مسيرة الإمارات.. حكمة القيادة في استشراف المستقبل

  • 3/12/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تعد مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة منذ القدم شاهداً حياً على حكمة القيادة وصواب القرار وموطن الحلول المبتكرة وعظمة الإنسان الإماراتي وحرصه على تحصين وطنه والذود عن حياضه وحمايته والحفاظ على استمراريته وتطوره على مر التاريخ والأزمان. وارتبط «اسم الإمارات» منذ القدم بقيادة فذة وأبناء خرجوا من عمق الماضي التليد ما جعلها اليوم قبلة للأنظار واسماً مميزاً على كل لسان وناطقاً بالخير في كل مكان من هذا العالم المترامي الأطراف، فهم الحصن الحصين لهذا الوطن والدرع الآمنة لبقاء رايته خفاقة مرفوعة الهامة. وكان ولا يزال الاهتمام بالحلول المبتكرة جزءاً أصيلاً من نهضة الإمارات وأساس مسيرتها نحو المستقبل ورسالة واضحة بأن الإمارات بحصافة حكامها وذكاء قادتها لم تبن مستقبلها معزولة عن تاريخها الموغل في القدم. استراتيجية ومن الصعب حصر حزمة القرارات الاستراتيجية والحلول المبتكرة التي تبنتها قيادة دولة الإمارات على مر تاريخها أو حصر سلسلة الإنجازات والنجاحات التي تحققت بجهد وقدرة قادة ومواطنين ضربوا مثلاً فريداً في بناء الدولة وتطويرها وقدموا تجربة في التنمية والعمل الوطني وصفها الخبراء من السياسيين والاقتصاديين والاستراتيجيين بأنها في حدها الأدنى «معجزة تنموية»، وبالرجوع إلى الجانب التاريخي وفي القرن الثامن عشر وجد أهل الإمارات أنفسهم فجأة أمام أول اختبار حقيقي يحتاج إلى قرار استراتيجي وحلول ذكية وفورية، حيث كانت ندرة الماء هي أخطر معضلة تواجه القيادة والسكان ولأن فيها هلاك المجتمع لم يقف الشيخ ذياب بن عيسى آل نهيان زعيم قبائل بني ياس مكتوف الأيدي ولم يهدأ له بال إلا بعد أن اكتشف المياه العذبة في جزيرة أبوظبي في العام 1761 الذي كان بمثابة بداية تشكل العمران في المنطقة ومع مرور الأيام قام تحالف قبيلة بني ياس ببناء برج مراقبة لحماية البئر، الأمر الذي سمح بازدهار نشاط الغوص وصيد اللؤلؤ والأسماك. ومع توسع حركة العمران وازدياد الأهمية التجارية لمدينة أبوظبي تم إضافة جدران خارجية حول البئر وتوسع المبنى فيما بعد ليصبح حصناً منيعاً على يد الشيخ شخبوط بن ذياب آل نهيان، فيما يقارب عام 1795 وضم قصر الحصن الذي عرف بعد ذلك أيضاً بـ«القصر الأبيض» مرافق إدارية ومقار الإقامة لأسرة آل نهيان الحاكمة. ومن هنا كان اكتشاف الماء في الجزيرة أول الحلول الذكية لتطور المدينة وازدهارها وكان عبارة عن المفتاح الذي شق طريق المستقبل أمام حكامها وسكانها معاً وحوله تشكل مجتمع نابض بالحياة وأصبح يمثل رمز النماء والعطاء وبدأت مسيرة كفاح وإبداع لا تتوقف وصدق القول: «لكل معضلة حل» وبين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تحولت أبوظبي من قرية صغيرة تضم مجموعة من الأكواخ مبنية من النخيل إلى مدينة تحتوي على أكثر من خمسة آلاف نسمة وأصبح قصر الحصن مركزها المنيع، وفي تلك الفترة كان الاعتماد الرئيسي في الدخل على اللؤلؤ الطبيعي الذي كان عائده لا يقل نسبياً عن عائد النفط فيما بعد. صيد اللؤلؤ وقد اعتمد أهل الإمارات على صيد اللؤلؤ اعتماداً كبيراً إذ كانت تعتبر تلك المهنة والتجارة عصب الحياة بالنسبة لهم كما عمل في مجال اللؤلؤ الآلاف من سكان الإمارات إلى حين انتشار اللؤلؤ الاصطناعي في عشرينيات القرن الماضي ما مثل إضعافاً للحركة التجارية في الإمارات إذ إن رحلات الصيد