بالكاد هدأت هجمة القوى الشيعية العراقية على الشخصيات السُنية التي حضرت «مؤتمر جنيف» الشهر الماضي، حتى جاء اجتماع إسطنبول الذي عقدته شخصيات سياسية سُنية نهاية الأسبوع الماضي، ليجدد عاصفة الانتقادات التي بلغت حد الاتهام بـ«السعي إلى تقسيم البلاد»، ما رفضته القوى التي شاركت في المؤتمر. وظهر أول الردود على المؤتمر عبر بيان أصدره «التحالف الوطني» وأعرب فيه عن «تحفظه» عن عقد اجتماعات كهذه في توقيت من شأنه «التشويش على انتصارات شعبنا»، في إشارة إلى معارك الموصل. وأكد بيان التحالف أن «إعادة ارتهان مصير الشعب العراقي، بيد العوامل الخارجية، يعد أمراً مرفوضاً تماماً من قبل أبناء الشعب العراقي كافة». غير أن رد فعل «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نائب الرئيس نوري المالكي، أظهر قدراً أكبر من التشدد حيال اجتماع إسطنبول، فاعتبره «مؤتمراً مشبوهاً»، ويأتي في إطار «التدخل السافر» في الشأن العراقي، بحسب بيان أصدره رئيس كتلة الائتلاف في مجلس النواب علي الأديب. وطالب الحكومة بأن يكون لها موقف واضح من «هذا المؤتمر وأمثاله، لا سيما أنها وضعت في منهاجها رفض التدخل في الشؤون الداخلية للعراق». وكشفت النائبة عن «ائتلاف دولة القانون» عالية نصيف لـ«الشرق الأوسط»، أن أكثر من 50 نائباً رفعوا طلباً إلى الادعاء العام يطالبونه بمحاكمة المشاركين في مؤتمر إسطنبول «تحت بند الخيانة العظمى». واعتبرت أن أي تحرك في هذه المرحلة «يجب أن يكون على أساس وطني وتحت مظلة الحكومة». وقالت: «بعض من شاركوا في مؤتمر إسطنبول متحالف مع ائتلاف دولة القانون، لكن حضور هذا المؤتمر يمثل مشكلة». وأضافت: «مثلما أرفض خضوع أي طرفي شيعي لإيران، أرفض المشاركة في مؤتمرات ترعاها تركيا التي سمحت بدخول عناصر (داعش) إلى العراق». ونقلت عن «ساسة من داخل تحالف القوى العراقية» أنهم أبلغوها «بوجود عناصر استخباراتية من دول مختلفة رتبت لقاء إسطنبول». لكن محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، الذي شارك في مؤتمر إسطنبول، اعتبر أن الردود السلبية صدرت عن «جهات متطرفة من الجانبين لا تستطيع العيش إلا في ظل الأزمات». وكتب النجيفي، وهو الشقيق الأكبر لنائب الرئيس أسامة النجيفي، عبر صفحته على «فيسبوك»، أن هدف مؤتمر إسطنبول كان «التشاور في وضع المناطق المحررة من (داعش) وكيفية إعادة تأهيل المجتمع اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وتمكينه من تجاوز جميع المراحل السابقة التي كان من نتائجها ظهور التطرف». واعتبر أن مزايا اللقاء هي «غياب المزايدات الخيالية والسقوف التعجيزية والقناعة بأن العمل الممكن في العراق لا بد من أن يكون تحت سقف الدستور، مهما احتوى على نقاط خلافية». وأضاف أن «الحاجة إلى الإغاثة العاجلة للموصل» تصدرت اهتمام الحاضرين. وكان رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، الذي حضر اجتماع إسطنبول، قد رفض الجمعة الماضي، أي تجمع أو لقاء يسعى إلى تقسيم العراق أو «ارتهانه» بمشروعات خارجية، لكنه اعتبر أن «بعض اللقاءات التشاورية عمل مشروع»، إذا كان الهدف «ترتيب صفوف مكون أو جهة سياسية معينة». ورداً على مطالبات بالاعتذار عن مشاركته في الاجتماع، اعتبر الجبوري أن الحديث عن مؤتمرات تقسيم العراق «شماعة مملة». ورفض اتهامات قوى شيعية بوجود عناصر استخبارات بعض الدول في المؤتمر، قائلا إن «ممثلي الدول الإقليمية الذين حضروا ليسوا مخابرات، ومشاركتهم كانت للاستماع فقط». وكانت الهيئة التحضيرية لمؤتمر القوى السنية الذي انعقد في إسطنبول الأربعاء الماضي، قد أصدرت بياناً قالت فيه إن «شخصيات سياسية واجتماعية وفكرية عراقية بحثت أوضاع العراق في مرحلة ما بعد (داعش)، وجرى التأكيد على وحدة العراق وأمنه واستقراره، ورفض أي صيغة أو محاولة لتقسيم العراق أرضاً وشعباً». وأضافت أن المجتمعين «اتفقوا على مواصلة حواراتهم التشاورية في المستقبل القريب، بهدف بلورة رؤى مشتركة لمواجهة تحديات مرحلة ما بعد (داعش)». وبين أهم الشخصيات السياسية التي حضرت مؤتمر إسطنبول، نائب الرئيس أسامة النجيفي، وشقيقه أثيل، ورئيس مجلس النواب، وصالح المطلق، والنائب أحمد المساري. لكن النائب عن محافظة نينوى المنشق عن «تحالف القوى العراقية» أحمد الجبوري، طالب الحكومة بمحاسبة كل من يشارك في المؤتمرات «المشبوهة»، معتبراً أن مجموعة من السياسيين يحاولون «استباق الأحداث» والتخطيط لمستقبل نينوى والمناطق الأخرى بـ«عنوان طائفي».
مشاركة :