ماجد عبدالنور | من مدينة سيدي بوزيد في تونس، مروراً بميدان التحرير في مصر، ثم مدينة بنغازي الليبية، وصولا إلى تلك المدرسة الواقعة في أحد الأحياء الشعبية في محافظة درعا السورية، بدأت الحكاية. أطفال خطّوا بأناملهم الصغيرة شعارات ربما كانوا لايدركون معناها ولا مآلاتها، شعارات شاهدوها على شاشات التلفزة تصدر من حناجر الشعوب العربية التي اجتاحتها رياح التغيير. كان يوم الثامن والعشرين من فبراير عام 2011 يوماً مفصلياً في تاريخ سوريا، حين استنفرت أجهزة الأمن والمخابرات واعتقلت أولئك الأطفال على مقاعدهم الدراسية، وعرضتهم للتعذيب الوحشي، وأهانت وجهاء درعا وأعيانها المطالبين بإطلاق أطفالهم من أقبية فرع الأمن السياسي الذي يترأسه عاطف نجيب (ابن خالة الرئيس السوري بشار الأسد)، الذي أهانهم وشتمهم ووجه إليهم ألفاظاً نابية، هذه الأسباب أدت إلى الدعوة العلنية للتظاهر والاحتجاج ضد ممارسات نجيب، ليبدأ الحراك الشعبي عبر تنظيم أول تظاهرة يوم 18 مارس عام 2011 وليصبح هذا اليوم هو الذكرى السنوية للثورة السورية أو ثورة «الكرامة»، كما يحلو للسوريين تسميتها. الرد بالرصاص قابلت أجهزة الأمن السورية تلك التظاهرة بإطلاق الرصاص مباشرة على المتظاهرين، وسقط محمود الجوابرة أول قتيل في الثور السورية، لكن الدعوة إلى التظاهر استمرت مع ازدياد الاحتقان والغضب الشعبي من قبل الأهالي، لما لمسوا من تعنّت النظام ووصمه أهل درعا بالعصابات المسلحة، فامتدت تظاهرات درعا إلى خارجها واجتاحت المحافظات السورية واحدة تلو الأخرى، فكانت درعا السبب المباشر في اندلاع الثورة. وقال الناشط الإعلامي محمود طلحة إن «مدينة درعا كانت الشرارة التي كنا ننتظرها ولا ندري كيف سنبدأها، لقد كان الشعب السوري مهيأ للثورة أكثر من تلك الدول التي اجتاحتها رياح التغيير لما يعانيه من ظلم وقهر واستبداد وفقدان للعدالة بشكل كامل». وأضاف أن «مصادرة حرية الرأي والاعتقالات التعسفية وحالة الطوارئ التي كانت تحكم البلد، وانتشار الفساد والهيمنة الطائفية على مؤسسات الدولة، هي أسباب القيام بثورة شعبية على نظام الحكم الشمولي الذي جعل من سوريا مزرعة لعائلة وطائفة معينة عاثت في البلاد فسادا وظلما، فكان الشعب السوري المقهور يغلي كالبركان وينتظر اللحظة المناسبة لكسر حاجز الخوف وإحداث التغيير ونقل البلد للحرية والعدالة الاجتماعية». من جهته، روى المهندس والناشط السياسي إياد الحجي قصته في تلك الأيام التي سبقت انطلاق الثورة السورية، قائلاً: «في يوم سقوط (الرئيس التونسي السابق زين العابدين) بن علي وعلى صرخات المحامي التونسي: بن علي هرب، كنت أتابع ذلك المشهد وأنا لا أكاد أصدق ما أسمع، قفز السؤال إلى ذهني مباشرة: هل من الممكن أن نرى هذا اليوم في سوريا؟». أضاف: «كان رأيي في تلك اللحظات أنه لا بد للشعب السوري أن ينتفض ويخلع نظام بشار الأسد كما خلع الشعب التونسي بن علي أشبه الأنظمة العربية بنظام الأسد». وأكمل الحجي: «بعد سقوط (الرئيس المصري السابق حسني) مبارك بدأت إرادة الانتفاضة تسري في أذهان وعقول الشباب السوري بشكل كبير، وما شهدته ليبيا من ثورة دموية وإصرار الشعب الليبي وثباته