والغوص لم تعد ذات جدوى في الوقت الذي غزا فيه اللؤلؤ الاصطناعي الأسواق وهو ما حدا بالقادة وتجار اللؤلؤ ومحترفي صيده إلى البحث عن موارد أخرى للرزق لعلها تعوض ذلك النشاط الذي طالما در الكثير من المال على السكان ومثل كل ذلك نقلة نوعية أثرت سلباً على المنطقة واقترنت بالأزمة الاقتصادية والقضاء نهائياً على مهنة وتجارة الغوص في الإمارات. وصارع المواطن الإماراتي من أجل البقاء شامخاً ونجح رغم قسوة الاختبار وتكلفة الحل ولم ينسه الخالق «عز وجل» حتى جاء العصر الذهبي الذي قاده المغفور له المؤسس الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من عام 1966- 2004 ليقود شعب الإمارات إلى الوحدة والنهضة الشاملة واضعاً الكثير من الحلول الذكية والناجعة من أجل رفعة الوطن وتقدمه ورقيه. وكانت الحلول المطروحة لمشكلة ندرة الماء وتراجع مهنة وتجارة اللؤلؤ حلولاً فطرية اعتمدت على التخطيط الفطري والموارد المتاحة في الزمان والمكان نفسيهما فقد اعتمد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على التخطيط الاستراتيجي لوضع الحلول الاستباقية لمشكلات مستقبلية قبل وقوعها وفي عهده عرفت الإمارات التخطيط الاستراتيجي والمستقبلي. وفتح الشيخ زايد، رحمه الله، في هذه اللحظات التاريخية قلبه وعقله لإخوانه حكام الإمارات لأنه أدرك من خلال معرفته العميقة بالتاريخ وقراءاته الدقيقة للحاضر أن الاتحاد هو طريق القوة وطريق العزة والمنعة والخير المشترك وأن الفرقة لا ينتج عنها إلا الضعف وأن الكيانات الهزيلة لا مكان لها في عالم اليوم، فتلك حقيقة عبر التاريخ على امتداد عصوره. فترة قياسية وبدأ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مرحلة جمع القلوب من أجل مشروع الاتحاد الكبير تخطيطاً وتنفيذاً إلى أن تحقق له ما أراد في فترة زمنية قياسية لم يشهد لها تاريخ الاتحادات بين الدول مثيلاً إذ استطاع بشخصيته الكاريزمية وحنكته السياسية وقدرته على لم الشمل على تحقيق ما أرد في الثاني من ديسمبر عام 1971 حين فاجأ العالم أجمع بإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في زمن تتقسم فيه الدول وتتجزأ فيه الأقاليم وتتشتت فيه الشعوب. وواصل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مسيرة النجاح والتألق منذ مرحلة البدايات التي كانت محفوفة بالمصاعب والعقبات والتضحيات سواء على مستوى التحديث والبناء أم على مستوى جمع الشمل والتوحيد في منطقة مضطربة كانت على مر التاريخ تتقاطع فيها مصالح الأقوياء كونها همزة وصل بين الشرق والغرب والتي تزايدت أهميتها مع بزوغ النفط عصب الطاقة وشريان القوة في الزمن المعاصر. وفي ظل هذا الموج المتلاطم من الأخطار المحدقة بالمنطقة والتحديات كان على الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أن يعبر بالبلاد والعباد إلى بر الأمان وتحققت المعجزة ونجت السفينة بربانها الماهر ونمت الغراس الطيبة وأينعت الثمار وحان القطاف ونعمت الإمارات وأهلها بمواسم الحصاد وعم الخير وفاض على الجوار والعالم أجمع. وأظهر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من فنون القيادة ما لفت أنظار العالم أجمع إليه سواء من جهة بساطته وقربه من الناس ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم أو من جهة السهر على مصالحهم وتطوير حياتهم برؤى إبداعية خلاقة فحل المشكلات والمصاعب التي اعترضت مسيرة الوطن بكل حكمة وذكاء، حيث استحدث أول نظام للري، مؤكداً أن مياه الأفلاج الآتية