عودا على بدء، ذكرت في المقالين السابقين أنه خلال الأعوام الستة السابقة عانت أسواق النفط تخمة تضررت منها الدول المنتجة للنفط بشكل عام، خصوصا الدول التي تعتمد بصورة أساسية على الإيرادات النفطية، وفي المقابل استفادت من هذه التخمة الدول المستهلكة للنفط نظرا لانخفاض الأسعار مجملا، خاصة في بعض الفترات. سلطت الضوء على التقلبات السعرية القوية بين عامي 2014 و2016 بدءا من سعر 112 دولارا لبرميل خام برنت في حزيران (يونيو) 2014، مرورا بالهبوط التدريجي في أسعار النفط الخام الذي بدأ منتصف عام 2014 بسبب زيادة الإنتاج بالتزامن مع بوادر تباطؤ اقتصادي عالمي وعلى رأسه الصين حتى وصل سعر البرميل في نهاية عام 2014 إلى نحو 53 دولارا حتى وصل إلى 27 دولارا للبرميل مطلع عام 2016 حيث بلغ فائض معروض النفط أعلى مستوياته منذ أكثر من عشرة أعوام، بمتوسط خمسة ملايين برميل يوميا. سلطت الضوء على دور المملكة التاريخي وجهدها الاستثنائي الذي يشار إليه بالبنان الذي أدى لاتفاق تاريخي في نهاية عام 2016، حيث دخل الاتفاق حيز التنفيذ مطلع عام 2017 وأسهم في ارتفاع أسعار النفط لكن بصورة بطيئة حتى وصل خام برنت إلى 65 دولارا للبرميل. بزوغ نجم النفط الصخري عام 2017 غير قوانين أسواق النفط وجعل أسعار النفط شبه أفقية مع تذبذب بسيط في الأسعار صعودا وهبوطا حتى منتصف عام 2018، حتى حدث أمر مهم دفع بالأسعار لبحر 70 دولارا وهو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في أيار (مايو) من عام 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية على طهران. هذه الخطوة أثرت بلا شك في أسواق النفط وذلك إيران تعد ثالث أكبر منتج للنفط في "أوبك" بمعدل 3.8 مليون برميل يوميا، منها 2.1 مليون برميل يوميا مخصص للصادرات. الخوف من تأثر الإمدادات العالمية بسبب العقوبات الأمريكية، إضافة إلى الاتفاق التاريخي لخفض الإنتاج دفع أسعار النفط للارتفاع حيث وصل سعر خام برنت في حزيران (يونيو) إلى نحو 75 دولارا للبرميل، ومن ثم إلى نحو 80 دولارا في آب (أغسطس) من عام 2018 رغم تقليص حجم الخفض من "أوبك" والمنتجون المستقلون بواقع 600 ألف برميل يوميا ليصبح الخفض 1.2 مليون برميل. ارتفاع أسعار النفط إلى هذا المستوى لم يرق للولايات المتحدة ما دفع الرئيس الأمريكي في أكثر من مناسبة للتغريد على "تويتر" حيث طلب من "أوبك" خفض أسعار النفط غير المنطقية من وجهة نظره، لكن مخرجات اجتماعات الجزائر لم تأت وفق رغبة الرئيس الأمريكي لخفض الأسعار، حيث إن المجتمعين اتفقوا على عدم زيادة الإنتاج حتى نهاية عام 2018 ما أدى إلى ارتفاع الأسعار مجددا إلى مستوى 86 دولارا تقريبا. السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو لم يصل أعضاء "أوبك" والمنتجون المستقلون إلى اتفاقية خفض الإنتاج؟ وماذا لو لم تفرض واشنطن عقوبات هي الأقسى تاريخيا على الصادرات النفطية الإيرانية؟ هذا ما سنسلط الضوء عليه في المقال المقبل بإذن الله.
مشاركة :