أمام الحديد والنار أرسى في داخلنا إمكانية القيام بثورة عارمة تطيح بهذا النظام الذي لا يقارن بظلمه واستبداده بالأنظمة الأخرى، وبدأنا رحلة البحث عن الشرارة فكانت درعا على موعد مع الحلم الذي كنا ننتظره». مرحلة المجازر تصاعدت حدة التظاهرات وزادت رقعتها وانتشرت على كامل التراب السوري بمشاركة كبيرة من غالبية مكونات الشعب، وظهرت التنسيقيات والنخب المثقفة التي تقود الحراك السلمي في شكل منظم، وزادت معها حدة القمع والشراسة من قبل النظام السوري، الذي زج بكامل قواته الأمنية والعسكرية لقمع المتظاهرين بمختلف الأدوات وأساليب القمع والقتل، متهما المتظاهرين بالعصابات الإرهابية المخربة. كما ارتكبت القوات الأمنية وقوات الجيش السوري النظامي عشرات المجازر بحق المتظاهرين السلميين، بينها مجازر درعا البلد وبانياس والبيضا والساعة الشهيرة في مدينة حمص التي ذهب ضحيتها المئات من المتظاهرين، إضافة إلى مجازر الحولة والتريمسة وأرياف دمشق، وبعد ذلك بدأت تأخذ تلك المجازر الطابع الطائفي عبر فيديوات يتم تسريبها عمدا من قبل قوات النظام لإجبار المتظاهرين على حمل السلاح وتحويل الصراع السلمي إلى حرب أهلية وصراع مسلح. بدء الانشقاقات ومع ازدياد حدة القتل والمجازر والدموية الكبيرة التي أظهرتها قوات النظام السوري تجاه المتظاهرين بدأت تطفو على السطح بوادر تمرد داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، من أشخاص رفضوا القتل والوحشية التي يتم التعامل بها مع المتظاهرين، وفي 23 أبريل عام 2011 أعلن المجند في جيش النظام وليد القشعمي انشقاقه رافضا الأوامر العسكرية الموجهة إليه بإطلاق النار على المتظاهرين، وتبعه في السابع مع يونيو في العام نفسه الملازم أول عبد الرزاق طلاس وأعلن انحيازه لثورة الشعب السوري. وبعد انشقاق طلاس بيومين، أعلن المقدم حسين هرموش انشقاقه الشهير، وبدأت معه مرحلة جديدة من مراحل الثورة السورية، حيث شرع هرموش بتنظيم المنشقين عن جيش الأسد، الذين زاد عددهم بشكل كبير، ومع انضمام المتطوعين المدنيين، أعلن هرموش تأسيس حركة الضباط الأحرار، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه في ظروف غامضة. الجيش الحر وتوالت الانشقاقات في شكل مكثف من الضباط بمختلف الرتب العسكرية، ففي 29 يوليو عام 2011 أعلن العقيد رياض موسى الأسعد تأسيس الجيش السوري الحر تحت قيادته، وحدد عقيدة الجيش الجديد بالدفاع عن الوطن والمواطنين وحماية الثورة وإسقاط النظام، معتبراً أنه النواة الحقيقية لتشكيل جيش وطني حقيقي لدولة الحرية والديموقراطية في سوريا المستقبل. وبدأت تظهر تشكيلات عسكرية تحت مسميات عدة، عنوانها العريض الجيش السوري الحر، لتبدأ بعدها العمليات العسكرية ضد جيش النظام السوري، وغابت أصوات المتظاهرين، ليحل مكانها أزيز الرصاص وهدير المدافع، وبذلك انتقلت الثورة السورية من مرحلة التظاهرات السلمية إلى مرحلة الصراع المسلح الذي لم يشهد العالم له مثيلا، وكانت نتيجته مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين، وملايين المهجّرين، ووصلت الحال إلى وطن مدمر وشعب محاصر، في أسوأ كارثة في العصر الحديث.
مشاركة :