من جوف الأرض يجب أن تكون من حق جميع الناس الذين يعيشون فوق الأرض. ومع بداية حكم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عمت خيرات النفط البلاد فكان قراره التاريخي تسخير الثروة للتطوير والتحديث واقترن القول بالفعل فانطلقت عجلة البناء في كل المجالات التعليمية والصحية والشؤون الاجتماعية وفتح المجالات الاقتصادية ليمارسها الجميع وكان يتابع كل ذلك بنفسه ويجول في طول البلاد وعرضها، ومرت عملية التأسيس في كل المجالات والقطاعات التي انتقلت بعهده إلى مستويات عالمية يشهد بها القاصي والداني. ولأنه مؤسس يتصف بالذكاء المتقد فقد عرف أن عصر النفط سيزول وأدرك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أن النفط مصدر محدود وناضب وليس العصا السحرية التي تحول الصحراء القاحلة إلى جنات وارفة الظلال في سبيل ذلك استبق المؤسس الفذ التوقع وجاء بالحل الاستراتيجي سريعاً فغدت لديه رؤية واضحة في تطوير القطاع الصناعي والسياحي وتركز اهتمامه على تطوير قطاع التصنيع الذي شهد نهضة كبيرة في عهده لاسيما في سبعينيات القرن الماضي وتطور قطاع السياحة حتى غدا علامة بارزة في المنطقة. حلول وقال جمعة الدرمكي، باحث في تاريخ الإمارات، إن الإمارات دولة عرفت الحلول والابتكارات والإبداعات منذ زمن لذلك لم يتوانَ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في البحث عن بديل لسد الفراغ الناجم عن الانسحاب البريطاني فكان الاتحاد كما أنه اجتهد ليجد بديلاً للنفط ليحمي مستقبل شعبه من الحرمان والعوز. وأضاف: «ظل المغفور له الشيخ زايد طوال فترة حكمه يدير الأمور بحكمة وذكاء يشهد بهما العالم أجمع ولم يؤثر فقط في الحياة الإنسانية بل صنع تاريخاً إنسانياً فريداً من نوعه». وأكد أن أمر ابتكار الحلول ووضع الاستراتيجيات في عهد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لم يقتصر على مجال النفط فقط بل طال البيئة، حيث كان الخبراء لا يشجعون المؤسس الراحل على الزراعة، ويقول في هذا الصدد: «يقولون إن الزراعة في أرضنا ووسط هذا المناخ الصحراوي أمر مستحيل فقلنا لهم.. دعونا نجرب ووفقنا الله ونجحنا في تحويل منطقتنا الصحراوية إلى منطقة خضراء تسر الناظرين». وبعد وفاة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، واصلت القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مسيرة التنمية المستدامة والشاملة التي جعلت الإمارات محط أنظار العالم من أقصاه إلى أقصاه وأثبتت للعالم أنها قيادة تحسن كتابة التاريخ وتعرف كيف توجه أبناء يعشقون الوطن. وإذا كانت السنوات التي تلت تأسيس الاتحاد وحتى غياب مؤسس الاتحاد وصانع وحدتها شهدت ما يمكن اعتباره التأسيس والبناء الحقيقي لدولة فتية عصرية واعدة تحتل مكانة مرموقة بين الأمم في إقليمها والعالم أجمع فإن السنوات التالية وتحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة شهدت قرار سموه الاستراتيجي «مرحلة التمكين»، حيث وضعت القيادة الحكيمة الإنسان الإماراتي في مقدمة أولويتها كأهم استثمار في تنفيذ الاستراتيجيات واستشراف المستقبل. ولم تكن السهولة التي انتقلت بها المسؤوليات سواء على الصعيد المحلي أو على الصعيد الاتحادي تعبيراً فقط عن الاستقرار والنجاح الذي حققته التجربة الاتحادية الإماراتية بل كانت تنبئ أيضاً بمرحلة جديدة تحمل عناوين أخرى تنقل الإمارات من مرحلة التأسيس بكل ما فيها من مصاعب وإنجازات إلى مرحلة التمكين بكل ما تحمل من طموحات وآمال.

مشاركة :