمل؛ لنصبح مجتمعاً لا يحتوي على بشر؛ بل هياكل مشوهة وأنصاف بشر، لقد وصلنا إلى مرحلة من السوء من أجل توفير الاحتياجات الأساسية في الحياة واستمرار الوضع هو أشبه بالانتحار.. ولا توجد مؤشرات على أن أي تغيير قادم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :