حين أعلن «ديفيد ديفيس» وزير «الخروج البريطاني» من الاتحاد الأوروبي لزملائه داخل الوزارة في الآونة الأخيرة أنهم يجب أن يستعدوا لـ «احتمال غير مرجح يتمثل في عدم التوصل إلى اتفاق مرض للطرفين، » أثار هذا حالة من الانزعاج لدى «جمعية منتجي وتُجار السيارات»، علماً بأن صناعة السيارات في بريطانيا تُوظف 169 ألف عامل بشكل مباشر، ويعمل ما إجماليه أكثر من 800 ألف عامل في كافة المجالات المرتبطة بقطاع السيارات. واحتمال فرض رسوم على 1.3 مليون سيارة تصدرها بريطانيا كل عام وعلى قطع الغيار التي تخرج وتدخل المملكة يجعل الاتحاد الأوروبي يضع هذه الوظائف في خطر. وأشار «كولين لوزر» نائب رئيس شركة «نيسان موتور» في الأيام القليلة الماضية إلى أن الشركة تتوقع فقدان نحو 600 مليون جنيه استرليني، أي ما يعادل 738 مليون دولار من أرباح على 320 ألف سيارة من طراز «كاشكاي» الرياضية التي تحققها سنوياً في «صندرلاند» ببريطانيا. وهذا يستند إلى فرض رسوم بنسبة 10% على الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى رسوم قد تصل إلى 4.5% على الأجزاء المستوردة من السيارات. وأشار «سواتي دينجرا»، وهو محاضر في الاقتصاد بمدرسة لندن للاقتصاد في دراسة أجريت قبل الاستفتاء البريطاني على الخروج العام الماضي إلى أن الخروج البريطاني قد يقلص إجمالي انتاج المملكة المتحدة من السيارات بما يصل إلى 12%. وذكرت جمعية منتجي وتجار السيارات استناداً على أحدث بيانات متوافرة لعام 2015 إلى أن إجمالي تصدير صناعة السيارات من المملكة المتحدة بلغ أكثر من 34 مليار جنيه ومثل 12% من إجمالي صادرات البضائع. ورغم أن هذه البضائع تباع إلى أكثر من 100 دولة، فإن الاتحاد الأوروبي أهم سوق بفارق كبير حيث يستقبل 57.5% من الصادرات البريطانية عملاقة أمام نسبة الولايات، منها تبلغ 11% ونسبة الصين 7%. ويحاول منتجو السيارات تأمين أنفسهم ضد تأثيرات مغادرة بريطانيا للتكتل. وتبني شركة «مكلارين أوتوموتيف»، على سبيل المثال مصنعاً في «شيفيلد» لنقل إنتاج «شاسيهات» السيارات خارج النمسا. وكانت الخطوة مزمعة بالفعل قبل استفتاء يونيو الماضي، وهي تقلص احتمال أن تواجه الشركة المنتجة لطرز من السيارات منها السيارة (بي. 1)، التي يبلغ ثمنها 1.4 مليون دولار رسوماً على الأجزاء المستوردة من أوروبا والتي تشكل حالياً نحو نصف كلفة السيارة. وتشتري شركة «جاجوار لاند روفر»، وهي جزء من شركة «تاتا موتورز» الهندية كمية أكبر من أجزاء السيارات من المملكة المتحدة. وشركة «نيسان» توظف أكثر من سبعة آلاف عامل مباشرة في مصنعها في «صندرلاند» مع نحو 28 ألف وظيفة أخرى لدى موزعين تابعين للشركة اليابانية. وهي منتج السيارات الوحيد الذي حصل على تعهد من الحكومة لما بعد الخروج. وجاء الدعم في صيغة خطاب سري في أكتوبر الماضي من وزير الأعمال البريطاني «جريج كلارك»، الذي كشف في وقت لاحق أنه قدم أربعة تعهدات محورية منها السعي إلى الإبقاء على إمكانية دخول صناعة السيارات إلى الاتحاد الأوروبي دون رسوم. ولا عجب أن احتفظت «نيسان» بالحق في إعادة النظر في قراراتها الاستثمارية بمجرد أن تختتم بريطانيا مفاوضاتها للخروج. وتجنب الرسوم غير متوافق فيما يبدو مع رغبة الحكومة في ترك اتحاد جمارك التكتل الأوروبي. وحذر «بول دريتشسلرول»، رئيس اتحاد الصناعة البريطانية في كلمة ألقاها في الأيام القليلة الماضية أن ترك الاتحاد الأوروبي دون التوصل إلى اتفاق تجارة قد يتسبب في فرض رسوم من منظمة التجارة العالمية على 90% من البضائع التي تصدرها الشركات البريطانية، مما يفتح «صندوق الشرور من العواقب الاقتصادية». وفي الآونة الأخيرة، صرح «جريج سويفت» المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي في رد على تعليقات «نيسان» أن الحكومة ستسعى إلى التوصل إلى«اتفاق يسمح لنيسان والشركات الأخرى في قطاع السيارات أن تنتعش». ونقلت تقارير صحفية عن ماي قولها «عدم التوصل لصفقة أفضل لبريطانيا من صفقة سيئة». لكن صناعة السيارات تلمح إلى أن أي اتفاق يقلص الكلفة في المستقبل للقيام بنشاط اقتصادي مع الاتحاد الأوروبي أفضل من عدم التوصل إلى صفقة بالمرة. *كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
مشاركة :