بدا خلال السنوات التالية لثورة 25 كانون الثاني (يناير) عام 2011 أن مصر مقبلة على رواج سياسي كبير، وفُتح الباب على مصراعيه لتأسيس الأحزاب بعد سنوات فرض خلالها نظام الرئيس السابق حسني مبارك قيوداً على إشهارها، خصوصاً المعارضة منها. توهجت الأحزاب الجديدة باستقطاب المتعطشين للمشاركة السياسية أملاً في تغيير منتظر، خصوصاً الشباب منهم. وامتدت فترة الرواج خلال الأعوام الثلاثة اللاحقة اعتماداً على زخم الثورة في الشارع، قبل أن تدخل الأحزاب بعدها مرحلة الانحسار مع تراجع اهتمامها بالسياسة على حساب أزمات داخلية بفعل الخلافات الأيديولوجية بين مجموعات مختلفة من أعضائها. ولعل الصراع الداخلي الذي يشهده حزب المصريين الأحرار بين مؤسسه رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس، يؤازره مجلس الأمناء، وجبهة أخرى يتزعمها رئيس الحزب عصام خليل وبعض نواب الحزب الذي يمثله 65 عضواً في البرلمان، أبرز دلالة على الحال التي وصلت إليها الأحزاب المصرية، خصوصاً مع تفاعل الأزمة لتصل إلى ساحات القضاء، وأخيراً إعلان مجموعة من شباب الحزب الليبرالي انسحابها بعدما بلغ الخلاف نقطة اللاعودة، فيما تمضي التجربة الحزبية بين مد وجزر واتهامات بالفشل في بناء التنظيم تارة، والغياب عن الشارع تارة أخرى، يوازيها اتهامها الدولة بممارسة التضييق على أنشطتها. وبينما يقر الرئيس السابق للحزب المصري الديموقراطي الدكتور محمد أبو الغار بـ «فشل الأحزاب المصرية»، قائلاً: «يضربها كثير من الخلافات بفعل غياب الأيديولوجية داخل البنية الحزبية، ما يعوق بناء التنظيم، فتسود التناقضات الفكرية بين أعضائها، كما أن غياب الديموقراطية داخلها أحياناً يعمق حجم الهوة، خصوصاً أن بعضهم ليسوا ديموقراطيين». لكنه في المقابل يحمل على السلطة «التضييق على الأحزاب رغبة عدم وجود كيانات مدنية، خصوصاً أنها قادرة على صوغ خطاب وطني منطقي يسبب إزعاجاً للحكومة». ويتفق مع أبو الغار، رئيس حزب الكرامة المهندس محمد سامي الذي رأى أن الدولة تعتمد مبدأ «من ليس معنا فهو ضدنا، وتغافلت عن الحوار»، داعياً إلى أن تدرك الدولة أن الأحزاب هي «الوسيلة لانطلاق العمل السياسي». ولفت سامي إلى أن ابتعاد بعض أعضاء الأحزاب عن المشهد بسبب الشعور بعدم جدوى المشاركة السياسية، أثر في بنية الأحزاب وقدرتها على استيعاب مشاكلها الداخلية، سواء أكانت صراعات على مناصب، أم مواقف شخصية، وتحوّلت الأحزاب عن الاهتمام بهدفها الأسمى الذي تأسست من أجله». أما الناطق السابق باسم حزب المصريين الأحرار شهاب وجيه الذي تخلى عن منصبه القيادي في الحزب، مؤكداً احترامه القيادات السابقة والحالية، ففسر تلك الحالة بالقول: «سيطرت على الأحزاب، خصوصاً الليبرالية منها، الرغبة في حصد مقاعد برلمانية وأغفلت الاتفاق على مفاهيم العمل الحزبي، فانضم إليها ذوو أيديولوجيات مختلفة، ما أدى إلى نشوب صراعات فكرية داخلية، وتفجر الانقسام الذي بلغ حد التخوين أحياناً». ولا يشكك وجيه في «وجود غالبية من المخلصين، لكنها تختلف في وسائل تحقيق تلك الأهداف». ويعتقد شهاب أن الدرس الرئيس الذي يستوجب الاستفادة منه هو حتمية أن تجمع الأحزاب أصحاب الآراء الفكرية المتشابهة وترسيخ قواعدها الحقيقية وبناء طليعة تؤمن بمبادئ الكيان كي تتمكن من أن تحمل لواءه مستقبلاً، وألا تفتح الساحة أمام الباحثين عن مصالح شخصية».
مشاركة :