دولة الرفاه بشكلها الحالي زائلة.. لا محالة

  • 3/10/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أوردت بعض الصحف المحلية تصريحا لرئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون، يذكر فيه أن دولة الرفاهية مستديمة من خلال الإمكانات المالية الكبيرة التي تمتلكها دولة الكويت، جاء ذلك في الحلقة النقاشية التي شارك فيها في افتتاحية مؤتمر نموذج الأمم المتحدة الذي نظمته جمعية القانون الدولي الكويتية، في جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا. لا شك أن مثل هذا التصريح الصادر من شخصية بحجم أحمد السعدون، العلامة النيابية الفارقة في تاريخ الكويت السياسي، سيجد صدى عند كثير من العامة، وحتى وإن خالف ما جاء في تقرير طوني بلير وتقارير الشركات الاستشارية الرائدة في مجال الاقتصاد، مثل ماكنزي وستاندرز آند بورز. اختلف الاقتصاديون في تعريف مفهوم الرفاه الاقتصادي، ولم يتفقوا على تعريف واحد، وإذا استعنّا بالتعاريف الحديثة للرفاه الاقتصادي من خلال بعض المؤسسات الاقتصادية، سنجد أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD أشارت في عام 2011 إلى أن معظم الخبراء والأفراد العاديين سيوافقون على أن الرفاه الإنساني يمثل الحالة التي يستطيع الفرد عندها تحقيق احتياجاته المختلفة، والتي بعضها ضروري، وسنجد أن تعريف الرفاه لمنظمة هيرد Herd ينسجم إلى حد كبير مع ما هو متعارف عليه عند عامة الناس في الكويت، فقد عرَّفت هذه المنظمة العناصر المساهمة في الرفاه بأنها تلك التي تشتمل على الرفاه الجسدي والرفاه المادي والرفاه الاجتماعي والتنمية والنشاط والرفاهي الصحي. ومصطلح الرفاه شائع الاستخدام في برامج الحكومات والأحزاب في مختلف دول العالم، وعادة ما يربط بمصطلح العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. فمثلا الدول الاسكندنافية تعتبر دول رفاه، ودول غرب أوروبا تعتبر دول رفاه بالرغم من كل ما تعانيه من مشاكل اليورو الاقتصادية، فالنموذج الإسكندنافي للرفاه يميل إلى الرفاه الاشتراكي الديموقراطي القائم على تدخل الدولة من خلال فرض ضرائب كبيرة على الأغنياء والمقتدرين، وإعادة توزيعها على البقية، على شكل خدمات صحية وتعليمية وإسكانية لتطبيق مبدأ المساوات والعدالة الاجتماعية. والولايات المتحدة تعتبر دولة رفاه بالرغم من الديون الكبيرة المثقلة على عاتق حكومتها الفدرالية، وعلى الرغم من عدم تمتع أكثر من %10 من مواطنيها على التأمين الصحي بعد تطبيق مشروع أوباما للتأمين الصحي، وبالرغم أيضا من وجود أكثر من نصف مليون من سكانها يعيشون بالشوارع بلا مسكن «Homeless»، وأيضا بالرغم من تزايد الهوة في الدخل بين الفقراء والأغنياء إلى الحد الذي أقر فيه نائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور في كتابه المستقبل «The Future»، بأن توزيع الدخل في أميركا أكثر سوءا من توزيع الدخل في تونس ومصر. الحكومة الأميركية لا توفر التعليم الجامعي المجاني لأبنائها، وغير ملزمة بتوظيف مواطنيها وتوفير الرعاية السكنية لهم وكذلك توفير الرعاية الصحية المجانية، ولكنها تحاول من خلال تبني سياسات اقتصادية تختص بالضرائب وتنظيم الأسواق والسيطرة على التضخم والاستثمار في البنية التحتية، إلى الحد الذي يحفز اقتصادها على خلق وظائف جديدة معظمها في القطاع الخاص بحيث تمكن مواطنيها من رفع مستوى دخولهم والحصول على تأمين صحي وامتلاك مساكن ومواصلة تعليمهم العالي والمهني، الأمر الذي سيعود بضرائب أكثر لخزانة الحكومة لتمويل البرامج الحكومية الأخرى. دولة الرفاه بدأت في الكويت منذ أن منَّ الله عليها بالثروة النفطية، والدستور الكويتي أشار إلى الرفاه من خلال المادة 11 التي تنص على تَكفُّل الدولة لمعونة المواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل. كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية. ونصت كذلك المادة 20 من الدستور «أن الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية، وقوامه التعامل العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج الخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين، وذلك كله في حدود القانون»، أي أن الآباء المؤسِّسين أرادوا أن يكون الرفاه نتيجة للعمل والإنتاج وليس غاية في حد ذاته، والمتتبع لتاريخ الرفاه في الكويت سيجد أن جرعات الرفاه ارتبطت ارتباطا وثيقا بالطفرات التاريخية في أسعار النفط منذ عام 1973، ولكن عندما نقف على الطفرة النفطية الأخيرة التي حدثت في بداية العشرية الأولى للقرن الحالي واستمرت حتى عام 