عكس اعتراض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الوجود العسكري الإيراني في سوريا، قلقه من احتمالات سيطرة طهران في فترة ما بعد الحرب على المناطق القريبة من هضبة الجولان السوري المحتل، وتحويلها إلى «منصة لإطلاق صواريخ إيرانية» باتجاه الدولة العبرية. ويشير مراقبون إلى أن الاعتراض الإسرائيلي لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يستهدف وجود إيران في المرحلة الحالية، بالنظر إلى أن الوجود الروسي في سوريا لم يثنِ تل أبيب عن تنفيذ ضربات جوية ناهزت العشر منذ تدخل موسكو بقواتها، واستهدف بعضها جماعات تتلقى الدعم من طهران. ويقول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، لـ«الشرق الأوسط»، إن إسرائيل نفذت 10 ضربات على الأقل منذ التدخل الروسي في سوريا، وتثبيت منظومات الدفاع الجوي، موضحاً أنها نفذت «ضربات على الجولان 4 مرات على الأقل، وضربتين على ريف دمشق، وضربتين على القلمون، وضربة على منطقة الصبورة الحدودية مع لبنان، وأخرى على مطار المزة العسكري، فضلاً عن استهداف (اللبناني) سمير القنطار» الذي كانت تتهمه تل أبيب بتنظيم عمليات عسكرية ضدها في الجولان. وفي ضوء هذه الضربات، يرجح أن يكون الاعتراض الإسرائيلي معنياً بما بعد الحل الكبير الذي تتجه إليه سوريا. وسجل نتنياهو «اعتراضاً شديداً على إمكانية بقاء وجود عسكري لإيران ووكلائها في ترتيبات» التسوية، فضلاً عن أن تل أبيب تنظر إلى سوريا على أنها ساحة نفوذ لقوى أخرى فاعلة هناك، مثل إيران وتركيا. ويقول مدير «معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية» سامي نادر إن الاعتراض الإسرائيلي ينطلق من عنوانين: أولهما «احتواء إيران، ومنعها من الوجود العسكري على حدودها مع سوريا»، والثاني مرتبط بـ«توزع خرائط النفوذ في سوريا المستقبل». ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التهديد الاستراتيجي لإسرائيل تمثله إيران بالدرجة الأولى، كونها في حالة عداء معها، وكونها مقبلة على امتلاك سلاح نووي من وجهة نظر إسرائيل»، لافتًا إلى أن «هدف تل أبيب هو احتواء التمدد الإيراني الذي إذا سيطر على الشرق الأوسط، وأسس لساحة نفوذ لها في سوريا، فإنه يشكل عنصراً ضاغطاً على إسرائيل، لا سيما أن طهران على تماس مباشر مع إسرائيل، وقد نُفذت محاولات تسلل إليها من الجولان». ويضيف: «في سوريا، تتكرس مناطق نفوذ لروسيا وتركيا والأكراد المقربين جداً من الولايات المتحدة، وكذلك لإيران التي تتخوف تل أبيب من احتمال أن تكون منطقة النفوذ الإيرانية منصة صواريخ تهددها مباشرة. ومن هنا، يأتي المسعى الإسرائيلي للتوسط لدى الولايات المتحدة وروسيا لمنع قيام منطقة نفوذ إيرانية». ويقول نشطاء المعارضة السورية إن القوات الإيرانية تنتشر وحلفاؤها في جنوب سوريا وريف دمشق بشكل أساسي، مما يعني أنهم يوجدون على تخوم إسرائيل. ونفذ «حزب الله» اللبناني، المدعوم من إيران، في مطلع عام 2015، عملية عسكرية واسعة في ريف دمشق الغربي وريف درعا الشمالي وريف القنيطرة الشرقي، واستعاد السيطرة على مناطق من المعارضة السورية التي تنتشر على حدود هضبة الجولان. ويكرر مقربون من النظام السوري في لبنان أن تل أبيب تنظر إلى تقدم النظام ومعه «حزب الله» وإيران في جنوب سوريا «بخوف»، لأن النظام «عملياً يكون قد ثبت حلفاءه، وأحكموا قبضتهم على مفاصل أساسية في محور المواجهة مع الإسرائيليين»، مما يعني أن حسابات جبهة الجولان ستكون مختلفة عما كانت عليه في السابق. وبعدما كانت جبهة الجولان على امتداد 40 عاماً، في حكم المجمدة، تحولت إلى دائرة الضوء مجدداً مع انخراط «حزب الله» وإيران في الأزمة السورية، وباتت جزءاً أساسياً من اهتمام المحور الذي تقوده إيران. وفي المقابل، ينظر الإسرائيليون إلى أن استقرار الوضع لمصلحة النظام، يهدد بأن تكون جبهة الجولان مماثلة لجبهة جنوب لبنان، لجهة الاستعدادات والتحصينات لمرحلة مقبلة، بحيث لن تكون الجبهة منعزلة عن أي حرب مستقبلية بين المحور وإسرائيل. لكن توقيت المطلب الإسرائيلي من بوتين يأتي في موازاة محادثات سياسية بين الأطراف المعنية بالأزمة السورية لحلها، وهو ما يشير إلى خريطة نفوذ لدول إقليمية تُرسم في سوريا. ويقول نادر إن إسرائيل «تسعى إلى تحقيق نفوذ لها في سوريا، ولا تنظر إلى القضية من زاوية حصة خصومها فحسب، بل حصة منافسيها، وتحديداً تركيا»، لافتاً إلى أن تل أبيب «تنظر إلى الأمر من وجهة نظر حجم أدوار القوى الإقليمية المنافسة لها، وليس العداوة فحسب، ذلك أنها تريد أن تكون الوكيل الحصري لرعاية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ولا تنظر بعين الرضا إلى كون واشنطن تصوغ سياساتها في المنطقة لأنها قد تتعارض مع مصالح إسرائيل». ويضيف: «الواضح أن إسرائيل تسعى إلى ألا تكون على الهامش، وتحاول أن تضمن وجودها على طاولة المفاوضات، في وقت يتضح فيه أن سوريا تذهب نحو الصفقة الكبرى، وتتشكل فيها خريطة نفوذ جديدة». وقال إن روسيا لم تمنحها الموافقة على إقصاء الدور الإيراني «كون طهران شريكاً منافساً، وخسارته تعني خسارة ورقة صالحة بيدها»، مشدداً على أن موسكو «تسعى إلى إبقاء التوازن القائم في سوريا، بعدما أنقذت النظام، وتحولت إلى اللاعب الأول على الساحة». ويندد نتنياهو بالدعم الذي تقدمه إيران إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقال الأحد الماضي إنه سيسعى إلى إقناع بوتين بمنع قيام وجود عسكري إيراني دائم في سوريا. كما كان قد أكد في بيان أنه «بالنسبة إلى سوريا، قلت بكل وضوح إن إسرائيل ليس لديها اعتراض على أي ترتيبات جديدة في سوريا، لكننا نعترض بشدة على إمكانية بقاء وجود عسكري لإيران ووكلائها في مثل هذه الترتيبات».
مشاركة :