أسبوع كامل داخل صخرة في قصر طوكيو الباريسي بقلم: عمار المأمون

  • 3/12/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

التجربة الجسديّة تبقى مختزنة في المكان للتحول إلى ما يشبه العلامة التي تنتشر عبر الزمن وخصوصاً أن المؤدي لا يموت.العرب عمار المأمون [نُشر في 2017/03/12، العدد: 10569، ص(14)]هنا قضى الفنان ابراهيم بوينشوفال أسبوعا ثم ترك الصخرة للمتفرجين أنهى فنان الأداء الفرنسي إبراهيم بوينشوفال عرضه الأخير في قصر طوكيو في باريس بعنوان “حجر”، حيث قضى أسبوعاً داخل قطعة صخر كبيرة نحت داخلها بنفسه ليجلس فيها مُختبرا من خلالها حدوده الجسدية وتقنيات مرور الزمن ضمن فضاء ضيق وحركة محدودة. وكان خروجه منها حدثاً أشعل وسائل الإعلام وحوّل خروجه من الصخرة إلى ما يشبه الولادة. لكن السؤال المطروح هنا هو ما الذي يحدث بعد نهاية عرض الأداء؟ خصوصاً في حالة بوينشوفال إذ ما زالت الصخرة التي استخدمها موجودة، بالإضافة إلى المجسمات التي استخدمها في العروض السابقة كالزجاجة العملاقة ومجسم الدب اللذين سكنهما بوينشوفال قبل الصخرة. سؤال ما بعد الأداء مرتبط بغياب المؤدي عن فضاء العرض واستحالة المكان إلى ما يشبه المتحف بجموده وغياب الحيوية منه لتكون القيمة التي اكتسبتها أدوات العرض خالية من نبض الأداء كما يحدث في قصر طوكيو. الخبرة الجسدية الحيّة التي كانت تحويها الصخرة زالت ليبقى المشاهد أقل تورطاً وخصوصاً مع زوال الخطر الجسدي المرتبط بالأداء بشكل عام والذي يمكن أن يدفع الجمهور لإنقاذ المؤدي الذي هو في حد ذاته قد لا يدرك ما يمكن أن يحدث. فغياب الصيغة الجسدية يترك المشاهد يتأمل أيقونة اكتسبت مكانتها إثر التجربة السابقة. صحيح أن الأداء لا يتكرر ولا يُعاد حرفياً لكنه يتحول إلى نقطة فارقة، والتجربة الجسديّة تبقى مختزنة في المكان للتحول إلى ما يشبه العلامة التي تنتشر عبر الزمن وخصوصاً أن المؤلف/المؤدي لا يموت. فأثر الأداء يبق حاضراً على جسده كجرح أو ندبة وكذلك يبقى أثره على الفضاء بوصفه لا يمكن إعادة طبعه أو تداوله. ففن الأداء مضاد للاستهلاك وهنا تَكمن خصوصيته، فهو يحافظ على أصالته بوصفه لا يحدث إلا لحظة الأداء أما ما بعده فهي دعوة للتفكير. فغياب جسد المؤدي لا ينفي حضوره، فهو يمتدّ رمزياً وواقعياً عبر الزمن بعد رحيله. فالمكان في فن الأداء يحوي آثار صاحبه، تعرّقه وسوائله ووضعيات راحته هو لا غيره، بالرغم من ذلك وإثر غياب المؤدي يحتار المشاهد هل حقيقة عاش أحدهم داخل صخرة لأسبوع؟ تنتشر تجربة فن الأداء بعد رحيل المؤدي كفايروس سيميائي، وهي تضيف قيمة جديدة للأغراض التي استخدمها سواء كانت خصوصيّة أم متداولة. كما تمتد هذه الصيغة لكل ما هو من جنسها. فبعيداً عن جسد بوينشوفال أصبح سؤال هل من الممكن لأحدهم أن يعيش داخل صخرة منطقياً؟ فأي صخرة الآن أصبح من الممكن تأهيلها لتصبح مسكناً بشرياً، أما فضاء العرض في قصر طوكيو الذي يحوي الصخرة فيحمل حالياً خصوصيّة وتناقضات مرتبطة بتكوينه كفضاء للعرض، إذ يشهد حالياً أسبوع الموضة في باريس ليكون الفضاء وعلاقته مع الجسد مسرحاً للتناقضات، على يميننا صخرة بدائية مجوف داخلها بما يكفي لجسد مؤدٍ يختبر قدرته، وعلى يسارنا غُرف إعادة تأهيل بشرية مصممة لتصمم الجسد بأقصى صيغه الأيقونيّة. كلا الفضاءين مرتبطان باستعراض الجسد-الاختلاف، فالصخرة تختبر حدود وقدرة الجسد على أن يكون في وضعية واحدة خلال مدة طويلة من الزمن في مكان ضيق. في حين أن غرف المكياج تدفع الجسد لأقصاه استعراضياً ليتم التقاطه ضمن صورة واحدة حيث الزمن ميت لتبقى اللحظة/الصورة هي التي تتداول دون نبض أو تغيرات كحالة بوينشوفال. فتأثير الجسد على الصورة آني وينتهي بمجرد لحظة الالتقاط، في حين أن الصخرة تبقى واحتمال أن تسكن من جديد ما زال قائماً. مكان ما بعد العرض أشبه بالأثر الذي ينتشر ضمن الذاكرة/المكان، فكل محاولة لمحوه تزيد من حضوره، لا ضمن المكان الفيزيائي فقط، بل ضمن المكان المتخيل أيضاً، إذ تحضر احتمالات الإعادة والتكرار دوماً. والُمشاهد لما بعد عرض الأداء أشبه بمن يمشي ضمن حقل ألغام بالرغم من أن الحرب/الأداء انتهى. إلا أن هناك احتمالا دائما بالانفجار، فالمكان مهدد دائماً بأداء جديد. فالأداء أشبه بندبة لو اختفت كلياً، لكن ذاكرة المكان تحفظها دوماً. كاتب من سوريا

مشاركة :