2014، نتيجة النمو المتسارع للاقتصاد العالمي، والذي قادته كل من الصين والهند، والذي ارتفع على أثره الطلب على النفط، سنجد حدوث قفزة هائلة في الإنفاق العام في الكويت، شملت الكوادر الخاصة لرواتب العاملين في الحكومة وزيادة أنواع مختلفة من الدعومات على كثير من السلع الاستهلاكية وارتفاع سقف الراتب التقاعدي والتوسع في القروض الإسكانية وصرف مكافآت للطلبة في الجامعات والمعاهد التطبيقية، وكذلك صرف معاشات لربات البيوت، وقد نال ذلك التوسع الخطير في الإنفاق على مباركة من مجالس الأمة المتوالية خلال تلك الفترة. تضاعفت ميزانية الدولة لما يقارب أربعة أضعاف عما كانت عليه في نهاية القرن الماضي، نتيجة هذا التوسع الهائل في هذا الانفاق، الأمر الذي دعا النائب عدنان عبد الصمد رئيس لجنة الميزانيات في مجلس الأمة بتسميتها بالمجنونة في يونيو 2011. بعد الانهيار السريع في أسعار النفط في الربع الأخير من عام 2014، انكشفت ميزانية الدولة على عجز هائل، ولوحظ مقاومة شعبية شديدة لرفع بعض الرسوم المقترحة على أسعار تعرفة الكهرباء والبنزين لتخفيض أعباء الميزانية على الدولة، وعندما رفعت الحكومة أسعار البنزين قوبلت باستهجان من قبل كثير من الأعضاء في المجلس السابق وكذلك في المجلس الحالي، فبعد كل هذه السنوات من الرفاه الاقتصادي وجد الكثيرون صعوبة في تقبل رسوم تفرض عليهم لتخفيف وطأة الأعباء الاقتصادية على الدولة، وشدد معظم المرشحين في الانتخابات النيابية الماضية على ضرورة عدم المساس بجيب المواطن، بالرغم من أن الدستور الكويتي نص من خلال المادة 48 على أن أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب وفقا للقانون. اعتقد أن الطفرة النفطية الأخيرة والتوسع في الإنفاق المصاحب لها، كشف عن وجود هشاشة كبيرة في الاقتصاد الكويتي، فالكويت هي الدولة الوحيدة اليوم من بين أكبر 20 دولة منتجة للنفط في العالم تزيد نسبة مساهمة النفط في ناتجها المحلي الإجمالي عن %50، وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، أصبحت الكويت الدولة الأقل في المنظومة من حيث التنوع الاقتصادي والأقل في الصادرات غير النفطية والأقل كذلك في تجارة إعادة التصدير ، كما تبينها بيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي. أرجع العم أحمد السعدون قناعته بديمومة الرفاه الكويتي، بشكله الحالي، بسبب الاحتياطيات المالية الكبيرة التي تتمتع بها دولة الكويت، ولكن تقرير مؤسسة بلير وغيرها من مؤسسات التصنيف العالمي يرى أن اعتماد الكويت على مصدر أحادي للدخل مع التزايد السكاني المستمر، الذي سماه بالقنبلة الديموغرافية، سيؤدي حتماً إلى تهالك هذه الاحتياطيات على المدى البعيد، فبعض التقارير تشير إلى ضرورة وصول أسعار النفط إلى أكثر من 200 دولار في عام 2035 حتى تستطيع الكويت المحافظة على المستوى الحالي من رفاه شعبها، والأهم من كل ذلك أن النفط التقليدي فقد كثيراً من بريقه، وضعفت قدرة منظمة الأوبك في التأثير على أسعاره بعد ظهور النفط الصخري الأميركي، وكذلك نتيجة التقدم الهائل الذي حققه العالم في مجال الطاقة البديلة إلى الحد الذي بدأنا نرى إنارة تعمل بالطاقة الشمسية في بعض شوارعنا، وأجهزة تشتغل عليها في بعض البيوت والمخيمات الربيعية، وبدأت السيارات الكهربائية تأخذ دورها في غزو شوارع كثيرة من مدن العالم. وكثير من الدول مثل الصين وألمانيا والولايات المتحدة، لا زالت تنفق أموالاً طائلة في مجال أبحاث الطاقة البديلة للحد الذي جعل كثيراً من المحللين الاقتصاديين يتوقعون نهاية عصر النفط خلال القرن الحالي. يجب أن تعيد الدولة فلسفتها في ما يختص برفاه المواطن، بحيث يكون الرفاه نتيجة وليس غاية في حد ذاته، كما هو حاصل في كثير من دول العالم وكما رآها الدستور الكويتي، من خلال استغلال الفوائض المالية المتوافرة في إعادة بناء الإنسان الكويتي، واستثمار طاقاته نحو العمل والمبادرة والإنتاج بدلاً من الاستهلاك والاتِّكال على دولة القطاع العام، ويجب اتباع الأساليب الحديثة في الخصخصة المبنية على أسس علمية سليمة كي تتحول من خلالها الكويت إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة، التي سيتواكب معها إصلاح في نظم التعليم ونظم العمل وتطوير في البنية التحتية للدولة، وستتقزَّم معها منظومة الفساد وسيزداد دخل الدولة من الموارد غير النفطية، وسينتج عن كل ذلك تعزيز في قيم المواطنة ومستوى الرقابة الشعبية والمشاركة الديموقراطية، حينئذٍ فقط سيتحقق لأبناء الكويت الرفاه الاقتصادي والاجتماعي الحقيقي المستدام.محمد العوضيmqawahi@gmail.com

مشاركة :